إبراهيم المنوفي

﴿قَالُوا يَا هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَن قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ﴾ مما يهون على صاحب الحق البيِّن إعراض الناس عما عنده من الحق أن الأنبياء -وهم المؤيدون من الله الموحى إليهم وأقدر الخلق إبانة عن الحق- كان يقال للواحد منهم: ما جئتنا ببينة! والأهواء آلهة عند بعض الناس، وهي أحد أوجه تفسير قوله تعالى: ﴿أرأيت من اتخذ إلهه هواه أفأنت تكون عليه وكيلا﴾!

﴿أم يقولون افتراه قل إن افتريته فعليَّ إجرامي وأنا بريء مما تجرمون﴾

«وما أكْثَرَ ما يَنْقُلُ النّاسُ المَذاهِبَ الباطِلَةَ عَنِ العُلَماءِ بِالأفْهامِ القاصِرَةِ». ابن القيم.

«ولو أن رجلا من أدمث الناس وأشدهم تلخيصا لكلامهم، ومحاسبة لنفسه، ثم جلس مع امرأة لا تزن بمنطق، ولا تعرف بحسن حديث، ثم كان يعشقها، لتناتج بينهما من الأحاديث، ولتلاقح بينهما من المعاني والألفاظ، ما كان لا يجري بين دغفل بن حنظلة، وبين ابن لسان الحمرة. وإنما هذا على قدر تمكن الغزل في الرجل». الجاحظ.

[ومَنْ عُرف منه أنه أراد بردِّه عَلَى العُلَمَاء النصيحةَ لله ورسوله، فإنه يجب أن يُعامل بالإكرام والاحترام والتعظيم كسائر أئمَّة المسلمين الذين سبق ذكرهم وأمثالهم ومن اتبعهم بإحسان. ومن عرف أنه أراد بردِّه عليهم التنقص والذم، وإظهارَ العيب، فإنه يستحقُّ أن يُقابل بالعُقوبة ليرتدعَ هو ونظراؤه عن هذه الرذائل المحرمة]. ابن رجب.

«وأقلل من الكلام فإنما لك ما وُعي عنك». أبو بكر الصديق رضي الله عنه.

بعض طباع الإنسان التي لا يرتضيها لنفسه أو لا يرضاها له بعض من حوله كل ما يستطيعه حيالها هو أن يهذِّبها ويقلل آثارها قدر الطاقة، وهو في ذلك مجاهد لنفسه مثابٌ إن شاء الله، وإن حاول تغيير تلك الطباع أضرَّ به ضررًا أكبر من ضرر بقائها. وكثير ممن ضعفت بصيرته بنفسه يجرُّه إرضاء غيره إلى أذى نفسه أذًى يفسدها ويخرجها عن حال الاعتدال.

[فلو كنت إذا جنيت لم تقم على الجناية، وإذا عزمت على القول لم تخلِّده في الكتب، وإذا خلّدته لم تظهر التبجّح به، والاستبصار فيه، كان علاج ذلك أيسر، وكانت أيام سقمك أقصر. فأخزى الله التصميم إلا مع الحزم، والاعتزام إلا بعد التثبّت، والعلم إلا مع القريحة المحمودة، والنظر إلا مع استقصاء الرويَّة]. الجاحظ.

[ولا أعلم نارا أبلغ في إحراق أهلها من نار الغيظ، ولا حركة أنقض لقوَّة الأبدان من طلب الطوائل مع قلة الهدوء والجهل بمنافع الجمام، وإعطاء الحالات أقسامها من التدبير. إنّ داء الحزن وإن كان قاتلا فإنه داء مماطل، وسقمه سقم مطاول، ومعه من التمهُّل بقدر قسطه من أناة المرَّة السوداء. وداء الغيظ سفيه طيَّاش، وعجول فحّاش، يعجل عن التوبة، ويقطع دون الوصيّة، ومعه من الخرق بقدر قسطه من التهاب المرَّة الحمراء]. الجاحظ.

لما كان يوم بدر وعزم النبي صلى الله عليه وسلم على الخروج لاعتراض عِير قريش، قال لأصحابه: «إن لنا طِلبة، فمن كان ظَهره حاضرًا فليركب معنا. فجعل رجالٌ يستأذنونه في ظهرانهم في علو المدينة، فقال: لا، إلا من كان ظهره حاضرًا». ثم حصل ما هو معلوم من تحوِّل مجرد "اعتراض العير" إلى قتال وجهاد، وكان لأهل هذه الوقعة من المزايا ما ليس لغيرهم من المغفرة والتشريف وغير ذلك. استوقفني قوله صلى الله عليه وسلم: «مَن كان ظهره حاضرًا فليركب معنا». أن تكون متجهِّزًا مستعدًا آخذًا أهبتك في غالب وقتك -حتى في غير حالات الشدة والأزمة- قد يجعلك ذلك تنال مزايا لا ينالها غير المتجهِّز حتى وإن لم يكن ذلك عن تقصير منه. الغالب في الأزمات والشدائد أنها تأتي فجأة، فمن لم يكن حاضر الظهر فلن يكون له أثر في التغيير والإصلاح، أو لن يكون أثره كأثر غيره.