أصحاب الحديث

الهجرة والفرار بالدين خوفاً من الفتن قوله تعالى: {يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ} دليل على جواز اختيار الأرض، والنقلة من موضع إلى موضع فرارا من المعصية، وصيانة للدين، وخلاصا ممن لا يساعد على الآخرة ويدعو إلى الدنيا . [ نكت القرآن ٥٩٦/٣ ]

المتاجرة مع الله بتلاوة القرآن قال الإمام أبو بكر الآجري رحمه الله: أعلم الله خلقه : أن من تلا القرآن ، وأراد به متاجرة مولاه الكريم ، فإنه يربحه الربح الذي لا بعده ربح ، ويعرفه بركة المتاجرة في الدنيا والآخرة . [أخلاق حملة القرآن ص٢ ]

قال الإمام الكرجي القصاب رحمه الله: إن تَأَمُّلَ خَلْقِ امرأةِ من وراء الثوب مذموم كتأمله بَاديَا، وإن كان باديا أعظم، لأن الله ﷻ عالم بخفيات القلوب، وعارف بما تكن الصدور. وروي عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه أنه قال " من تأمل خَلْق امرأة من وراء الثوب وهو صائم أفسد صومه " - ومعنى أفسد صومه - والله أعلم - أنه لم ينزهه عن محارم الله لا أنه مفطر بالنظر، لأن الصائم عليه أن ينزه صومه من كل ما عليه فيه مأثم . [ نكت القرآن للكرجي ٥٥٩/٣ ] ويدخل في هذا ما تقوم به بعض النساء من نشر صورهن على مواقع التواصل الاجتماعي وهن يلبسن النقاب، فتجد الواحدة منهن ترسل صورها بالنقاب بألوان مختلفة تحت شعار إغاظة النسوية والعلمانية، وهذا من مكر الشيطان بها ، فلا طاعة لله في معصية، فالتي تجعل صورها في متقلب أنظار الرجال هي قليلة الحياء من ربها وآثمة لا شك وتستحق الزجر ، ونظر الشاب الملتزم إليها أشد فتنة عليه من نظره إلى المتبرجات .

الغفلة عن الأذكار سببًا في البعد عن الله قال ابن القيم : إنّ الغافل بينه وبين الله عز وجل وحشة لا تزول إلّا بالذكر . وقال : على قدر غفلة العبد عن الذّكر يكون بعده عن الله . [ الوابل الصيب ٦٢ ]

زمان لا ينجو فيه إلا من دعا بدعاء الغريق لا ينبغي أن نضيع فيه ساعة الإستجابة قال حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما : ليأتين على الناس زمان لا ينجو فيه إلا من دعا بدعاء الغريق .. [ مصنف ابن أبي شيبة ٣٧١٣٤ ] وقال التابعي محمد بن المنكدر : ليأتين على الناس زمان لا يخلص فيه إلا من دعا كدعاء الغريق.[ حلية الأولياء ] وقال الإمام سفيان الثوري رحمه الله : وقد كدر هذا الزمان، أَنه ليشتبه الحق والباطل، ولا ينجو من شره إِلاَّ من دعا بدعاء الغريق. [تقدمة الجرح والتعديل] قال الإمام مالك: بلغني أنه يأتي على الناس زمان لا ينجو فيه إلا من دعا دعاء الغرق.[البيان والتحصيل] لا أكاد أشك أنّ زَمَنَنَا هذا ينطبقُ عليه الوصف، بحر من الفِتن تتلاطم أمواجه لا تعرف فيه الحق من الباطل، فينبغي أن لا نضيع ساعة الإستجابة ونحرص عليها أشد الحرص بالتضرع وسؤال الله الكريم بصدق وخوف وكأنك ببحر وتتعلق بقشة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن في الجمعة لساعة لا‌ يوافقها عبد مسلم وهو قائم يصلي يسال الله شيئا إلا‌ أعطاه إياه». وكان عبد الله بن سلام رضي الله عنه يقول : السَّاعَةُ الَّتِي يُذْكَرُ فِيهَا مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ مَا يُذْكَرُ : آخِرَ سَاعَاتِ النَّهَارِ.[مصنف عبدالرزاق] وكانت فاطمة تقول لغلام يقال له أربد: اصعد على الطراب فإذا رأيت الشمس قد تدلت للغروب فأخبرني فيخبرها فكانت تقوم إلى مسجدها فلا تزال تدعو حتى تغرب الشمس ثم تصلي.

مما أعجبني في سيرة الإمام عبد الغني المقدسي رحمه الله، أنه كان قويا في بدنه، ينكر المنكر بيده شديد على أهل البدع والفجور والمعاصي، وهذا الأمر محمود خاصة في هذه الأزمنة التي يكون فيها المؤمن بين أهل الكفر أذل من الأمة جاء في السير : كان (الإمام عبدالغني المقدسي) لا يرى منكرا إلا غيره بيده أو بلسانه، وكان لا تأخذه في الله لومة لائم ، قد رأيته مرة يهريق خمرا، فجبذ صاحبه السيف فلم يخف منه، وأخذه من يده، وكان قويا في بدنه، وكثيرا ما كان بدمشق ينكر ويكسر الطنابير والشبابات. كان الحافظ لا يصبر عن إنكار المنكر إذا رآه، وكنا مرة أنكرنا على قوم، وأرقنا خمرهم، وتضاربنا، فسمع خالي أبو عمر، فضاق صدره، وخاصمنا، فلما جئنا إلى الحافظ طيب قلوبنا، وصوب فعلنا، وتلا: ﴿وانه عن المنكر، واصبر على ما أصابك ﴾ ولشدته بإنكار المنكر وضعت له هيبة في النفوس حتى قال بعض الأمراء عنه : ما خفت من أحد ما خفت من هذا وقال : لما دخل علي ما خيا إلي إلا أنه سبع وقال غيره : خيل إلي أنه أسد . وهذا ما ينبغي على السني الأثري في هذا الزمان أن يكون شديد على أهل الكفر والفجور بالحجة والبيان أو بالبطش والضرب فكثير من الناس لا تنفع معهم النصيحة ولا يردعهم إلا ضرب الجريد على رؤوسهم ، ولا يتحذلق متحذلق ويقول .. هذا أمير المؤمنين عمر الفاروق كان ينكر المنكر بيده ويضرب بالجريد والدرة حتى أصبح يضرب المثل بدرة عمر قال الشعبي: كانت درة عمر أهيَبَ من سيف الحجاج ! وقال الحسن البصري: لله در أهل الحق، كانت درة عمر رضي الله عنه أهيب من سيف الحجاج .

ما أكثرهم ! قال عبّاد بن عبّاد الشامي رحمه الله: انتحال السُّنة دون العمل بها، كذبٌ بالقول مع إضاعة للعِلم. [ سنن الدارمي ٦٧٥ ]

استنباط دقيق واستدلال صحيح فللَّه درُّه ما أدقَّ وأحدَّ فهمه [الإمام الكرجي رحمه الله] قوله: (إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا) رد على الرافضة في تقديم علي على أبي بكر - رضي الله عنهما -؛ إذ قد شهد الله - جل وتعالى - له بالصحبة والكينونة معه في الغار من دون الناس، ولخروجه من توبيخ الخطاب وترك النصرة بالمسابقة إلى ما قعد عنه غيره، والمشاركة له فيما يحذر المطلوب، إذ لا نصرة أنصر ممن بذل نفسه للمكروه وخرج مع المطلوب يؤنسه في وحدته ويشاركه فيما يتقيه من محذور عدوه. ولئن كان علي - رضي الله عنه - قادرا على الخروج مع رسوله الله، صلى الله عليه وسلم، إلى الغار فلم يخرج، أو أراد الخروج فرده وأخرج غيره لقد قدمه عليه تقديما ظاهرا، إذ رضيه لأنسه، وأشركه فيما نال من ثواب الله هناك، ولئن كان عن ذلك عاجزا لصغره، لقد سبقه إلى مكرمة لا يقدر مشاركته فيها أبدا، وبان فضله عليه. ألا ترى أن الله - تبارك وتعالى - يقول: (لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى) . [نكت القرآن للكرجي القصاب ٥٣٦/١ ]

وقوله: (وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ (٣٦) أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ) الآية حجة على المعتزلة من جهتين: إحداهما: لا يزعمون: أنه ليس - بنفسه - في السماء، وهذا المعنى من قول فرعون، وفرعون كافر قد قطع كل ريب أنه - لا محالة - في السماء، إذ محال أن يقول فرعون إلا بعد أن سمع موسى - عليه السلام - يدعوه إلى من هو في السماء . [نكت القرآن للكرجي القصاب ٤٧/٤ ]