جُمانة المُدرَّع

صناعة الغربة… خطاب الغربة مرتبط بشكل كبير بالعديد من التيارات، لإضفاء طابع التميّز على أتباعها، وإقناعهم أنهم يملكون طبيعة خاصّة تقترب بهم من الكبريت الأحمر! من باب أن المصلحين يجدون غربة في المجتمعات الفاسدة، والعباقرة مع العامة، والمبصر بين العميان. على أنّ الغربة المنسوبة إلى المصلح والعبقري والمبصر مبنية على ثبوت الوصف فيه، في حين جرى التعامل مع وجود الغربة كعلامة على العلم أو البصر! رغم أن الاغتراب قد يكون لأسباب غير هذه، فالقتلة المتسلسلون، المصابون باضطراب ما بعد الصدمة، من يعانون مشاكل في التواصل، العنصريون، كلهم قد يشعرون بالغربة! العديد من الكوارث عند هؤلاء التي دفعتهم لوصف حالتهم بالغربة، قد يجدها غيرهم غريبة، مثل ألا يعانوا من أي تمييز عنصري لكنهم متى لم يجدوا ممن حولهم تبجيلًا لهم كالملوك جعلوها غربة! مرورًا بظواهر مثل مجلس لا يكاد يختلف عن حلقة وعظ في مسجد يقولون هو عرس لأحد الإخوة ومتى عجب الناس من هذا، قالوا: غربة! تقدّم أحد الإخوة ممن يحفظ ستة متون طويلة لخطبة بنت وأخبرهم عن حفظه، ولما سأله أهلها ماذا تعمل؟ قال: إنه يبيع بعض العطور الرخيصة، مع السواك يتكسب بذلك بعض النقود وعلى حسب المواسم فلما رفضوه قال هي غربة! كثير من معاني الغربة كانوا قد اصطنعوها بأنفسهم، جعلتهم يضيّقون عالمهم ويصغّرونه فوق صغره، كلما توحّدوا أكثر مع قناعاتهم كانوا يقللون عدد خياراتهم المتاحة، لينحصروا مع تلك الخيارات التي تتفق مع حساسيتهم المفرطة أمام كل موقف بوصفه غربة.

لا نستجدي الغرب احترام قيمنا ، ولن نحترم قيم انتكاس الفطرة وجنون الإفساد الجنسي الذي يمارسه . ولذلك لن يكون انتصارا أن نقول له : كما احترمنا قيمك ، يجب عليك احترام قيمنا ؛ لأننا في الحقيقة لا نحترم من قيمه إلا ما وافق منها ديننا دينَ الفطرة السوية واحترامَ الإنسان . ‏فعلينا الحذر من أن نجعل قيمنا وقيمه على قدم المساواة، من أن نجعل قيم الحق والأخلاق والفطرة كقيم الباطل والفساد والانتكاسة . ‏فأول الهزيمة وآخرها هو أن يطأطئ أهل الحق رأسهم أمام استعلاء الباطل ، وأن يستجدوه قبول الاختلاف واحترام الحضارة المختلفة . ‏من أعظم الخسارة والباطل : أن نقول : احترموا قيمنا كما احترمنا قيمكم ؛ لأننا في الحقيقة لا نحترم قيم الباطل فيهم ، بل نشمئز منها ، ونقرف من جنونهم في الاعتزاز بها .

في ظني أن من دوافع بعض الناس إحياء الخلافات الفلسفية والكلامية القديمة وما يتعلق بها من علوم كالمنطق ونحوه أنها مجال رحب لاستعراض الذكاء والقدرة على إفحام الخصوم.

— حكي: تتساءل الصديقة «جمانة» -فيما معناه- بأن هل مع تقدم الإنسان عمرًا يصير إحساسه بالأشياء أقوى؛ و من ثَمّ يتركّز إحساسه، و لربما حساسيته؟ و أجد أنّ هذا التساؤل حسنٌ و في محله، خاصةً و أنني أعايش تجارب من هذا النوع. أظن بأن نضج الإنسان له دور هام في شدة إحساسه و حساسيته، فعلى العكس من مرحلة الطفولة و المراهقة أو بداية مرحلة الشباب الّتي يتشرّب فيها بالحماسة، و النهم للتجربة، و الإقبال على الحياة فيها؛ فإنّ الإحساس المركّز سمة النضج. هكذا أستطيع تسميته. يخلُص الإنسان إلى كنه قد تشكّل به من بعد آلاف التجارب؛ فرغم رفعة أخلاقه و تجاوزه و عفوه، يصير ذا كبرياء يعزّ عليه أن يُخدش من كلمة، أو حرف، أو همز، أو فعل؛ فاجتمع فيه نضج التصرف مع الإحساس بثقل و وزن الأمور، و وضعها في مواضعها. قد يبدو هذا أنني أُصوّر الإنسان الناضج بدقته و تدقيقه و عيشه النكِد، بل هو في هذه المرحلة أكثر قدرةً على تخيّر ما يصفو و يستريح به؛ فستجده ينتهي عما يكدر صفوه، و يتجنب ما يُثقل همه همًا آخرًا، و يعتزل ما يؤذيه، و يكتفي مما يحزنه، و هكذا يحتكم في موازنة سعادته و حزنه بالطريقة الّتي يجدها مناسبة. يبقى أن أُشير إلى أنّ بعض التجارب تكوي قلب الإنسان إذا بلغ عمرًا متقدمًا جراء إحساسه المركّز/ المضاعَف لقيمة الأشياء في محيطه؛ فينظر لها بنظرة المتفكر تارةً، و نظرة المبتلى تارةً أخرى، و مرةً يزهد في الدنيا، و أخرى يستشعر رغدها، و هكذا يستشعر بكل لحظة تجابهه مدى ضعفه و قلة حيلته؛ إذ لا مناص من إدراكه و شعوره هذا. حتى اللحظات السعيدة تكون لحظة ضعفٍ؛ إذ يُدرك أنْ قد كان بالأمس باكٍ، و الآن -بمشيئة الله- ضاحكًا من غير حول و لا قوة. قد يظهر بمظهر الطفل الذي يحتاج احتواء و شدة و أزر، و لكنه رغم هذا يداري ضعفه بضعفه؛ فيكون عالمًا بنضجه رغم شعوره الخام.

المذهبية الفقهية التي صاغها ابن تيمية في فتاوى متعددة حول مفهوم التمذهب وقام بتطبيقها بنفسه= مذهبية منضبطة، لا تلغي العمل المذهبي بالكلية، ولا تتعصب لأحد بعينه، وهي بحاجة إلى من يحررها ويجود النظر فيها، بل بحاجة إلى من يفهمها ويطبقها، فأكثر العمل اليوم بخلافها سوى قلة قليلة. والشيخ يقايس أهل المذاهب في الفقه بأهل السنة والحديث في الاعتقاد، فهو يقول عن مذهب أهل السنة: "كل طائفة سوى أهل السنة والحديث المتبعين لآثار النبي -صلى الله عليه وسلم- لا ينفردون عن سائر الطوائف بحق" وما كان منهم صوابا فإنما أوتوه من جهة موافقة أهل الحديث. أما المذاهب الفقهية فيقول فيها: "الحق لا يخرج عن هذه المذاهب الأربعة في عامة الشريعة […] وكثيرا ما يترجح قول من الأقوال، ويظن الظان أنه خارج عنها، ويكون داخلا فيها، فيكون كل من القائلين معذورا باعتبار نظره" ويفرق بين دائرتين في التمذهب: *دائرة "الإلزام" بتقليد أحد المذاهب (ويجعلها من قبيل تقليد الأشخاص) فيحرمها، إذ الأقوال الموافقة للحق والصحيحة أوسع من أن تحصر بأحد بعينه. *دائرة "الإلزام" بتقليد مطلق المذاهب (ويجعلها من قبيل تقليد المنهج) فيوجبها، لكون طرق النظر الصحيحة محصورة في المذاهب الأربعة.

من أشكال ضيق الفكر في بعض الخطابات الوعظية: الامتعاض من وجود مساحة للمُباح. فالمُباح مساحة غير قابلة للاستقطاب، لا يمكن وعظ النّاس بها، ولا يمكن تأنيبهم عليها. قال الشاطبي في الموافقات: فَكَم من صاحب هوى يَودُّ لو كان المباح الفلاني ممنوعًا، حتى إنه لو وُكِّل إليه تشريعه لحَرَّمه. المباح مُزعِج لمَن يستمدّ سُلطته الدّينية على النّاس من خلال: إشعارهم بالذنب، أو اتّهامهم بالتقصير لذلك بإمكانك أن ترى الحالة الهستيرية التي يُصاب بها بعض المتصدّرين، من اهتمام النّاس بمُباح ما، ومحاولة جرّ هذا المباح إلى دائرة الحرام من خلال (مآلاته المتوقّعة) ومن المفارقات اللطيفة التي تلفتني دائمًا في علم أصول الفقه، أنّ المباح ليس مساحة مُحايدة أخلاقيًا، كما قد يُظَنّ لكن المُباح لا يُلتَفت إليه، إلّا من خلال الشريعة نفسها، أيّ أنّ المباح لا يصير مباحًا إلّا من خلال دائرة التشريع، والمسلم يتعاطى معه من منطلق تشريعي لا من منطلق حياد. -محمود أبو عادي

عن "جبن" النساء في ميادين العلوم الشرعية:

سَمَوتُ إِلى العُلا وَعَلوتُ حَتّى رَأَيتُ النَجمَ تَحتي وَهوَ يَجري وَقوماً آخَرينَ سَعَوا وَعادوا حَيارى ما رَأوا أَثَراً لِأَثري *عنترة بن شدّاد

الانتماء الانفعالي لأي فئة من الفئات الاجتماعية يجعل المرء سريع التأثر بالشعور والانفعال المماثل الذي يختبره شخص آخر من الفئة نفسها حينما يمر هذا الشخص بما يثير هذا الشعور. ‏📘 ما الإنفعال ؟ | ‏ جيروم كاجان

من أعظم النعم شخص يصونك عن تمزيق نفسك لومًا وتأنيبًا، بل يسبقك إليك فهمًا واحتواء، ويصونك من مسامير الوسوسة التي تنبت في رقة قلبك!