و منهم سابق بالخيرات بإذن الله

مما رغّب فيه القرآن الكريم المنافسة في أعمال الآخرة، قال تعالى: (وفي ذلك فليتنافس المتنافسون)، وقال: (فاستبقوا الخيرات)، (سارعوا إلى مغفرة من ربكم)، والمتنافسُ المتسابقُ المسارعُ في هذا الميدان متى رأى ساعيًا إلى الله تعالى بعملٍ صالحٍ غبطه وحرص على أن يكون له نصيب منه، فإن كان عاجزًا عنه وجد في نفسه ألمًا لذلك، وفتّش عما يُحصّل به مثل أجره، ولكلّ هذا شواهد في سنة النبي صلى الله عليه وسلم وفي أحوال صحابته الكرام. فمن الحث على المنافسة في الخير حديث: "لا حسد إلا في اثنتين"، ومن حزن بعض الصحابة لفوات بعض الأعمال شكواهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم: "سبقنا أهل الدثور بالأجور"، ومن السؤال عن البدائل من الأعمال لتحصيل أجرها سؤال بعض النساء لمّا فاتهن الحج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عما يجزئ من تلك الحجة، فأرشدهن إلى عمرة رمضان. والمسبوقون من إخوانهم إلى حج بيت الله الحرام الساعون لتحصيل مثل أجرهم ومنافستهم في الخير قد يسّر الله -تبارك وتعالى- لهم أبوابًا من أبواب البرّ التي يُمكن أن يدركوا بها أجر الحجيج، ويمكن إجمال رؤوسها في هذه النقاط الأربعة: الأولى: صدق النية في إرادة الحج والحزن على فواته: وفي الحديث: "رجل رزقه الله علمًا ولم يرزقه مالًا، فهو صادق النية، يقول: لو أن لي مالًا لعملت مثل عمل فلان، فهو بنيته، فأجرهما سواء"، وفي الحديث: "إن بالمدينة أقوامًا ما سرتم مسيرًا ولا قطعتم واديًا إلا شاركوكم الأجر، حبسهم العذر"، ومما يُستعان به على ذلك: تهييجُ الأشواق إلى الحج، ووسائله كثيرة، ومن أشرفها وأجلّها نفعًا: مراجعة فضائله. الثانية: أن يخلف الحاج في أهله فيكون له مثل أجره: وفي الحديث: "من جهّز غازيًا أو جهز حاجًّا أو خلفه في أهله أو أفطر صائمًا كان له مثل أجورهم من غير أن ينقص من أجورهم شيئًا"، فإن لم يتمكن من الخلف بتمامه ضرب بسهم في ذلك. الثالثة: أعمال ورد في فضائلها أن ثوابها يعدل ثواب الحج: ومن ذلك حديث: "من غدا إلى المسجد لا يريد إلا أن يتعلم خيرًا أو يعلمه كان له كأجر حاج تامًّا حجته"، وحديث: "من خرج من بيته متطهرًا إلى صلاة مكتوبة فأجره كأجر الحاج المحرم"، وفي سؤال الصحابة عن أهل الدثور قالوا: "ولهم فضل أموال يحجون بها ويعتمرون ويجاهدون ويتصدقون"، فدلّهم النبي صلى الله عليه وسلم على التسبيح والتحميد والتكبير في دبر الصلوات المفروضة. الرابعة: أعمال ورد في أجرها نظير ما ورد في بعض أحاديث أجور الحج: فمن ذلك الأعمال الوارد في فضلها أنها تكفر الذنوب، وهي كثيرة جدًّا في العبادات والمعاملات بفضل الله وكرمه. وفضل الله واسع، وهو الذي يهدي من شاء إلى ما يحب ويرضى، ولا حول ولا قوة إلا به، فنسألك اللهم أن تحبّب إلينا الإيمان، وأن تزينه في قلوبنا، وأن تعيننا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك.

مر سليمان بن داود عليهما السلام في موكبه والطير تظله، والجن والإنس عن يمينه وعن يساره، قال: فمر بعابد من عباد بني إسرائيل، فقال: «والله يا ابن داود، لقد آتاك الله ملكا عظيما». قال: فسمع سليمان كلمته، فقال: «لتسبيحة في صحيفة مؤمن خير مما أعطي ابن داود، فما أعطي لابن داود يذهب والتسبيحة تبقى».

【الزهد لابن أبي الدنيا، المجالسة وجواهر العلم لأبي بكر الدينوري】

وعن عبيد بن عمير قال: «تسبيحة بحمد الله في صحيفة مؤمن خير له من جبال الدنيا تسير معه ذهبا»

【الزهد لابن المبارك، حلية الأولياء، شعب الإيمان للبيهقي】