أبو محمود الفلسطيني

الأفكار والفلسفات والمناهج لا يحصل لها تأثير ولا انتشار حتى تتمثل هذه بسلطات وقوى، وإلا فهي سائرة للاندثار والنهاية، ومن نظر في تاريخ الأديان والمذاهب علم هذا جيدا؛ فلا يغرنك تمجيد الحق في ذاته والاكتفاء بكونه الحق، بل لا يستقر هذا الحق في النفوس حتى يمتزج بالقوة والسلطان؛ ففي مرات كثيرا يكون تمجيد الحق وتعريته عن القوة المادية سبيلا تلبيسيا للوصول إلى القضاء عليه. من هنا كان فصل الحكم والقضاء عن شريعة الرحمن جهد إبليس الأكبر في أمتنا، وقد تركوا مهمة إضعاف الدين في مقامه الوعظي إلى أهل البدع من أصحاب التأويلات الباطلة، ولولا بقايا جهاد مادي في أمة الإسلام غير الوعظي لانتهى هذا الدين على صورة الأديان الأخرى مزورا ومبدلا. ما يحفظ الدين في جوهره وحقيقته هو الجهاد المادي، وهو سياج الوعظ والعلم في أفقهما الكلامي.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: من الواجبات ما يقدم على وفاء الدين كنفقة النفس والزوجة والولد الفقير، ومنها ما يقدم وفاء الدين عليه كالعبادات من الحج والكفارات، ومنها ما يقدم عليه إلا إذا طولب به كصدقة الفطر، فإن كان الجهاد المتعين لدفع الضرر كما إذا حضره العدو، أو حضر الصف قدم على وفاء الدين كالنفقة وأولى.

تناظر أبو المعالي وابن بَرهان في مسألة أفعال العباد. فقال أبو المعالي: إن وجدت آية تقتضي ذا فالحجة لك، فتلا ابنُ بَرهان {ولهم أعمال من دون ذلك ‌هم ‌لها ‌عاملون} ومد بها صوته، وكرر {‌هم ‌لها ‌عاملون}، وقوله: {لو استطعنا لخرجنا معكم يهلكون أنفسهم والله يعلم إنهم لكاذبون} أي كانوا مستطيعين. فلما جاءت الحُجة صار أبو المعالي يستروح إلى التأويل، فقال ابن برهان: والله إنك بارد، تتأول صريح كلام الله لتصحح بتأويلك كلام الأشعري، وأكله ابنُ بَرهان بالحجة، فبُهت!. سير أعلام النبلاء التراجع عن الخطأ معضلة عند البعض… يصر على التأويلات وصرف المسألة إلى أخرى، والذهاب للمعنى البعيد… كل هذا كي لا يقر بالخطأ… لله في خلقه شؤون…

ما ألقى الله به بعد الإيمان بالله وأركان الإسلام هو عمل واحد أرجوه عند الله وأن يغفر الله لي به، وهو: نصرة كل من نصر هذا الدين، كل ساحة قام فيها من يدفع الصائل وينصر الدين نصرته بكل ما أقدر عليه… واسأل الله أن يثبتني على هذا وألقاه مواليا مناصرا لكل من ينصر دينه…

هذا آخر عهدي في الرد على الشيخ عبد الرزاق المعدي هدانا الله وإياه فيما يخص الفتوى التي خرجت منه حول الحج والجهاد… وليقبل مني الشيخ الفاضل هذه النصيحة التي أقدمها له من قلب محب يريد له السلامة وأن يكون مع الحق ومصلحة الإسلام… يا أيها الشيخ الفاضل، الفتوى هي توقيع عن رب العالمين وهذا يكفي أن يرتعد العالم قبل أن بفتي، ويستحضر عظمة الله سبحانه ويدعو الله التوفيق ومن ثم يفهم الواقع فهما صحيحا على صورته الحقيقية المطابقة للواقع فعلا، ثم يعتبر المآل، ثم ينظر في كتاب الله والسنة وقواعد العلم وأقوال السلف وأهل العلم… فكيف يُستساغ أن يفتي العالم وهو في حالك انفعال وحرقة؟!!!! ، أتفهم هذا الانفعال وهذه الحرقة، والخير أن يتم توجيههما نحو الاتجاه الصحيح الذي في زرع الأمل والتحريض على الجهاد وليس العكس… أتفهم خلاف الشيخ مع الفصائل التي فعلا تركت الجهاد وأتفهم تحريض الناس على تركهم، لكن لا أفهم أن يتم التحريض على الكيان الذي يحمي البيضة ويدفع الصائل ويحمل كل أعباء أعمال الجهاد ولم يترك الإغارات ويستعد للمعركة الفاصلة… أتفهم أن يعارض الشيخ المهدي الهيئة ويخالفه حفاظا على معيارية الحق المطلق، لكن ما لم أفهمه هو عدم النظر إلى الواقع وأخف الضررين وأدنى الشرين، لم أعرف كيف يفوت الشيخ المهدي ضرورة وواجب الحفاظ على هذا الكيان الذي هو آخر القلاع؟!!! يا شيخ المهدي، أَعمل الفقه وقواعد العلم ولا تتكلم تحت تأثير بعض خصوم هذا الكيان، أهل العلم يحافظون على استقلاليتهم حفاظا على معيارية الحق المطلق، لكن يدعمون بقاء السلطان لما يمثله من تحقيق مصالح الإسلام المسلمين… كثرة الهفوات يا شيخ المهدي بسبب مخالفة قواعد العلم والفقه، والمزج بين الحق المطلق والواقع… وكما تعلم يا شيخنا أن الفتوى هي إعمال النص على الوجه الذي يناسب الواقع، ولهذا يسبق الفتوى تحقيق وتنقيح المناط ، وليس إطلاق الحكم المطلق والقواعد العامة على نوازل دون النظر في صورة هذه النازلة وواقعها. والواقع واضح جلي أن الأمة تعيش حالة ضعف ليس لها نظير وتحتاج لكل كلمة تحافظ على بقاء روح الجهاد فيه وعلى ما يبعث الأمل حتى ولو كان أهل الجهاد في الأخطاء وبعض الانحرافات التي لا تقدح في أصل الدين، وحتى لو وجد فيهم من يريد الدنيا… وحقيقة يا أيها الشيخ أن مكانك ليس في المظاهرات والكلام الخطابي الذي يغلب عليه الحماس الذي يسهل خروج الهفوات العلمية والمواقف الغير سديدة… هي نصيحة إعمالا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: الدين النصيحة… ولم أتكلف مشقة الرد عليك إلا حفاظا لجناب الحق وقواعد العلم وضرورة الجهاد … ونسأل الله أن يهدينا وإياك سواء السبيل وأن لا أضطر للتعليق على كلمة لك او فتوى…

بعد قليل سأنشر الفتوى المتعلقة بالحج والتي أثارت جدلا واسعا.. لأني أخشى أن يكون البعض قام بحذف بعضها وروج لها مبتورة.. تنبيه: ينبغي على الشباب الطيبين أن يدركوا بأن الفتوى صدرت عن الشيخ وهو في حالة انفعال وحرقة بسبب جمود الجبهات منذ سنين.. الشيخ عبد الرزاق المهدي

ليس عندي أي خصومة مع الشيخ عبد الرزاق المهدي، ولن أقابل شتمه إلا بالإحسان… كل ما في الأمر أني لا أريد الشيخ عبد الرزاق المهدي أن يتبع تأصيلا مشوها، ويتناول العلم بطريقة خاطئة، ما أريده منه هو اتباع التأصيل الصحيح وقواعد العلم والشرع، ولا ينساق وراء الخصومات التي تجعله يتجاوز الثابت والمحكم.. ولو أنه صدع بالحق، وعارض وخاصم مع سلوك طرق العلم لما تجشم المرء الرد والتعليق عليه. لكن الأمر تجاوز الخصومة مع فصيل او جماعة او كيان او شخصية إلى الطعن بكل الجهاد وتشكيك الناس فيه، وهذا ما لا نقوى على تمريره دون تعليق او رد…

قليلا من التثبت.. رسالة إلى فضيلة الشيخ. من يقول انتهت الثورة أو الجهاد في إدلب منذ خمس سنوات، فهو واهم ومخطئ بلا شك، هناك مئات خطوط الرباط من جبل التركمان إلى ريف حلب الغربي إلى شمال شرق سوريا.. كلها جبهات وخطوط تماس يقف فيها الثوار والمجاهدون أمام المحتل الروسي وميليشيات حاقدة طائفية، وهذا أس وأساس الجهاد، إن لم يكن هذا هو الجهاد، فلا نعلم للجهاد اسما ولا رسما، ولا يخفى على الجميع عدد العمليات النوعية التي يقوم بها الأبطال كل فترة وحين. عذرا شيخنا الفاضل، لا تجعل خصومتك مع فصيل معين أو شخصيات معينة، أن تنسف جهود ٱلاف المجاهدين وتنكر واقعا ملموسا لكل ذي عينين، فاقبل نصح الناصحين، قليلا من التثبت بارك الله فيك، فإنك قد أذيتنا من حيث لا تشعر. 📝 مرابط. 🔹لمتابعة مزيد من الأخبار تابعنا على قناة تلغرام: t.me/idlib_prs