[النداء الحادي عشر: في مشروعية كتابة الديون والإشهاد عليها]
{يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه …} الآية (٢٨٢) سورة البقرة
سبق لنا أن تصدير الحكم بالنداء يدل على العناية به؛ لأن النداء للتنبيه ولا ينبه إلى على شيء هام، وتقدم لنا أيضا أنه إذا وجه الخطاب للمؤمنين فإن فيه فوائد:
أولا الإغراء والحث، كأنه يناديهم بصفة إيمانهم الذي يحملهم على امتثال الأمر واجتناب النهي.
ثانيا: أن الالتزام بهذا من مقتضيات الإيمان.
ثالثا: أن المخالفة فيه مما ينقص الإيمان.
هذه ثلاث فوائد فيما إذا وجه الخطاب إلى من؟ إلى المؤمنين، ويذكر عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: «إِذَا قالَ الله تعالى: يَا أيُّها الّذِينَ آمَنُوا فأَرْعِهَا سَمْعَكَ -يعني: استمع لها- فإمَّا خيرٌ تُؤْمَرُ به، وإِمَّا شَرٌّ تُنْهَى عنْهُ ». تفسير ابن عثيمين
احتوت على أحكام تتعلق بالديون و معرفتها يحفظ على المسلم ماله ويصون كرامته.
١- كتابة الدين إذا كان مؤجلاً لثلاثة أيام فأكثر ودل على هذا الحكم قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه} .
٢- مشروعية بيع السَّلم إذ قوله إلى أجل مسمى دال عليه وبيع السلم هو أن يبيع العبد أخاه تمرا أو قمحا إلى أجل فيأخذ البائع الثمن. ويدفع السلعة عند حلول الأجل على شرط أن يكون السلم معلوم الكيل أو الوزن، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " من أسلف في تمر فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم ".
٣- أن يكتب الدين وإن على الكاتب أن يعدل فيما يكتب فلا يزيد ولا ينقص ولا يبدل ولا يغير لقوله تعالى: {فاكتبوه وليكتب بينكم كاتب بالعدل} .
٤- أن من يحسن الكتابة إذا أحتيج إليه ليكتب بين متداينين وَجب عليه أن يكتب لقوله تعالى: {ولا يأب كاتب أن يكتب كما علمه الله فليكتب} أي شكراً لله تعالى على تعليمه الكتابة.
٥- أن الذي يملي على الكاتب هو الذي عليه الحق ليكون إملاؤه اعترافاً بالحق وتقريراً له. لقوله تعالى: {وليملل الذي عليه الحق} ، كما نهاه أن ينقص من الدين شيئا إذ قال تعالى: {ولا يبخس منه شيئا} .
٦- إن كان الذي عليه الحق قاصرا لسفه أو خوف فليملل وليه بالعدل، أي بالقسط بلا زيادة في الدين ولا نقص منه.
٧- الإشهاد على صك الكتابة ويشهد رجلان فإن تعذر وجود رجلين فرجل وامرأتان إذ قال تعالى: {واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء} .
٨- حرمة رفض الشهود الشهادة إذا دعوا إليها، وتوقف حق المرء على شهادتهما إذ قال تعالى: {ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا} أي لآداء الشهادة.
٩- الحث على كتابة الدين قليلاً كان أو كثير إذ قال الله تعالى: {ولا تسأموا أن تكتبوه صغيرا أو كبيرا إلى أجله}
١٠- العفو عن عدم الكتابة في التجارة الحاضرة كأن يشترى المرء قنطارا تمرا أو سكرا على أن يسدد الثمن بعد يوم أو أيام مثلا فإنه لا تتعين كتابة هذا الدين.
١١- وجوب الإشهاد على البيع فمن باع داراً أو بستاناً أو سيارة فليكتب ويشهد على الكتابة إذ قال تعالى: {وأشهدوا إذا تبايعتم}
١٢- أن لا يضار كاتب ولا شهيد كأن يدعى الكاتب أو الشاهد إلى مكان بعيد أو إلى وقت يعطل فيه عمله، أو يضيع فيه حقوقه إذ قال تعالى: {ولا يضار كاتب ولا شهيد} ، ومن الإضرار بالكاتب والشهيد أن يطلب إليهم أن يكتبوا باطلا أو يشهدوا زورا.
١٣- الأمر بتقوى الله ووعد الله تعالى للمتقين بأن يعلمهم ما ينفعهم في دنياهم وأخراهم بما يؤتيهم من نور في قلوبهم يفرقون به بين الحق والباطل والرابح والخاسر إذ قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا}
هذه الأحكام التي اشتملت عليها آية الدين، والحمدلله رب العالمين
#نداءات_الرحمن لأهل الإيمان 📚