فصيّح.

فإذا ذكرتُ فناءَ دُنيانا الَّتي لا لفظها يَبقى ولا مَعناها خفَّ الأَسى عنّي وهان عليَّ ما أَلقاه من أَهوالها وَبَلاها! يَهوى الأَنامُ بها البقاءَ وإنَّما شاءَ الإلهُ بقاءَهم بِسواها ما هذه الأَيّامُ غيرُ مراحلٍ تُطوى وأَنفاسُ النفوس خُطاها حتّى إِذا بلغت نهايةَ سَيرها أَلقَت عَصاها واِستقرَّ نَواها.

ولى أملٌ في اللهِ تحيا بهِ المُنى ‏ويُشرِقُ وَجهُ الظَنِّ والخَطبُ كاشِرُ

قالوا تنامُ فقلت الشوق يمنعُني ‏من أن أنامَ و عيني حشُوها السٌهُدُ ‏أبكي الذين أذاقُوني موَدتهُم ‏حتى إذا أيقظوني للهوى رقدوُا ‏هم قد دعَوني فلما قمتُ منتهضا ‏للحبِ نحوَهُمُ من قربهم بَعُدُوا ‏لأخرجنّ من الدنيا و حُبٌهُمُ ‏بين الجوانحِ لم يشعْرْ به أحدُ

‏مابالُ عينيْكَ قد أضنى بها السّهرُ ‏أمْ هذهِ سُنّةُ العشّاقِ والقدرُ ‏أكلّما جَنّ ليْلٌ بِتّ تذكرُهمْ ‏والعمرُ يمضي ولم يظْهرْ لهمْ خبرُ ‏حتى زياراتِ طَيْفٍ كنتَ تألفُها ‏غابتْ وغابَ جمالُ الليلِ والسّمرُ ‏فأصبحَ الكونُ لا أُنسٌ و لا طربٌ ‏ولا ضجيج ولا صوت ولا أثرُ

وَما بالُ كُتبي لا يُرَدُّ جَوابُها ‏فَهَل أُكرِمَت أَن لا تُقابَلَ بِالرَدِّ ‏فَأَينَ حَلاواتُ الرَسائِلِ بَينَنا ‏وَأَينَ أَماراتُ المَحَبَّةِ وَالوُدِّ ‏عَليكُم سَلامُ اللَهِ وَالبُعدُ بَينَنا ‏وَبِالرَغمِ مِنّي أَن أُسَلِّمَ مِن بُعدِ

إِصبِر قَليلاً فَبَعدَ العُسرِ تَيسيرُ ‏ وَكُلُّ أَمرٍ لَهُ وَقتٌ وَتَدبيرُ

‏قد نلتقي أَو لا نَعُودُ لِحُبنا ‏كُل النتائجِ فِي النهايةِ واردةْ ‏ أُولَى علاماتِ الرحِيلِ قطِيعَةٌ ‏ وَدَلِيلُهَا خُطُوَاتنا المُتباعدةْ ‏ لِلكِبرياءِ نتائجٌ مَذمُومَةٌ ‏بينَ الأَحبةِ لَا تَعُودُ بِفائِدةْ

‏نَظَرتُ إلى الحَياةِ فَلم أجِدهَا ‏سوى حُلمٍ يَمُرُّ ولا يعودُ

وَلّى الشَبابُ وَجازَتني فُتُوَّتُهُ وَهَدَّمَ السُقمُ بَعدَ السُقمِ أَركاني وَقَد وَقَفتُ عَلى السِتّينِ أَسأَلُها أَسَوَّفَت أَم أَعَدَّت حُرَّ أَكفاني شاهَدتُ مَصرَعَ أَترابي فَبَشَّرَني بِضَجعَةٍ عِندَها رَوحي وَرَيحاني كَم مِن قَريبٍ نَأى عَنّي فَأَوجَعَني وَكَم عَزيزٍ مَضى قَبلي فَأَبكاني مَن كانَ يَسأَلُ عَن قَومي فَإِنَّهُمُ وَلَّوا سِراعاً وَخَلَّوا ذَلِكَ الواني إِنّي مَلِلتُ وُقوفي كُلَّ آوِنَةٍ أَبكي وَأَنظِمُ أَحزاناً بِأَحزانِ إِذا تَصَفَّحتَ ديواني لِتَقرَأَني وَجَدتَ شِعرَ المَراثي نِصفَ ديواني

لي صاحبٌ عن غيره يُغنيني ‏إن ضاقت الدنيا أراهُ يميني