منصور الحذيفي

كثيراً ما يعني الغلو في أشخاص: الإزراء والتحقير لآخرين.. وكثيراً ما تجد الغالي في الانتماء لأشخاص: مغالياً في عداوة أندادهم في الاتجاهات الأخرى.. ومثل هذا في الغالب هو من الجهلة، وإن تَزَيّا وتزيَّن بظاهر العلم، إلا أنه خالٍ من بركة العلم، وتزكيته، وأدبه. من الناس مَن لا يجد نفسَه إلا في العداوات، والتشاحن، و(التخندق)، والتحيُّز، هكذا مَيلُه وطبعه الذي يحمله معه إلى رحاب العلم والدين، فيفتح على نفسه بمثل ذلك أبوابَ الكِبر والاعتداء على الناس واحتقارهم، حتى ربما وصل به الأمر إلى التألّي على الله بإخراج خصومه من رحمة الله بَغياً وتخرُّصاً، نعوذ بالله من ذلك.. والمصيبة أن هذا كله يكون باسم الدين والعلم والمنهج العلمي وما إلى ذلك، والعلم والدين والأدب من أفعاله بَراء.

ما استُجلِب العيش الطيب، وهَناءة النفس بمثل سلامة الصدر، ونقاء القلب، والرضا بالله وبكل ما يقدره جل وعلا، والتواضع للحق وللناس، والمداومة على ذكر الله، والاعتراف بالتقصير في حقه، وتجديد التوبة مرةً بعد مرة، دون يأس.. ‏ومن خير ما يلهج به الداعي لنيل هذه المطالب العلية، وغيرها، ما ورد مرفوعاً إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- وإن ضعّفَه بعض العلماء، لكن معناه صحيح مستقيم: ‏(اللهم إني أسألك عيشةً نقية، وميتةً سوية، ومَردًّا غير مُخزٍ ولا فاضح).

كلما زادت انشغالات الإنسان ومسؤولياته زادت عنده أهمية اللحظات التي قبل النوم، وعَرفَ أثرَها في إعادة ترتيب أولوياته، واستذكار مهماته، واستعادة هدوئه بعد الركض المتعب الطويل.. مهما كان عمرك ومهما كان مستوى انشغالك أو تفرغك: كن شحيحاً بوقتك أن تُنفقه في غير ما ينفعك.. فسيأتي يومٌ، بعيداً كان أو قريباً، تتمنى فيه أنك لم تُضِع ساعةً، بل دقيقةً من عمرك في كثير من المباحات، فضلاً عن التوافه والمحرمات! وحسرة المفرطين في أمر الله أشد ألماً حين يُكشَف عنهم الغطاء ويرون الحقائق عند وداع الدنيا فيقول الواحد منهم: (يا حسرتى على ما فرّطتُ في أمر الله…).

حاشية للتوضيح: هموم الحياة يستوي فيها الجميع.. ‏لكن الهموم التي يتمايز فيها الناس قد يصح أن نسميها: الهموم المكتَسَبة.. ‏أحدهم يهتم أشد الهم وقد يبكي لأن فريقه انهزم ‏وأحدهم قد يبكي لأنه فاتته صلاة الفريضة في وقتها أو لأنه لم يستطع إغاثة محتاج.. ‏فمثل هذه الهموم كاشفة للهمم

على قدر الهِمم تأتي الهموم.

أحب الكاتب المتأنق في كتابته، وأبغض المتكلف، وبين التأنق والتكلف شعرةٌ لا يقطعها مَهَرةُ الكُتّاب.

أنا ممتنٌّ جداً لكل كاتب بليغ متأنِّق حبَّبَ إليَّ الكتابة، لكل كاتب جعلني أقترب منه حتى أُصبتُ بعدوى الكتابة.. هذا الداء المُضني اللذيذ!

تموتُ كثيرٌ من العبارات والمعاني الرائعة في آلاف الكتب المنسية، حتى يقرؤها قلبٌ حي، ويمسُّها قارئٌ ذوّاق، فيبثّ فيها الأنسَ والحياة..

وما رأيتُ ابتسامةَ طفل إلا تمنَّيتُ أن تُصان من صروف الدهر، وأن تمتد جذورها في أعماقه أكثر فأكثر، حتى تُمِدُّها بماء الحياة فتستعصي على عواصف الخذلان، وتصمُد لشتى التقلبات، وتكون كتلك الابتسامة التي نراها دائماً على بعض الوجوه، مهما تناوشَتها مخالب الحياة، حتى صارت ملمَحاً من ملامحها التي تُوصَف وتُعرَف بها!