أميرة شُرَّآب 🇵🇸💚)

اعذروني لو كنت أبالغ في النظر إلى الأمام، أعلم أن الوضع الحالي ثقيل ومتعِب وقاتل، الفقد والفراق والجراح والمشاهد والبكاء يحاصروننا من كل اتجاه، لكن بالصعود إلى الأعلى قليلًا، فوق غزة، أرى بلادًا تلفظ محتليها، وجيلاً يكوي جلاديه، وأسرى يحبسون سجّانيهم؛ أرى عالمًا كاملًا يتحرر، بقعةٌ صغيرة تغيّر كونًا بأكمله، عدا الشمس والقمر ومواقع النجوم! في حبسخانة المحكمة، وهي زنزانة قذرة في قبو مجمع المحاكم يفوح منها مزيجٌ قبيح من روائح البول والعرق والتبغ، وبينما تحزّ أسورة الكلابش على رسغي، ويشاركني على بعد سنتيمترين بالكلابش الآخر صديقٌ عزيز لأبي، وسط ذلك المشهد المقزز كله كانت ابتسامته المشرقة هي الشيء الوحيد الباعث على الحياة، وهو يقول لي: "فكّر فيما بعد يومٍ من الآن، هل ستكون هنا؟ ستكون في زنزانتك بالسجن"، مغادرًا ذلك الوضع المقرف إلى وضع آخر أقل قرفًا، ثم قال "تخيل نفسك بعد شهور.. بعد سنوات.. هل ستكون ما زلت هنا؟ تخيل نفسك بعد أكثر.. لن تكون هنا للأبد". ثم كانت الحكمة البالغة من فتاةٍ جميلةٍ أحبها هي رفيقتي ومعينتي وصاحبتي، علمتني درسًا مختصرًا بليغًا لحياة كاملة، حين قالت "الأوقات الصعبة تمضي ويبقى الصامدون". ستمضي الحرب في غزة، ستنتهي، سيموت من يموت ويحيا من يحيا، ستؤلم الجراح أصحابها، وسيتوجع الباقون من آلام الفقد والفرق والحسرة، لكن ذلك المشهد كله، الفصل كاملًا، سيمرّ، ويبقى الصامدون، ويبقى مشهد السابع من أكتوبر هو المسيطر، هو البداية وهو النهائيّ، كأننا في قصة دائرية، أولها لحظة النصر، وآخرها اللحظة ذاتها، وما بينها كان ضريبة ذلك المشهد العظيم. حبيبتي غزة، أسيادنا أهلها، هذا الوقت سيمضي، ويبقى الصامدون.

الله يعوضكم يا رب .. اعطيتوا العالم كله دروس في الصمود والثبات والتحدي

بيننا وبين الحياة بلاد.. وبيننا وبين الموت ثانية! 204 يومًا على العدوان والحرب على غزة. نقاوم الألم ونعض على الجراح، وننتظر فرج الله، 204 يوماً ونحن نتجرع مرارة القهر ونسجل الخذلان بدمائنا في سجلات التاريخ، لا بارك الله في من نسينا، وهانت عليه مصيبتنا. سبعة أشهر توشك على التمام وليس لها من دون الله كاشفة.. سبعة أشهر من آيات الرحمن، سبعة أشهر لو قيل لي منذ عام أن قطعة أرض صغيرة من الأرض ستعجز العالم وتحارب ملة الكفر جميعا وتقيم الحجة على العباد لم أكن لأصدق تمامًا.. رضي الله عن أهل غزة المقهورين، المكلومين، المفجوعين، المرهقين، المبعدين، المفقودين، الفاقدين، رضي الله عن الصابرين الصامدين، رضي الله عن كل منتصرٍ حزين، وعجباً لأمر المؤمن، ان أمره كله خير. يا رب نحنُ عبادك في غزّة وأولياؤك لقد أصابنا من التعبِ ما يكفينا وما رأَينا ثِقَلًا على قلوبنا مثل ثِقَلِ هذه الأيام، اللّهُمّ هَوَّنْ.. ثُمَّ هَوَّن.. ثُمَّ هَوَّن.. ثُمَّ أَرِح نفسًا لا يعلمُ بحالها إِلَّا أَنت، وَهَوَّن علينا ما لا نستطيعُ تَحملهُ، واجعل لنا من كُلِّ ضِيقٍ مَخرَجًا، ومن كُلِّ همٍّ فرجًا، اللَّهُمَّ إِنّا أَحسَنّا بكَ الظن فاجبرنا.. اللهم بقدر الفزع الذي ذقناه في غزة، اجعلنا ممن قلت فيهم؛ {وهم من فزع يومئذ آمنون}.. اللهم أدخلنا جنتك العالية، حتى إذا جلسنا في ظلالها، ضحكنا على أيام الدنيا الفانية، وكأننا لم نرى حزناً قط، ولا بؤساً قط.

"وإن تتولَّوا يَستبدلْ قومًا غيرَكم ثم لا يكونوا أمثالَكُم" لو تأملت هذه الآية، ستعلم حقيقة غريبة؛ أنه رغم مرارة سُنة "الاستبدال" وشدّتها على من بُدّلوا؛ إلا أنها رحمة بالمؤمنين! فالاستبدال لم يُذْكر في القرآن إلا عند الكلام عن نُصرة الدين ونجدة المؤمنين.. وفي الموضعين الذين ذُكر فيهما الاستبدال اقترن مرةً بقوله تعالى: "ولا تَضروهُ شيئًا"، ومرةً بقوله: "ثم لا يكونوا أمثالَكُم"، أي أفضل منكم ينصرون دينه وينُجزون وعده. في أيامنا هذه لعلنا أدركنا هذه الحقيقة التي ظاهرها العذاب وفي باطنها الرحمة.. قال الفخر الرازي: "لئلا يَتوهموا أن غلبةَ أعداء الدِّين وعِزَّ الإسلام لا يحصُلُ إلا بهم"! اللهم استعملنا ولا تستبدلنا.

حراكٌ طلابيّ استدعى فزعًا من النخبة الأكاديمية المدجّنة، والشرطة الأمريكية، والحرس الوطنيّ، والتعليم عن بعد، والبيتَ الأبيض، والإدارة الأمريكية، والكونجرس، والساسة، وعتاولة اللوبي الصهيوني، والموساد الإسرائيلي، وظهور إعلامي لنتنياهو، وكبريات الصحف العالمية.. لا يمكن الاستهانة به، ولا وضعه في إطار ضيّق؛ وإنما التفاعل معه بحسب حجمه التاريخيّ، وسابقته في تاريخ قضيتنا ومحيطنا العربي الشرقيّ، من إخوتنا في النضال، أحرار العالم، على الجهة الأخرى من الكوكب. إذا أردت تجديد إيمانك بأقدار الله، تذكر فقط أن مظاهرةً طلابيةً محدودةً واعتصامًا تضامنيًّا عابرًا في جامعة كولومبيا كان في طريقه للانتهاء، لكن أبَت شمطاء أمريكية من أصل مصري (آسفين للعالم) إلا أن تهددهم وتستدعي لهم الأمن وتفضّ اعتصامهم، ليتحول ذلك الحراك البسيط -بقدرة قادر- إلى واحد من أكبر التمردات الطلابية في التاريخ المعاصر، وفي حياة القضية الفلسطينية!.. "وما يعلم جنود ربك إلا هو"؛ آمنتُ بالله. - يوسف الدموكي

"المظاهرات الطلابية الرافضة للحرب على غزة في الغرب يقودها جيل جديد لم يعد ينساق لسحر الصهيونية، جيل انفتح على العالم وشاهد بعينه على مواقع التواصل ما يخفيه عنه الإعلام النظامي، فلم يعد يقبل الرواية الإعلامية الحكومية.. قد شهد على التحيز الغربي والمساعدات العسكرية المليارية التي تمتد بشكل تجاوز كل القوانين من حيث السرعة في التأمين، وكل حق إنساني من حيث حجم المجازر.. وهو بالتأكيد عامل مؤثر خاصة إن تحول هذا الجيل في المستقبل لمناصب صناعة القرار، كما أنه يفقد الساسة الغربيين مصداقيتهم ومصداقية شعاراتهم في أعين هذا الجيل ويكشف حقيقة الازدواجية حين يتعلق الأمر بحقوق الإنسان في فلسطين.. فهذا الجبن والذعر خلفه قصة طويلة من إحباط جهود الترويض للجيل الجديد الذي ارتفعت لديه نبرة المعارضة لحلف الصهيونية ومشاريعها في العالم." - هارفارد تنضم إلى انتفاضة الجامعات الأمريكية.. عشرات الطلبة يقيمون مخيمًا في حرم الجامعة للمطالبة بوقف الحرب على غزة.

طلّاب أمريكا أشعلوا الجامعات احتجاجاً، لم ينفع معهم تهديد ولا وعيد. رئيسة جامعة كولومبيا الأمريكية مصرية متصهينة طلبت الشرطة لقمع الطلاب فالتحقت باقي الجامعات تضامناً. ليس الطلاب وحدهم، أعضاء هيئات التدريس انضمّوا كذلك وأصبح الحراك أهمّ حدث في أمريكا. جامعاتنا وطلبتنا لا تسمع لهم ركزاً، كما قال أحدهم: الجامعة لا تتدخل في السياسة. بئسا لها من جامعات وبئسا لها من نخاسة. لو كان هذا الحراك الطلّابي في دولنا العربية لغيّر الكثير، لكن من يحي عظام الطلّاب وهي رميم. #طوفان_الأقصى

‏"انقذونا.. بنتي اغمى عليها خلصت المي معنا" ‏لارا الصايغ فلسطينية من غزة، نزحت إلى كنيسة بحي الزيتون كمركز ايواء بسبب الحرب، بعد ٧ أشهر من الحرب استطاعت هيّ ووالدتها دفع التنسيق للسفر إلى مصر، وأثناء نزوحهم من حي الزيتون إلى رفح توفت لارا من ارتفاع حرارة الشمس.. من ضربة شمس. في غزة.. كان ثمة خبر باستشهاد أطفال من البرد، اليوم يستشهد الأطفال لكن من الحرّ!

‏"هو ابني والله نبيل جاكيته! قلتلكم ابني هون" ‏لحظة تعرف أم على ابنها الشهيد الذي كان مفقودًا ومجهول الهوية وجثمانه متحلل في مستشفى ناصر الطبي بخانيونس.

‏كيف لمشهد صامت أن يكون بكل هذا البؤس والألم..! مشهد قاتل بكل تفاصيله، النزوح المستمر والحر الشديد وعدم قدرة الأخ على حمل أخيه المصاب.. هذا الاختبار صعب جداً.. فاللهم انتقاماً لا بحجم الألم.. بل بقدرتك المطلقة وغضبك الشديد.