حسين أمين (أبو عبد الرحمن)

ليس من لوازم النصيحة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أن تكون غليظًا شديدًا سليطًا سبَّابًا. دخل رجل على هارون الرشيد (ويُروى المأمون) فقال له: يا أمير المؤمنين، سأنصحك وسأغلظ عليك. فقال له: لا تفعل، فإنَّ الله قد بعث مَن هو خيرٌ منك إلى مَن هو شرٌّ مني فقال: {فقولا له قولًا لينًا لعله يتذكر أو يخشى}. وفي الصحيحين لمَّا أساء اليهود إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم (والإساءة له -صلى الله عليه وسلم- من أعظم الحرمات والمنكرات) ردَّت عليهم عائشة -رضي الله عنها- إساءتهم، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا عائشة، إنَّ اللهَ رفيقٌ يُحبُّ الرِّفق، ويُعطي على الرِّفق ما لا يُعطي على العُنف".

ها هي الحكومة قد استجابت، وأوقفت عمل المركز المذكور لحين إزالة ما فيه من مخالفات. فهلَّا ترفَّقتم في النصح وأحسنتم في الخطاب من غير طعنٍ ولا تشهير كما أحسنوا في الاستجابة والإصلاح. هل كنَّا نحتاج إلى كل هذا التهويل والاتهام بإرادة المنكر ونشر الفساد؟!

إذا كان كلامُ المخالف قد لاحَ عن عداوةٍ ومخاصمةٍ وبغضاء = فالأصل أن يُقرأ بعين التمحيص والتهمة والريب. ومن السذاجة أن يُقرأ على أنه النصح الخالص والعسل المُصفَّى.

هذه هي الصورة التي انتشر اللغط بسببها.

قرأتُ بعض المنشورات والفتاوى التي تحدثت عن مشافي ومراكز التجميل هنا في المحرر، فقلت في نفسي: إن كانت العجلةُ قبيحةً في آحاد الناس؛ فهي -والله- أقبح في المُفتين وحملةِ العلم. مَن يقرأ التهاويل يظن أنَّ المحرر يموج بالمنكرات موجا، وأنه صار موطنَ المنحرفين والمتسكِّعين، ودارًا لمبتغي الفاحشة ومُبدِّلي خلق الله أجمعين! ولَعمرُ الله، إنَّ بعض ما يُنشر عن المحرر فضلًا عما فيه من الخطأ والتهويل؛ لهو إساءةٌ للمحرر وأهله، سواء قصد ذلك أو لم يقصد. وأنا أطلب من كلِّ بصيرٍ أن يقرأ المكتوب على صورة المركز المذكور بتأنٍّ وتؤدة؛ سيعلم عندها قدر التهويل والتضخيم الذي قيل. عملياتٌ جراحيةٌ للأسنان والفك واللثة، وعمليات جلدية كإزالة الحروق والندبات، وأخرى عن زراعة شعر، أين الإشكال في هذا؟! أكثر ما دندنوا حوله ما يتعلق بـ(تكبير الأرداف وشدِّها)، وحتى هذه لا تحرم مطلقًا؛ بل فيها تفصيل لأهل العلم، وسأنقل بعضه اختصارًا -بالخط العريض- من موقع (إسلام ويب)، وهو موقعٌ شرعي موثوق. جاء في الفتوى: وبناء على ذلك، فإجراء عملية لتكبير الأرداف فيها تفصيل: 1- إن كانت الأرداف على الصفة المعهودة المناسبة للمرأة وعمرها، فلا يجوز إجراء عملية لتكبيرها أو تصغيرها، لأن ذلك لا يُفعل حينئذ إلا لمجرد الحسن. 2- وإن كانت على غير الصفة الطبيعية المعهودة، وينشأ عنها ضرر نفسي معتبر، فلا حرج في إجراء عملية لتكبيرها أو تصغيرها، وتراعى الضوابط الشرعية المتعلقة بالاطلاع على العورة، وطهارة المواد المستخدمة، وخلوها من الضرر. ويدخل في ذلك الحالات التي تُجرى فيها عمليات التكبير عند الإصابة ببعض الأمراض كالشلل، أو عند التعرض للحوادث التي تؤثِّر على مظهر العضو وتجعله نحيفاً بشكل مشوّه. وينبغي التأكيد في هذا المقام على أن جواز مثل هذه العمليات مقيد بشرطين: الأول: ألا يوجد بدائل أخرى للجراحة، فإن أمكن إزالة التشوّه بغير الجراحة لم يجز إجراؤها؛ إذ الأصل حرمة جسم الإنسان المعصوم وعدم جواز الاعتداء عليه بشق أو جرح ما لم يكن لذلك مسوِّغ شرعي. الثاني: ألا يترتَّب على إجراء العملية ضرر أو تشوّه يفوق الضرر الأصلي؛ لأن الضرر الأشد يُزال بالضرر الأخف، فإذا لم يغلب على ظن الطبيب نجاح الجراحة وزوال التشوّه دون ضرر أشد لم يجز إجراؤها. ولهذا فيجب على الجرَّاح التحقق من الآثار الجانبية للمواد المزروعة ( خاصة الصناعية ) على المدى البعيد ، فإذا لم يتحقق من خلوها من هذه الأضرار: لم يجز حقنها دفعاً للضرر؛ إلا أن يكون ضرراً يسيراً في مقابل المصالح الكثيرة المرجوة منها. ينظر: "أحكام جراحة التجميل في الفقه الإسلامي" ص 27 ، " عمليات التجميل " للدكتور صالح بن محمد الفوزان ضمن البحوث المقدمة لمؤتمر الفقه الإسلامي الثاني حول القضايا الطبية المعاصرة، المنعقد بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية 1431 هـ ، المجلد الثالث، ص 2388 . والله أعلم. يا قوم، نحن لا نرضى بما لا يرضي الله تبارك وتعالى، وينبغي ضبط عمل الأطباء ومراكز التجميل لمنع العمليات المحرمة شرعًا. لكن علينا أن نعلم أنَّ الكثير من عمليات التجميل في بلاد الحروب إنما هي لإزالة التشوُّهات وإعادةِ الأعضاء على طبيعتها. ولا يخفى على أحد أعداد المصابين بالتشوُّهات هنا، سواء كانت بسبب الحروب والقصف والتدمير، أو بسبب حوادث شخصية، أو من أصل الخِلقة. يا مَن تكلمتم عن مراكز التجميل، لا أنتم أحسنتم التوصيف والحكم، ولا أنتم أحسنتم الطريقة والأسلوب. بمثل هذه العجلة تُسيؤون لأبناء محرركم الذين تنتشر الفواحش والمنكرات بين أظهرهم -بزعمكم- وهم ساكتون، وتشوِّهون صورة المحرر أمام العالم الإسلامي الذي ينظر إلى المحرر وأهله بعين الإجلال والإعظام. أوكلما رأيتم منكرًا أو معصيةً أو تقصيرًا أو مخالفةً من شخصٍ أو دكانٍ أو مركزٍ أو جمعيةٍ في المحرر حملتم أبواق التأجيج، ثم أمسكتك كِنانتكم وبدأتم برمي السهام؟! اعلموا أنكم بهذا تُسيؤون إلى أنفسكم وإلى العلم الذي في صدوركم قبل أن تُسيؤوا إلى غيركم.

كان الجيل السابق من حكام العرب إذا حدث في بلدٍ عربي ربع ما يحدث في غزة اليوم؛ يجتمعون ويرفضون وينددون... نفاقًا وكذبًا على الشعوب؛ ليحفظوا ماء وجوههم. أمَّا الجيل الحالي من الحكام فليس عندهم حياءٌ ولا حتى نفاق، كلُّ شيءٍ علني، خُبثٌ وعمالةٌ وصفاقةُ وجه، لعنة الله عليهم.

اللهم إن أهل غزة قد عدموا النصير فكن معهم.

ما ضُمَّ شيءٌ إلى شيءٍ هو أحسنُ من حِلمٍ إلى عِلم، وما عُدِم شيءٌ في شيءٍ هو أقبحُ من عَدم الحِلم في العالِم. روضة العقلاء (ص٤٦٤)