بسم الله.
«متى يكون الحديث صحيحًا؟».
هذه خلاصةٌ في شروط صحة الحديث، والغرض مِن اشتراط كُلٍّ منها، موجَّهَةٌ في الأصل للمبتدئين أو لغير المتخصصين؛ بيانًا لدقَّة هذه الشروط وإحكامها، ومتانةِ منهج المحدِّثين في الاحتياط للسُّنَّة النبويَّة ونَقْدِ ما يُروَى عن النبي صلى الله عليه وسلم، وتسهيلُ مِثل هذه الأصول والتعريف بها في زماننا مع انتشار الشبهات وتربُّص المُشَكِّكِين ضرورةٌ يجب ألَّا نتسامح فيها أو نتكاسل عنها وفي شبابنا سَمَّاعُون لهم!.
• فأقول: اشترط المحدِّثون لصحة الحديث خمسة شروط، وهي: عدالة الرواة، وضبطهم، واتصال الإسناد، والسلامة من العِلَّة، والسلامة من الشذوذ.
• فأمَّا العدالة؛ فهي استقامةُ الدين، بحيث يَغلب على الراوي الصلاح والتقوى، ويكون مجتنبًا للكبائر والمفسِّقات.
• وأمَّا الضبط؛ فهو قدرةُ الراوي على أداء الأحاديث كما تحمَّلَها وأَخَذَها عن شيوخه بلا وَهمٍ فيها، سواء اعتمد في ذلك على حِفظه أو كتابِه أو كليهما.
• وأيُّ خَبَرٍ في الدنيا لا يَحصُل الخلل في نَقْلِه إلَّا مِن إحدى جِهتين: الكذب، والخطأ. فالتغيير المتعمَّد في نقل الخبر هو الكذب، وغير المتعمَّد هو الخطأ. ومِن ثَمَّ اشترطنا العدالةَ التي تقتضي صِدقَ الراوي؛ صونًا للحديث عن الكذب، واشترطنا أنْ يكون الراوي ضابطًا؛ حِفظًا للحديث من الأخطاء والأوهام، فإذا كان الراوي عدلًا ضابطًا قيل: هو ثقةٌ.
• وأمَّا اتصال الإسناد؛ فصورته: أنْ يكون كل راوٍ من رجال الإسناد سمعَ ممَّنْ يروي عنه، حتى يتصل السند من أوله إلى آخِره، فلا يسقط منه أحد، وإنما اشترطنا ذلك؛ لنعرف مِمَّن أخذ كُلُّ راوٍ هذا الحديث؟ فيُنظَر في أحوالهم جميعًا من حيث العدالة والضبط كما سبق، فإذا انقطعتْ سلسلةُ الإسناد بسقوط أحد رجاله لم يُعرَف هذا الساقط، فلم تُعرَف عدالته ولا ضبطه.
• وأمَّا السلامة من العِلَّة والسلامة من الشذوذ؛ فالغرض مِن هذين الشرطين هو التحقُّق مِن أنَّ ذلك الراوي العدل الضابط (الثقة) ضَبَطَ هذا الحديث بعينه، ورواه على الصواب كما سمعه، فلم يُخطئ فيه، وهذا مبني على أصل عظيم عند المحدِّثين وهو أنَّ الراوي الثقة مهما بلغ مِن درجات الحفظ والضبط والإتقان لا يفلت من الوهم والنسيان، فإنَّ الحِفظ خَوَّان، ولا يسلم من الخطإ أحد من البشر، على أنَّ نُقَّاد الحديث الأوائل لم يوثِّقوا هؤلاء الرواة ولم يصفوهم بالضبط إلَّا بعد النظر في أحاديثهم واختبارها، فإذا الصواب هو الغالب عليها، وأخطاؤهم في أحاديثهم قليلةٌ، ومع ذلك فإنَّ المحدِّثَ يحتاط في كل حديثٍ يرويه ذلك الثقة ألَّا يكون من هذا القليل الذي أخطأ فيه، فلا تكفي ثقةُ الرواة لتصحيح الحديث.
• ولأئمَّة الحديث في كشف أخطاء الرواة وأوهامهم وسائل كثيرةٌ لا يناسب تفصيلها هنا، ولكنْ مِن أهم ما تميَّزَ به منهجهم في ذلك: الشمول؛ فلا ينظرون إلى السند دون المتن، ولا إلى المتن دون السند، ولا إلى بعض أسانيد الحديث الواحد دون بقيَّة طُرُقِه، ولا إلى بعض المروي في الباب الواحد دون سائره، ثم يقارنون ما جمعوا بعضه ببعض؛ ليظهر الصواب مِن غيره. كما تميَّزُوا بالدقة والواقعيَّة والبعد عن التجويزات العقلية؛ فلا مجال للاغترار بسلامة الأسانيد في الظاهر، ولا لإحسان الظن بأحوال الرواة، ولا للتخمينات عند اختلاف الرواة في رواية الحديث الواحد، بل العبرة بالأدلة والقرائن المحتفَّة بالراوي والمروي وما كان معهودًا ممكنًا في عصر الرواية.
#خلاصات_حديثية.
#حديثيات.