هَٰذِهِ سَبِيلِي

الإنسان في علاقته بالله على ثلاث مراتب إما مسلم أو أعلى مرتبة فهو مؤمن، أو أعلى مرتبة فهو محسن. وكلهم يدخل الجنة ولكن باختلاف الدرجات. وفي العلاقة مع الوالدين لم يأمر الله عزوجل إلا بالإحسان، الذي هو أفضل وأحسن شيء وأفضل شيء، لم يرض الله عزوجل معهما بأقل من ذلك. بل وفصّل طرق المعاملة معهما، فقال اللهُ تعالَى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا*[الإسراء: ٢٣]. وتأمل حلاوة وروعة قوله تعالى: ﴿وَاخفِض لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحمَةِ وَقُل رَبِّ ارحَمهُما كَما رَبَّياني صَغيرًا﴾ [الإسراء: ٢٤]. أن تبلغ معهما قمة الرحمة في التعامل لدرجة الذل. قال ابن جزي: «الذل مبالغةً في المعنى، كأنه قال: الجناح الذليل، ﴿من الرحمة﴾ للتعليل أي: من أجل إفراط الرحمة لهما والشفقة عليهما». هذا في العموم لكل الآباء، ولكنه أكّد على البر بالخصوص في حال الكبر، لغلبة الضعف والانكسار على هذا السن، وسطوة الأبناء وقوتهم في سن الشباب. قال صلى الله عليه وسلم: «رَغِمَ أنْفُهُ، ثُمَّ رَغِمَ أنْفُهُ، ثُمَّ رَغِمَ أنْفُهُ قيلَ: مَنْ؟ يا رَسولَ اللهِ، قالَ: مَن أدْرَكَ والِدَيْهِ عِنْدَ الكِبَرِ، أحَدَهُما، أوْ كِلَيْهِما، ثُمَّ لَمْ يَدْخُلِ الجَنَّةَ». فأنت في سن أحسن ما تكون قوةً نفسية وبدنية وعقلية، ولكن عليك أن تكون أرق وأرحم معهما كأضعف وأذل شيء، تخفض جناحك وتترك قوتك وسطوتك على عتبة بابيهما، وأنت تعلم أن هذه عتبة دخولك الجنة.

«قلت: وجهها أن صاحب الفهم إذا ضيع نفسه فلم يتعلم، أفضى إلى رفع العلم، لأن البليد لا يقبل العلم، فهو عنه مرتفع. فلو لم يتعلم الفهم لارتفع العلم عنه أيضا، فيرتفع عموما، وذلك من الأشراط التي لا تقارن في الوجود إلا شرار الخلق. فعلى الناس أن يتوقوها ما أمكن». ابن المنيِّر.

[وقال ربيعة: «لا ينبغى لأحد عنده شىء من العلم أن يضيع نفسه». ومعنى قول ربيعة: أن من كان له قبول للعلم وفهم له، فقد لزمه من فرض طلب العلم ما لا يلزم غيره، فينبغى له أن يجتهد فيه، ولا يضيع طلبه فيضيع نفسه]. [مَن قصد العلم ومجالسه، ثم أعرض عنها، فإن الله يعرض عنه، ومن أعرض الله عنه فقد تعرض لسخطه، ألا ترى قوله: ﴿واتل عليهم نبأ الذى آتيناه آياتنا فانسلخ منها﴾، وهذا انسلخ من إيواء الله بإعراضه عنه]. ابن بطال.

أوصيك بالصبر مهما كانت الشواغل على سورة البقرة، من ينجح في تخطي سورة البقرة يسهل عليه كل القرآن، فالبقرة أكبر سورة وأكثرها عدد آيات، ومن تجاوزها سهُل عليه كل شيء بعدها، ومن صبر لها، لا يبعد أن يصبر على سورٍ أقصر منها. الذين ختموا القرآن لم يكونوا أقل انشغالًا، لكنهم اختاروا أن يكونوا الأكثر صبرًا، فاصبروا وصابروا ورابطوا لعلكم تفلحون.

يحتاج الإنسان لقدر كبير من التدبرات القرانية، وشروحات مفصلة ومتأنية لكتب السنة، والاطلاع على هدي النبي بدقائقه وتفاصيله، وسير الصحابة والتابعين والصالحين من عباد الله، والاطلاع على كتب الزهد والرقائق وغيرها من المهذبِات؛ ليستنهض نفسه في زمن المحن والرزايا والتفاهة والانشغال بسفاسف الأمور، وليشد نفسه على أخلاق الأولين الطيبين.. ويصلب طوله من التوغل في مستنقع اللا أخلاق واللا صبر واللا إرادة، واللا شيء.. قدر كبير جدًا.. بحضرتي قول الأستاذ: «كلنا حنظلة».

يحتاج الإنسان لقدر كبير من التدبر القرانية، وشروحات كتب السنة، والاطلاع على هدي النبي بدقائقه وتفاصيله، وسير الصحابة والتابعين والصالحين من عباد الله، والاطلاع على كتب الزهد والرقائق وغيرها من المهذبِات؛ ليستنهض نفسه في زمن المحن والرزايا والتفاهة والانشغال بسفاسف الأمور، وليشد نفسه على أخلاق الأولين الطيبين.. ويصلب طوله من التوغل في مستنقع اللا أخلاق واللا صبر واللا إرادة، واللا شيء.. قدر كبير جدًا.. بحضرتي قول الأستاذ: «كلنا حنظلة».

مهما ضاقت بك الأبواب؛ يسعك بابه، يسد باب الخلائق دونك تلجأ إليه.. سبحانه حكيمٌ في أقداره خبيرٌ بعباده وما يصلحهم ويردهم إليه.. لا يوجد أرأف بك منه، ولا أرحم بك منه؛ يرحمك حتى لو لم ترحم نفسك، يجرُّك إليه حتى إن نويت النأي عنه، يعطيك حتى ما لم تسأل، يجود بالخير عليك حتى لو لم تكن تستحق، ينجيك ويشفيك ويعافيك، وأنت أنت.

في فَضِيلَةِ الصَّبْرِ ————- قَدْ وصَفَ اللَّهُ تَعالى الصّابِرِينَ بِأوْصافٍ وذَكَرَ الصَّبْرَ في القُرْآنِ في نَيِّفٍ وسَبْعِينَ مَوْضِعًا، وأضافَ أكْثَرَ الخَيْراتِ إلَيْهِ فَقالَ: ﴿وجَعَلْنا مِنهم أئِمَّةً يَهْدُونَ بِأمْرِنا لَمّا صَبَرُوا﴾ [السجدة: ٢٤]، وقالَ: ﴿وتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ الحُسْنى عَلى بَنِي إسْرائِيلَ بِما صَبَرُوا﴾ [الأعراف: ١٣٧] وقالَ: ﴿ولَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أجْرَهم بِأحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ﴾ وقالَ: ﴿أُولَئِكَ يُؤْتَوْنَ أجْرَهم مَرَّتَيْنِ بِما صَبَرُوا﴾ [القصص: ٥٤] وقالَ: ﴿إنَّما يُوَفّى الصّابِرُونَ أجْرَهم بِغَيْرِ حِسابٍ﴾ [الزمر: ١٠]. فَما مِن طاعَةٍ إلّا وأجْرُها مُقَدَّرًا إلّا الصَّبْرَ، ولِأجْلِ كَوْنِ الصَّوْمِ مِنَ الصَّبْرِ قالَ تَعالى: (الصَّوْمُ لِي) فَأضافَهُ إلى نَفْسِهِ، ووَعَدَ الصّابِرِينَ بِأنَّهُ مَعَهم فَقالَ: ﴿واصْبِرُوا إنَّ اللَّهَ مَعَ الصّابِرِينَ﴾ [الأنفال: ٤٦] وعَلَّقَ النُّصْرَةَ عَلى الصَّبْرِ فَقالَ: ﴿بَلى إنْ تَصْبِرُوا وتَتَّقُوا ويَأْتُوكم مِن فَوْرِهِمْ هَذا يُمْدِدْكم رَبُّكم بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ المَلائِكَةِ﴾ [آل عمران: ١٢٥] وجَمَعَ لِلصّابِرِينَ أُمُورًا لَمْ يَجْمَعْها لِغَيْرِهِمْ فَقالَ: ﴿أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِن رَبِّهِمْ ورَحْمَةٌ وأُولَئِكَ هُمُ المُهْتَدُونَ﴾ [البقرة: ١٥٧] . وأمّا الأخْبارُ فَقالَ - عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ -: «”الصَّبْرُ نِصْفُ الإيمانِ“» وتَقْرِيرُهُ أنَّ الإيمانَ لا يَتِمُّ إلّا بَعْدَ تَرْكِ ما لا يَنْبَغِي مِنَ الأقْوالِ والأعْمالِ والعَقائِدِ، وبِحُصُولِ ما يَنْبَغِي، فالِاسْتِمْرارُ عَلى تَرْكِ ما لا يَنْبَغِي هو الصَّبْرُ وهو النِّصْفُ الآخَرُ، فَعَلى مُقْتَضى هَذا الكَلامِ يَجِبُ أنْ يَكُونَ الإيمانُ كُلُّهُ صَبْرًا إلّا أنَّ تَرَكَ ما لا يَنْبَغِي وفِعْلَ ما يَنْبَغِي قَدْ يَكُونُ مُطابِقًا لِلشَّهْوَةِ، فَلا يَحْتاجُ فِيهِ إلى الصَّبْرِ، وقَدْ يَكُونُ مُخالِفًا لِلشَّهْوَةِ فَيَحْتاجُ فِيهِ إلى الصَّبْرِ، فَلا جَرَمَ جَعَلَ الصَّبْرَ نِصْفَ الإيمانِ، وقالَ - عَلَيْهِ السَّلامُ -: «”مِن أفْضَلِ ما أُوتِيتُمُ اليَقِينُ وعَزِيمَةُ الصَّبْرِ، ومَن أُعْطِيَ حَظَّهُ مِنهُما لَمْ يُبالِ ما فاتَهُ مِن قِيامِ اللَّيْلِ وصِيامِ النَّهارِ“» وقالَ - عَلَيْهِ السَّلامُ -: «”الإيمانُ هو الصَّبْرُ“» وهَذا شَبَهُ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلامُ -: «”الحَجُّ عَرَفَةُ“».