القول الحسن ٢

كتب (هنري الج) رئيس تحرير جريدة (جمهورية الجزائر: المتحدثة الرسمية باسم الحزب الشيوعي الجزائري) الذي كان من أصل فرنسي، وبالرغم من أوامر الحزب انضم إلى صفوف المجاهدين… كتب في السجن: في مثل هذا المكان من الحقارة أن أتحدث عن أنواع التعذيب التي ارتكبوها معي، فهنا يقذفون بأحد المجاهدين من غرف أحد الطوابق العليا إلى فناء السجن، وأرى هؤلاء أنهم بالرغم من أنهم تعرضوا لتعذيب طويل ومرعب، كانوا يغمغمون بأفواه محطمة دامية بكلمات غير مفهومة من دعاء مشهور لهم [كانوا ينطقون بالشهادتين، لكنها لم تكن مفهومة عنده، لأنه فرنسي]، ولست أفهم ما يقولون، لكن ما أعلمه الآن أنه من بين كل المدارس الفكرية والأيديولوجيات الموجودة في العالم فإن الشيء الوحيد الذي أؤمن به هو هذه الكلمات.

#إعادة_نشر #هام "والعبد حين يجهل يظن أنه إن أفلتَ وسلم من العقوبات الشرعية فقد نجا، وما علم أن العقوبة الشرعية رحمة به، لأنها تكفر عن ذنبه، وأنها تمنع لحوق العذاب القدري، لأنها ترضي الله وتمنع سخطه الذي يحل في العصاة، ولذلك فالعقوبات القدرية أشد، وهي واقفة على باب تخلف العقوبات الشرعية، كما قال تعالى في سورة الحشر {ولولا أن كتب الله عليهم الجلاء لعذبهم في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب النار}." "وتخلف العقوبة الشرعية يُفرِح الجهلة، لظنهم سلامتهم بذلك، والأمر ليس كذلك كما ترى، بل العقوبات القدرية بالمرصاد، مع ما يعفو سبحانه عن كثير، كما قال سبحانه في سورة الشورى {وما أصابكم من مصيبة فبما كسبتم أيديكم ويعفو عن كثير}، وقال سبحانه في النحل {ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم ما ترك عليها من دابة}." _الشيخ أبو قتادة الفلسطيني_

القراءة للسياسي والمجاهد والداعي إلى الله تمنع عنه ذوبانه في الحالة الراهنة،بل ترفعه إلى رؤية موقعه من التاريخ والحضارة ودوران الزمان. وهذا مطلب واجب،فاللحظة الراهنة إذا احاطت بالمرء منعته من النظر الصحيح والموقف الصحيح.

من الملاحظ تخلف الحالة العلمية عن الحركة الجهادية،فتجد انشغال الناس بقضايا ذهنية فيها الخصومات القديمة ،مع تراجع البحث العلمي في وقائع العصر والنوازل الحادثة،مع عظمتها وأهميتها،والأصل أن العمل تابع العلم،فهو بعده من حيث الحضور ،وهو قبله من حيث الدراسة والتحليل والعبرة،فالفكر كلما قوي قوى الفعل وسدده وصوبه،والواقع أن الفكر متخلف كثيرا عن فعل المجاهدين والسياسيين وغيرهم،ولولا فطرة الأمة في اهتمامهم للفعل والحدث والنوازل لجرت الأمة إلى وقائع بعيدة عما ينفعها وينير لها الطريق. وهذا يثبت أن فطرة الأمة خير بآلاف المرات من صراعات أنصاف الشيوخ ومدعي العلم فيها.

القراءة كسلاح عقب استشهاد اللواء فائق المبحوح، المدير العام للعمليات المركزية بوزارة الداخلية في غزة، إثر اشتباك قتل فيه وأصاب عددا من جنود الاحتلال خلال محاولتهم أسره خلال الاقتحام المفاجئ لمستشفى الشفاء، انتشرت صورة للكشك الذي تواجد به، وبرفقته بعض الكتب، كذلك نُشرت في صورة لإصدار لكتائب القسام صورة كتاب لأدهم الشرقاوي، وهو ما يشدد على أن القراءة جزء من عتاد المقاومة، وليست ترفا فكريا أو أمرا يُستخدم في وقت الفراغ والراحة. إن القراءة في حقيقتها سلاح لتغذية العقل وتأهيله وتطويره، مثلما يحتاج الجسد للطعام والشراب. والمهم هو نوعية الذخائر التي تشحذ بها ذهنك، إما أن تكون مفيدة فتحقق الغرض أو فاسدة فتتعبه كما يتعب الغذاء الفاسد الجسد. أما التعامل مع القراءة على أنها أداة للتخمة المعرفية والاستعلاء على الخلق، فيناقض الهدف منها، وهو انعكاس للخلل النفسي والسلوكي. وتصبح القراءة أكثر إلزاما لأي متصدر لعمل عام، وبالأخص فيما يتعلق باحتياجات عمله ومتطلبات من يتولى أمرهم. لقد كانت أولى الآيات القرآنية من حيث ترتيب النزول " أقرأ باسم ربك الذي خلق". وفي الطرف الآخر، فمن اللافت أن مجرم مثل نتنياهو مدمن قراءة رغم كثرة مهامه ومعاركه الحزبية ومشاغله، وقد تطرقت سابقا في مقال لبعض ما أورده في مذكراته عن ذلك. وختمته بخلاصة " إنَّ القراءة ينبغي أن تكون ممارسة يومية مثل الطعام والشراب، فبها يعرف المرء دينه وتاريخه ويفهم واقعه وواقع خصومه وتتسع بها معارفه وآفاق تفكيره ورؤيته للأمور ودونها يكون كالأعمى الذي يسعى إلى عبور طريق سريع بمفرده".

أين نجد العقل في عصرنا؟ الشر هو الحاكم والمسيطر،والحق يعالج هذا الشر وسعه وطاقته،وهذا وجه التاريخ الحقيقي،فلا جديد فيما نرى،ولكن بعضهم غره شعارات الجاهلية المعاصرة من رحمة وقوانين وحقوق إنسان فلما تأتي نازلة هي في سياقها السنني العام ذهب يستغرب ويتعجب،ذلك لأنها خلاف وهمه لا أنها خلاف التاريخ. الجاهلية لا تسكت حتى يكون سكوتها تحضيرا لغزو دموي جديد،وهذا أمرها في القرآن والسنة والتاريخ،لكن أكثر الناس جهلا في التعامل معها هو من يبني رؤاه على أن وسعه وعمله وطاقته يجب بذلها في تجنب دموية هذه الجاهلية،حتى يخرج من بطشها وقتلها وعذابها. فدموية الجاهلية ليست شيئا طارئا في زماننا،لكنه وهم النفوس الجاهلة والضعيفة،وخطأ عدم النظر في التاريخ والنص الإلهي،والبحث الذي يجب سلوكه هو كيفية المواجهة وطرقها الصحيحة الفاعلة لا تجنب هذه المواجهة وآثارها كما يتصور أناس. من سبل الشيطان (حيونة) الإنسان العادي والجمهور منهم،فالحيوان الذي وقع في الصيد لا يتصور أحدا يأتيه ليساعده،بل الكل عدو له،ولذلك هو يقاتل من يحاول تخليصه من القيد كمن يريد قتله واستغلال لحمه وجلده،وهكذا هي مهمة الجاهلية الأولى هو قذف المخلص بالتهمة أنه قاتل كالعدو تماما،وفي الصراع لا يهم العدو أن يكسب عطفك وهو يقتلك،بل همه أن يغرز عداوتك للمخلص،وشكل المخلص أنه سبب الدم والقتل لا سنة الجاهلية وسبيل المجرمين. حين نخطئ في تقييم العدو وسنته التاريخية وخبر القرآن عنه نخطئ كذلك في معرفة صديقنا،ذلك لأن الصديق يضطر لممارسة بعض صور الألم التي تعيشها أمته،فتضخم أنها بذاتها شر لا بنتائجها وثمارها. ليس هناك شئ جديد في زماننا،فالعدو هذه سيرته،والمنافقون هذه سيرتهم،والمخذلون كذلك،والصابرون المحتسبون فئة لا تعدم بفضل الله. العقل هو متابعة السنن وفهمها لا تجاهلها ولا العيش في ظلال الكلمات فقط.

الخلاف في الغرب اليوم تغير من الوجه الحزبي إلى تغير في العقل والمنهج والحياة،وبدأ التصدع بينهم،وسيتواصل شرخ الخلاف إلى مواجهات حادة. هذه رؤية إن صحت تحتاج إلى استغلال من أمة الإسلام.

الجامعات في أمريكا والغرب مصدر المفاصل الحياتية والقيادية هناك،فمنها يصدر المؤثرون في جوانب الحياة المتعددة،ولذلك من المهم النظر إلى الحراك فيها بأهمية. ما زال العالم يؤثر في بعضه،وتتصاغر سعته الى ضيق كأن الناس يعيشون في مكان واحد قريب أطرافه،من هنا تأتي أهمية التغيير في الغرب على منطقتنا. التغيير في منطقتنا وإنسان هذه المنطقة مهم جدا لأنه في الواقع مادة التغيير،ولكن الكثير من مصادر التغيير بيد غيرنا.

ما ينقصنا في أحداثنا المعاصرة علم تفسير التاريخ،أو ما يسمونه فلسفة التاريخ،لأن هذا الفن يكشف مكاننا في الحدث العالمي،ويربط المقدمات التي مضت والتي نعيش بما هو قادم من المستقبل. التعليق اليومي على الأحداث جيد مهم،ولكن الأهم ربطها في سياق الوحدة والرؤية،بعيدا عن خلاف الرؤية المنهجية الخاصة،وهي الاي تمارس في عالمنا،فما أن تجلس مع أخدهم حتى تكتشف رؤية خاصة تصبغ تفسيره الذي يظن أن الله هداه إليه دون بقية الخلق. اليوم نحن نعيش وسط العالم،يعني أن حدث طوفان الأقصى ربط كثيرا من رؤى العالم بالقضية الإسلامية قضية فلسطين،وهذا له ما بعده،على مستوى التاريخ اليشري،وما يهمنا منطقتنا،لكن العالم صار قريب الصلات،متداخل التأثير،ولذلك من المهم قراءة هذا الحدث في سياقه التاريخي،وذلك بالأدلة وعالم السنن وجريانها،وليس في التفسير الذاتي والمذهبي،أو التنظيمي كما يفعل الكثيرون. هناك كتابات وشروحات ضمن هذا النسق لكنها قليلة،والمطلوب تعميمها ونشرها وتعليمها حتى نستغل اللحظة استغلالا حقيقيا.

الشيطان وجنوده لا ييأسون،وإن يئسوا مرة عادوا وصنعوا التفاتا جديدا لمحاور أخرى،فكم من ولي أصاب الجنة والشيطان يمكر به وهو على فراش الموت،وكم من منفق أعطى والشبطان يتلق بدرهمه لا ييريد منه إخراجه لا يقتط من تراجعه.. اليوم يكونون تجمعا جديدا يسمونه تكوين،يجمع خشبا مسندة وحطام رجال وزبالة أفكار ،في وقت تعاني الأمة الحال في غزة،وهذه الأمة ملتفة حول معاني الجهاد والشهادة. هذه المحاولة سبقها آلاف المحاولات وكلها انتهت وزالت،ولم تعط أكلها المأمول منها من دافعي المال وراسمي الخطط،ومع ذلك لا يكفون عن العودة،استغلالا ليأس الأمة وبعض قنوط في جنباتها،وبعض خوف وألم،فهذه مناسبات الشيطان لبث أفكاره،والمال لا قيمة عند الدافع،ووكون هذه الشخصيات خسيسة مرذولة لا يضر عندهم،فمقصدهم صناعة النموذة القذر الذي يحسن لوك الكلمات.فهم ما يريدون انتاجه لا غير. يجب أن يعلمنا هذا أننا أولى بالثبات والعودة مرة بعد مرة،نقرأ ما مضى بعين المعتبر،ونصلح ما فسد،ونمضي لما هو خير.