محمود يس

اعتكاف قلب

حالة: التشرب في الإيمان وفي الكفر: ((قوله تعالى: {وأشربوا في قلوبهم العجل} الإشراب: خلط لون بلون، يقال: أبيض مشرب بحمرة، إذا كان يخالطه حمرة. وقد اختلف العلماء في معنى هذه الجملة، فقيل: تمكن حب العجل من قلوبهم، واستحوذ عليها، وتخللها، وهو قول قتادة وأبي العالية والربيع، وقيل: معناه أنهم سقوا الماء الذي ذري فيه رماد العجل، وذلك أن موسى حرق العجل وطحنه، ثم ذراه في اليم، ثم قال لهم موسى: اشربوا منه، فشربوا منه، فمن كان يحبه خرج على شاربه الذهب، وهو قول السدي وابن جريج. والصحيح القول الأول، وهو اختيار كثير من المفسرين، واستدلوا عليه بعدد من الأدلة، منها: أن الماء لا يقال فيه: أشرب فلان في قلبه، وإنما يقال ذلك في حب الشيء، فيقال فيه: أشرب قلب فلان حب كذا، بمعنى سقي ذلك حتى غلب عليه وخالط قلبه( ). قوله تعالى: {بكفرهم} الباء هنا سببية، ويكون المعنى: أن ما حصل لهم من تعلق قلوبهم بالعجل واستحواذه عليهم إنما كان بسبب ما هم عليه من الكفر. وفي هذا الموضع أمران مهما: الأول: الإشارة إلى معنى التشرب، وحاصله أن المكلف قد يصل حالة من التشبع بالفساد والتعلق به، بحيث يكون متخللا قلبه وحياته، فلا يستطيع أن يتخلص منه، وتراه يبذل كل ما بوسعه ليبقى عليه، وهذا الحال من أخطر الأحوال التي يمكن أن يصل إليها المكلف في تعلق بالانحراف. وكثير من المنحرفين وصلوا إلى هذه المرحلة وهم لا يشعرون، فتراه متشربا لما هو عليه من الانحراف، فينبغي على المكلف أن يتفقد نفسه، حتى يسلم من هذا الداع العضال، وكذلك يجب على المصلحين أن يتفقدوا الناس ويسعوا إلى تخليصهم من هذا المرض. وإذا كان القلب يشرب بحب الكفر، فإنه في المقابل يشرب بحب الإيمان والتقوى، وهذه الحالة من أشرف الحالات التي يمكن أن يصل إليها العبد في علاقته مع الله، وهي من المعاني الإيمانية التي ينبغي أن يبحث عنها السائرون إلى الله كثيرا. الثاني: الإشارة إلى آثار الكفر، فهذه الآية تبين أن أثر الكفر ليس على دين الإنسان فقط، وإنما له أثر كبير على قلبه وآلات إدراكه، والله تعالى قد ذكر عن اليهود أن الكفر أثر عليهم كثيرا في قلوبهم، فقد أثر عليهم في الفهم والإدراك، وأصبحت قلوبهم غلف، وأثر عليهم في التعلق بالفساد والانحراف، وأضحت قلوبهم متعلقة بالخرافات والأساطير)).

ۗ وَلَوْلَا دَفْعُ ٱللَّهِ ٱلنَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَٰمِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَٰتٌ وَمَسَٰجِدُ ودل ذلك على أن البلدان التي حصلت فيها الطمأنينة بعبادة الله، وعمرت مساجدها، وأقيمت فيها شعائر الدين كلها من فضائل المجاهدين، وببركتهم دفع الله عنها الكافرين. السعدي:٥٣٩. للمجاهدين أفضال على المسلمين، بيِّن ذلك. من تطبيق القرآن تدبر وعمل

وَلَوْلَا دَفْعُ ٱللَّهِ ٱلنَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَٰمِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَٰتٌ وَمَسَٰجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا ٱسْمُ ٱللَّهِ كَثِيرًا ۗ الآية تقوية للإذن في القتال، وإظهار للمصلحة التي فيه؛ كأنه يقول: لولا القتال والجهاد لاستولى الكفار على المسلمين وذهب الدين. ابن جزي:٢ / ٥٩. في الجهاد حكمة عظيمة في بقاء الدين، وضح ذلك. من تطبيق القرآن تدبر وعمل