قناة: محمد آل رميح.

تقبل الله مني ومنكم يا كرام ومن العايدين وأسأل الله أن يعيده عليّ وعليكم وعلى أمتنا العظيمة وهي في عز ونصر وهداية.

١١- ويجوز أن يشرك الميّت في أجر الأضحية، فيضحي هو أصالة، وينوي أن يهدي للميت من ثوابها. وإن أراد التضحية عن الميت فقد جوز كثير من السلف أن يضحي عنه استقلالًا، وهي أولى ما يدخل في إهداء القربات المالية. ١٢- أما جمع نيتين في ذبيحة كعقيقة وأضحية،  فقد جوزه بعض السلف كالحسن وابن سيرين، وقال به بعض فقهاء الأمصار، والأصح القول بالمنع، لأنهما عبادتان مستقلتان، لا تتداخلان، وهو قول كثير من أهل العلم. والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول ﷲ.

. بسم الله الرحمن الرحيم (الاشتراك في الأضحية)      الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول ﷲ، أما بعد:     فمن المسائل التي يكثر دورانها في مثل هذه الأيام المباركة: (حكم الاشتراك في الأضحية، والاجتماع في الثمن والنسك والأجر).      والاشتراك في الأضحية على أنواع: ١- أن يضحي المضحي ويشرك معه أهل بيته، فهذا قد جاء الحديث بمشروعيته، كما ثبت في الصحيحين عن ﺃﻧﺲ ﺑﻦ ﻣﺎﻟﻚ ﺭﺿﻲ اﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ، ﻗﺎﻝ: ﻛﺎﻥ اﻟﻨﺒﻲ ﷺ ﻳﻀﺤﻲ ﺑﻜﺒﺸﻴﻦ. وعن أبي ﺃﻳﻮﺏ اﻷﻧﺼﺎﺭﻱ قال: "ﻛﺎﻥ اﻟﺮﺟﻞ ﻳﻀﺤﻲ ﺑﺎﻟﺸﺎﺓ ﻋﻨﻪ ﻭﻋﻦ ﺃﻫﻞ ﺑﻴﺘﻪ، ﻓﻴﺄﻛﻠﻮﻥ ﻭﻳﻄﻌﻤﻮﻥ ﺣﺘﻰ ﺗﺒﺎﻫﻰ اﻟﻨﺎﺱ، ﻓﺼﺎﺭﺕ ﻛﻤﺎ ﺗﺮﻯ" رواه الترمذي. فيضحي الرجل عنه وعن أهل بيته، وهذا مشروع مجزئ في قول أكثر السلف.      وهم شركاء في الإجزاء في النسك على أصح أقوال العلماء، وليست مجرد شركة في الثواب كما هو قول بعضهم. وذلك أن الاشتراك نوعان: اشتراك في إجزاء النسيكة، واشتراك في الأجر. ٢- ويدخل في ذلك لو كان للرجل زوجتان أو أكثر، فتجزئ أضحية واحدة، لأن النبي ﷺ ضحى بكبشين وكان له تسعة أبيات. ٣- ويدخل في ذلك كل من سكن مع المضحي، ممن ينفق عليه، من ابن أو أخ أو قريب، فتجزئ أضحية واحدة، عند أكثر فقهاء الأمصار. ٤- ولا يدخل فيه الخدم والعاملون عنده. ٥- ولا يدخل في ذلك الأموات، فالميت لا يدخل في شِرك الأضحية، لأنه لم يعد من أهل البيت، وإنما يضحّى عنه استقلالًا، أو يشرك في الثواب، كما سيأتي. ٦- ويجزئ اشتراك سبعة فأقل في بدنة أو بقرة، عند أكثر أهل العلم، لحديث جابر في مسلم: أﻣﺮﻧﺎ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﷺ ﺃﻥ ﻧﺸﺘﺮﻙ ﻓﻲ اﻹﺑﻞ ﻭاﻟﺒﻘﺮ، ﻛﻞ سبعة ﻣﻨﺎ ﻓﻲ بدنة". وأمر الأضحية والهدي واحد، ولذا بوّب أبو داود والترمذي على الحديث في أحكام الأضاحي. وأما ما روي ﻋﻦ اﺑﻦ ﻋﺒﺎﺱ ﻗﺎﻝ: ﻛﻨﺎ ﻣﻊ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﷺ ﻓﻲ ﺳﻔﺮ ﻓﺤﻀﺮ اﻷﺿﺤﻰ ﻓﺎﺷﺘﺮﻛﻨﺎ ﻓﻲ اﻟﺒﻘﺮﺓ سبعة، ﻭﻓﻲ اﻟﺒﻌﻴﺮ ﻋﺸﺮﺓ"، رواه الترمذي؛ فهو معلول، ولذا قال عنه الترمذي: حسن غريب، كعادته حين يريد بيان وهن الحديث، وأشار لضعفه الطبري والبيهقي وغيرهما. ٧- ولا يصح الاشتراك في النسك في التضحية بشاة من ضأن أو معز، فإن ذلك إنما يصح عن الشخص وأهل بيته، وأما إذا اشترك اثنان فأكثر في النسك بشاة فذلك مما لا يجزئ، لمفهوم التقسيم في حديث جابر السالف، فإن الشريعة لما جوزت الشركة في البدن والبقر دلّ على اختصاصها بالحكم دون الشياه، وإلا فما هو المقتضى لاختصاص البدن والبقر به. وأيضًا: فلو قيل بجواز الاشتراك لوجبَ أن يحدّ بحدّ في عدده، ولم يأتِ تحديد له في الشريعة ومن حدد فقد تحكّم. وقد حكي الإجماع على ذلك، قال ابن رشد: "وأجمعوا على أن الكبش لا يجزيء إلا عن واحد".      وأما حديث ﺃبي اﻷﺷﺪ اﻟﺴﻠﻤﻲ، ﻋﻦ ﺃﺑﻴﻪ، ﻋﻦ ﺟﺪﻩ، ﻗﺎﻝ: ﻛﻨﺖ ﺳﺎﺑﻊ سبعة ﻣﻊ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﷺ ﻗﺎﻝ: ﻓﺄﻣﺮﻧﺎ ﻧﺠﻤﻊ ﻟﻜﻞ ﺭﺟﻞ ﻣﻨﺎ ﺩﺭﻫﻤﺎ، ﻓﺎﺷﺘﺮﻳﻨﺎ أضحية بسبعة اﻟﺪﺭاﻫﻢ"، الذي رواه أحمد. والأضحية في الحديث هذا يعني بها الشاة، لأن السبعة دراهم ونحوها إلى الدينار، ثمن الشاة في عهدهم، لا ثمن البقر والإبل. ولكن الحديث لا يفرح به فهو ضعيف.      فإن تشاركوا في ثمن شاة، لم تصح الأضحية إلا عن واحد، فهي عبادة تجزئ عن واحد. ولكن يصح أن يهبوه ثمنها أو بعضه، وهم شركاء في الأجر دون النسك، فالنسك لا يقع في الشاة إلا عن شخص واحد وأهل بيته، فإن كانوا جماعة ليسوا أهل بيت فاشتركوا في الثمن فليهبوها لأحدهم، وينسك النسيكة وينوي التضحية.      ومثله لو تشاركوا لشراء أضحية ليهدوها لحي أو ميت كأب وأم، جازت الشركة هنا، لأن التضحية ليست عن المجموع، بل هي عن شخص واحد.      ومما أتعجب منه عند نظري في كلام الفقهاء وتعظيمهم لشأن الأضحية؛ أن منهم من لا يرى الاشتراك حتى في البدن والبقر كمالك! وبعض من يرى الاشتراك في البدنة والبقرة يقول: هو على خلاف الأصل والقياس، ويجعل القياس في إﺭاﻗﺔ الدم أنها ﻻ ﺗﺘﺠﺰﺃ لأنها قربة، ولهذا فسترى أن كتبًا كثيرة من كتب الفقهاء لا ينوّهون بمسألة اشتراك أكثر من واحد في الشاة، كأنها لوضوحها لا تحتاج لتنويه. ٨- ولا يصح أن يشتري من أراد التضحية سبع بدنة أو بقرة، بل لابد أن تذبح البدنة على نية التقرب منه. بل يجب أن ينوي جميع المشتركين القربة في الأضحية ببدنة إبل أو بقرة، خلافًا لمن قال: تجوز اختلاف نيات المشتركين، بين متقرب ومريد لحم، لأن إهراق الدم لا يتجزأ. ٩- ويصح أن يشرك المضحي من شاء في أجر الأضحية، فعن ﺟﺎﺑﺮ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ ﻗﺎﻝ: ﺷﻬﺪﺕ ﻣﻊ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﷺ اﻷﺿﺤﻰ ﺑﺎﻟﻤﺼﻠﻰ، ﻓﻠﻤﺎ ﻗﻀﻰ ﺧﻄﺒﺘﻪ ﻧﺰﻝ ﻣﻦ ﻣﻨﺒﺮﻩ ﻭﺃﺗﻲ ﺑﻜﺒﺶ ﻓﺬﺑﺤﻪ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﷺ ﺑﻴﺪﻩ، ﻭﻗﺎﻝ: «ﺑﺴﻢ اﻟﻠﻪ، ﻭاﻟﻠﻪ ﺃﻛﺒﺮ، ﻫﺬا ﻋﻨﻲ، ﻭﻋﻤﻦ ﻟﻢ ﻳﻀﺢ ﻣﻦ ﺃﻣﺘﻲ». فهذا محمول عند كثير من العلماء على أنه ﷺ أشركهم في الأجر، لا في النسك. ١٠- ﻭﻟﻮ اﺷﺘﺮﻙ اﺛﻨﺎﻥ ﻓﻲ ﺷﺎﺗﻴﻦ ﻋﻠﻰ اﻟﺸﻴﻮﻉ ﺃﺟﺰﺃ، نصّ عليه أحمد.

.                       يوم المباهاة بخ بخ! «إنّ الله يباهي بأهل عرفات الملائكة»! أي شأن شأن أهل الموقف، أن كانوا ممن يباهي الله بهم! وقد صحّ أن الله يباهي بعباده في مواضع معينة، وعبادات محددة: فيباهي بالذاكرين. وروي أنه ﷻ يباهي بالشباب المتعبّدين. ويباهي بأهل الموقف، كما صحّ في مسلم عن ﻋﺎﺋﺸﺔ: ﺇﻥ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﷺ ﻗﺎﻝ: «ﻣﺎ ﻣﻦ ﻳﻮﻡ ﺃﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﺃﻥ ﻳﻌﺘﻖ اﻟﻠﻪ ﻓﻴﻪ ﻋﺒﺪا ﻣﻦ اﻟﻨﺎﺭ، ﻣﻦ ﻳﻮﻡ ﻋﺮﻓﺔ، ﻭﺇﻧﻪ ﻟﻴﺪﻧﻮ، ﺛﻢ ﻳﺒﺎﻫﻲ ﺑﻬﻢ اﻟﻤﻼﺋﻜﺔ، ﻓﻴﻘﻮﻝ: ﻣﺎ ﺃﺭاﺩ ﻫﺆﻻء؟ ولذا روي ﻋﻦ ﻋﺎﺋﺸﺔ أنها سمته يوم المباهاة. وفي المسند عن ﺃﺑﻲ ﻫﺮﻳﺮﺓ ﻗﺎﻝ: ﻗﺎﻝ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﷺ: «ﺇﻥ اﻟﻠﻪ ﻳﺒﺎﻫﻲ ﺑﺄﻫﻞ ﻋﺮﻓﺎﺕ ﺃﻫﻞ اﻟﺴﻤﺎء، ﻓﻴﻘﻮﻝ ﻟﻬﻢ: اﻧﻈﺮﻭا ﺇﻟﻰ ﻋﺒﺎﺩﻱ ﺟﺎءﻭﻧﻲ ﺷﻌﺜًﺎ ﻏﺒﺮًا». وهذا الشأن من أدلة من فضل صالحي البشر على الملائكة. ومن فضل هذا اليوم أنه يوم تُرجى فيه الإجابة، قال ابن عبد البر: "ﻭﻗﺎﻟﻮا: دعاء ﻳﻮﻡ ﻋﺮﻓﺔ ﺑﻌﺮﻓﺔ ﻭﻏﻴﺮﻫﺎ ﺩﻋﺎء ﻣﺮﺟﻮ ﺇﺟﺎﺑﺘﻪ، ﻭﻣﻤﻦ ﺫﻫﺐ ﺇﻟﻰ ﻫﺬا ﻋﺒﻴﺪ ﺑﻦ ﻋﻤﻴﺮ ﻭﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ اﻟﻤﻨﻜﺪﺭ". (التمهيد ٢١/ ١٦١) وقال: "ﺩﻋﺎء ﻳﻮﻡ ﻋﺮﻓﺔ ﻣﺠﺎﺏ ﻛﻠﻪ ﻓﻲ اﻷﻏﻠﺐ". التمهيد، (٦/ ٤١). وفي مسند أحمد، أنه ﷺ دعا لأمته يوم عرفة بالمغفرة. ﻭﻗﺎﻝ ﻣﺠﺎﻫﺪ: ﻛﺎﻧﻮا ﻳﺮﻭﻥ ﺃﻥ اﻟﺮﺣﻤﺔ ﺗﻨﺰﻝ ﻋﻨﺪ ﺩﻓﻌﺔ اﻹﻣﺎﻡ ﻋﺸﻴﺔ ﻋﺮﻓﺔ. وهو يومٌ لمن حققّ التوحيد، وقام بقلبه معاني الوحدانية، وقد ﺧﺮﺝ اﻹﻣﺎﻡ ﺃﺣﻤﺪ ﻋﻦ اﻟﺰﺑﻴﺮ ﺑﻦ اﻟﻌﻮاﻡ، عن ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﷺ ﻭﻫﻮ ﺑﻌﺮﻓﺔ ﻳﻘﺮﺃ ﻫﺬﻩ اﻵﻳﺔ: ﴿ﺷﻬﺪ اﻟﻠﻪ ﺃﻧﻪ ﻻ ﺇﻟﻪ ﺇﻻ ﻫﻮ ﻭاﻟﻤﻼﺋﻜﺔ ﻭﺃﻭﻟﻮ اﻟﻌﻠﻢ ﻗﺎﺋﻤﺎ ﺑﺎﻟﻘﺴﻂ ﻻ ﺇﻟﻪ ﺇﻻ ﻫﻮ اﻟﻌﺰﻳﺰ اﻟﺤﻜﻴﻢ﴾، قال: «ﻭﺃﻧﺎ ﻋﻠﻰ ﺫﻟﻚ ﻣﻦ اﻟﺸﺎﻫﺪﻳﻦ ﻳﺎ ﺭﺏ». ولابد مع الدعاء والثناء وشهود مقام الوحدانية أن يترك العبد الموانع التي تحجب المؤمن عن الله. وفي ابن خزيمة عن ابن عباس أنّ الفضل بن عباس جعل ﻳﻼﺣﻆ اﻟﻨﺴﺎء، ﻭﻳﻨﻈﺮ ﺇﻟﻴﻬﻦ، ﻭﺟﻌﻞ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﷺ ﻳﺼﺮﻑ ﻭﺟﻬﻪ ﺑﻴﺪﻩ ﻣﻦ ﺧﻠﻔﻪ، ﻭﺟﻌﻞ اﻟﻔﺘﻰ ﻳﻼﺣﻆ ﺇﻟﻴﻬﻦ، ﻓﻘﺎﻝ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﷺ: «ﻳﺎ اﺑﻦ ﺃﺧﻲ ﺇﻥ ﻫﺬا ﻳﻮﻡ ﻣﻦ ﻣﻠﻚ ﻓﻴﻪ ﺳﻤﻌﻪ ﻭﺑﺼﺮﻩ ﻭﻟﺴﺎﻧﻪ ﻏﻔﺮ ﻟﻪ"! وفي تاريخ ابن أبي خيثمة عن ﻋﻤﺮ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﻌﺰﻳﺰ أنه كان يقول ﻋﺸﻴﺔ ﻋﺮﻓﺔ بعرفة: "اﻟﻠﻬﻢ ﺯﺩ ﻓﻲ ﺇﺣﺴﺎﻥ ﻣﺤﺴﻨﻬﻢ، ﻭﺭاﺟﻊ ﺑﻤﺴﻴﺌﻬﻢ ﺇﻟﻰ اﻟﺘﻮﺑﺔ، ﻭﺣﻂ ﻣﻦ ﻭﺭاﺋﻬﻢ ﺑﺎﻟﺮﺣﻤﺔ". اللهم اغفر لنا ولوالدينا ولمشايخنا ولأزواجنا وذرياتنا وأحبابنا.

. (صيام يوم السبت إذا وافق عرفة) . الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد: فالقول بتحريم صيام يوم السبت قول لا يعرف عند السلف، ولم يقل به أحد من فقهاء الأمصار، وانفرد به من المعاصرين العلامة الألباني رحمه الله، واستدل بحديث الصماء السلمية، كما سيأتي بإذن ﷲ. وأما إذا وافق يوم السبت صوم أحد من المكلفين كمن يصوم يومًا ويفطر يومًا، أو يوم عرفة أو عاشوراء، أو الأيام البيض؛ فعامة السلف على مشروعية صومه. وقد دلّت الأدلة على مشروعية صيام يوم السبت إذا قام لذلك مقتضى، حتى جعله ابن تيمية مما تواتر في الأحاديث. ومن هذه الأدلة أحاديث صيام الجمعة إذا صام بعده السبت، كحديث ﺟﻮﻳﺮﻳﺔ ﺑﻨﺖ اﻟﺤﺎﺭﺙ ﺭﺿﻲ اﻟﻠﻪ ﻋﻨﻬﺎ، ﺃﻥ اﻟﻨﺒﻲ ﷺ ﺩﺧﻞ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻳﻮﻡ اﻟﺠﻤﻌﺔ ﻭﻫﻲ ﺻﺎﺋﻤﺔ، ﻓﻘﺎﻝ: «ﺃﺻﻤﺖ ﺃﻣﺲ؟»، ﻗﺎﻟﺖ: ﻻ، ﻗﺎﻝ: «ﺗﺮﻳﺪﻳﻦ ﺃﻥ تصومي ﻏﺪا؟» ﻗﺎﻟﺖ: ﻻ، ﻗﺎﻝ: «ﻓﺄﻓﻄﺮﻱ». ولذا بوب عليه أبو داود (باب الرخصة في ذلك)، أي في صيامه. وذكر الحاكم أنه حديث يعارض حديث المنع. والنسائي في الكبرى على حديث ﺟﻨﺎﺩﺓ اﻷﺯﺩﻱ بنحو قصة جويرية: (اﻟﺮﺧﺼﺔ ﻓﻲ ﺻﻴﺎﻡ ﻳﻮﻡ اﻟﺴﺒﺖ). وأما حديث ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ ﺑﻦ ﺑﺴﺮ اﻟﺴﻠﻤﻲ، ﻋﻦ أخته ﺃﻥ اﻟﻨﺒﻲ ﷺ ﻗﺎﻝ: «ﻻ ﺗﺼﻮﻣﻮا ﻳﻮﻡ اﻟﺴﺒﺖ ﺇﻻ ﻓﻲ ﻣﺎ اﻓﺘﺮﺽ ﻋﻠﻴﻜﻢ، ﻭﺇﻥ ﻟﻢ ﻳﺠﺪ ﺃﺣﺪﻛﻢ ﺇﻻ ﻟﺤﺎء ﻋﻨﺒﺔ، ﺃﻭ ﻋﻮﺩ ﺷﺠﺮﺓ ﻓﻠﻴﻤﻀﻐﻪ». فللعلماء في توجيهه مسالك: ١- أنه حديث معلول لا يصح، ضعفه أئمة من أئمة الصناعة، كالزهري، والأوزاعي، ويحيى القطان وأحمد والنسائي، بل قال مالك: هذا كذب، وضعفه أئمة ممن جاء بعدهم كابن تيمية وابن القيم وابن حجر. ٢- القول بالنسخ، قال ﺃﺑﻮ ﺩاﻭﺩ بعد روايته للحديث: ﻫﺬا ﺣﺪﻳﺚ ﻣﻨﺴﻮﺥ -إن لم يكن أراد بالنسخ مطلق الرفع وليس التسخ الاصطلاحي الذي استقر على ذلك-. ٣- إن وجه النهي أن يخصه المكلف بصوم، يتعمده به، يلتمس فيه فضلا، وهو قول الترمذي والأثرم وابن خزيمة والبيهقي. فالذين كرهوا صيام السبت كمجاهد وطاوس وابن معدان، إنما كرهوا إفراده. والمسلك الأول أولاها. والعلم عند الله.

• تعليق مختصر على كتاب (المناسك) من الروض المربع: https://youtube.com/playlist?list=PLhBvi-GlELy-iS4Q5CNGOzwqLtw2ovjSL&feature=shared

• التعريف بالأمصار: https://t.me/mohdromih_drs/342

قال ابن تيمية في سياق ما ينال المعذور من الأجور: "ﻭﻗﺪ ﺗﻜﻮﻥ اﻟﺮﺣﻤﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻨﺰﻝ ﻋﻠﻰ اﻟﺤﺠﺎﺝ عشية عرفة، ﻭﻋﻠﻰ ﻣﻦ ﺷﻬﺪ اﻟﺠﻤﻌﺔ، ﺗﻨﺘﺸﺮ ﺑﺮﻛﺎﺗﻬﺎ ﺇﻟﻰ ﻏﻴﺮﻫﻢ ﻣﻦ ﺃﻫﻞ اﻷﻋﺬاﺭ، ﻓﻴﻜﻮﻥ ﻟﻬﻢ ﻧﺼﻴﺐ ﻣﻦ ﺇﺟﺎﺑﺔ اﻟﺪﻋﺎء، ﻭﺣﻆ ﻣﻊ ﻣﻦ ﺷﻬﺪ ﺫﻟﻚ، ﻛﻤﺎ ﻓﻲ ﺷﻬﺮ ﺭﻣﻀﺎﻥ، ﻓﻬﺬا ﻣﻮﺟﻮﺩ ﻟﻤﻦ ﻳﺤﺒﻬﻢ ﻭﻳﺤﺐ ﻣﺎ ﻫﻢ ﻓﻴﻪ ﻣﻦ اﻟﻌﺒﺎﺩﺓ، ﻓﻴﺤﺼﻞ ﻟﻘﻠﺒﻪ ﺗﻘﺮﺏ ﺇﻟﻰ اﻟﻠﻪ ﻭﻳﻮﺩ ﻟﻮ ﻛﺎﻥ ﻣﻌﻬﻢ". مجموع الفتاوى (٥/ ٢٤٨)

. من المسائل التي يدور حولها البحث والنظر في أيام المناسك: مسألة قصر الصلاة للمتنسكين إذا كانوا بعرفة أو منى هل هو للنسك أم للسفر؟ فقد ذهب فقهاء المدينة، وهو قول بعض فقهاء الشام كالأوزاعي، وقول بعض فقهاء المحدثين كإسحاق، وهو قول بعض أصحاب أحمد كأبي الخطاب. وهذا القول مبني على مقدمات: • إنّ القصر لا يختصّ بالسفر، بل قد يكون في الشريعة لأمر آخر. • إنّ القصر في السفر له مسافة محددة. • إن النبي ﷺ وصحابته وأمراء الحج بعد عصر الصحابة -مكيهم وآفاقيهم- كانوا لا يصلون إلا ركعتين في هذه المواضع. فعلم من هذه المقدمات أن القصر سنة هذه البقاع في حال التلبس بالنسك. فقد كان ابن عباس يفتي ألا يقصر المسافر إلا إذا خرح لجدة أو الطائف او عسفان. مع أنه يقول بالقصر في عرفة ومنى. وقد ثبت عن بعض الصحابة أنهم كانوا يتمون بمكة، فإذا ذهبوا إلى منى قصروا، كما جاء عن ابن عمر. والقصر بمنى لمن كان يتم بمكة مذهب سالم بن عبد الله، وإسحاق. ﻭذهب ﺃﻛﺜﺮ اﻟﻔﻘﻬﺎء، وهو مذهب اﻟﺸﺎﻓﻌﻲ ﻭﺃﺣﻤﺪ ﺇﻥ القصر لا يكون إلا للسفر. ولهذا كان منهم من ينهى أن يقيم أمير مكة اﻟﻤﻮﺳﻢ ﻷﺟﻞ ﻗﺼﺮ اﻟﺼﻼﺓ. ويستدل لهم: - إنّ القصر رخصة مختصة بالسفر، ولا ينتقل عن مثل هذا الأصل بمعارضته بالفعل المجرد، الذي يمكن أن يحتمل احتمالات. - إنّ قصر النبي ﷺ بمكة يحتمل أنه سنة تلك البقعة، ويحتمل إنه للسفر، وإنما لم يأمر المكيين بالإتمام لأنه سفر بالنسبة لهم. وهذا مبني على أن السفر ليس له مسافة محددة في الشريعة. ويقال: حمل قصره على أنه للسفر أولى، لأنه اطراد مع الأصل المقرر بكون القصر رخصة من رخص السفر. ويبقى الإشكال بأن المسافة بين مكة ومنى ليست مسافة قصر. ولكن من التزم بأنّ الشريعة لم يأت فيها دليل يحد السفر بمسافة؛ فلا يرد عليه هذا الإشكال. ولهذا التزم به جمع من الفقهاء كما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره. ويقال لأصحاب القول الأول: أما أن القصر ليس مختصًا بالسفر؛ بل له أسباب أخرى، فهذا لا دليل عليه، والأصل العزيمة لا الرخصة، وأما أن النبي ﷺ قصر بمنى؛ فهذا فعل، والدلالة من الفعل الذي لم يتكرر محتملة، إذ لا يمكن أخذ العموم ولا المفهوم من الفعل. وأما أن ما بين مكة ومنى ليست مسافة قصر؛ فأين الأدلة التي تدل على أن السفر له حد بمسافة في الشريعة؟ والشناعة في القول بأن للقصر سببًا غير السفر؛ أعظم من الشناعة بأن سفر القصر لا حدّ لمسافته. والعلم عند الله.

• الحج إيوان المخبتين. د. محمد بن سالم آل رميح. • كتيب مختصر يصلح للخطباء، والمربين، وفي الحلقات، وجلسات الأهل. فوائد ومواعظ من آيات وأحاديث الحج والمناسك.