قناةُ إيهابِ بنِ حاتِمٍ

. قال أبو بكر، مُحمّد بن العبّاس الخوارزمي: "إن الفجيعةَ إذا لم تُحارَبْ بجيشٍ من البكاء، ولم يُخفّفْ مِن أثقالها بشيءٍ من الاشتكاء؛ تضاعفَ داؤها، وزادَ عَياؤها، وعَزّ دواؤها". وقال الفرزدق: ألـم تــرَ أنــي يـــومَ جـوِّ سُــوَيقَـةٍ بـكـيـتُ فـنـادتـنـي هـنـيدةُ: ما لِيَا؟ فـقـلـتُ لـهـا: إن الـــبـكاءَ لَـراحـــةٌ بـه يـشـتفـي مَـن ظـنّ ألّا تـلاقـيَـا وقال ذو الرّمة التّميميّ: لـعلَّ انـحدارَ الـدّمـعِ يُـعْـقبُ راحةً مِـنَ الوجدِ، أو يَشْفيْ نَجيَّ البلابِلِ .

. ‏يلفتُ انتباهي قولُ بعض العلماء النحْويّين والصّرفيّين في نهاية بعض ما شرحوا: "(فاعرفْهُ)، (فتأمّلْ ذلك)، (ولا يجوز لك أن تخطئ في هذا الباب بعد اليوم إن شاء الله)". تُخيفني هاته العبارات، فأُعيد دراسةَ المسألةِ أو القاعدةِ بعقلٍ جديد، أشعرُ أنَّ ثمة شيئًا غابَ عني، ثم إني لمّا أقرأُ مثلَ هذه العباراتِ فلساني يردُّ عليهم: إن شاء الله :) .

. ‏يستغرب أناسٌ كثُر حينما يرون أحدًا ظاهره سرورٌ دائم وسعادة تامّة، ويتساءلون في داخلهم، ألا يعرف بؤسًا البتة، ألم تغشَه تعاسة قَطّ؟! كلّا، إنما هو رجل منكم، بيد أنه يجيد إخفاء آلامه، ويحسن مواراةَ تباريحه، ولا يعرضها بابتذالٍ على كلّ غادٍ أو رائح، بل يقاسيها بجَلَدٍ، ويُعالجها بصمت. .

. وخُذْ -يا إلهي- بمجامعِ قلبي حتى لا أحزن، وانثر في جنباتي اليقين حتى أطمئن، وانزع من نفسي غبَرةَ الظّنونِ، وسوء النيّات، واجعلْ لساني للحقّ، وفعلي للخير، وعملي للصلاح، وانبذني إلى القوم الصّالحين، ونجِّني من القوم الظّالمين، واغفِرْ لي ما كان، واعصمني من داء نفسي، وشرّ الشّيطان، ومنقلب السّوءِ، يا إلهي! .

وأعتدَدْتُ لي متَّكئي، وجلستُ أرقبُ انغمارَ الظُّلمةِ في بطنِ النّهارِ، وأجولُ في خواطرِ النّفسِ أقلّبُ فيها كيفما أشاءُ، فإذا المكنوزُ منها يفوقُ الاحتمال، وإذا الدّفينُ منها يلمعُ بالأسى، وإذا الماضي منها يلاحقُ حاضري بطعونٍ لا تفتأُ تشربُ من مشاعري، حالٌ غريبةٌ، وشعورٌ مُنتَهبٌ من سياقٍ غير مناسبٍ، ولم تنجُ نفسي المنهكةُ إلا بصوتٍ مصري أصيل، يتلو آياتِ يوسفَ الحفيظِ العليم، حتّى طرتُ بين السّماءِ والأرض، وانعدمتْ غلالاتُ الزّمانِ، وصارَ الأفقُ بلا ألوانٍ، إلا لونَ اليقين.

. أنبل الأبيات قاطبةً، قديما وحديثا: لا تُـفشِ سِـرَّ فـتاةٍ كُـنْتَ تَألَفُها إنَّ الكـريــمَ لـهَا راعٍ وإنْ تَـابـا               بشّار بن بُرد تـ 168ھ. .

‏كم أشتاق مجالس مولانا أبي حيّان التّوحيديّ ومسامراته في هاتيك اللّيالي المطربة، ونحن -أي أنا وهو- نأخذ معًا العربيّة وعلومها على العلّامة أبي سعيد السّيرافيّ، وندرس الفلسفة والمنطق على الشّيخ أبي سُليمانَ السّجستاني. من لم يقرأ "الإمتاع والمؤانسة" فقد فاته الكثير، وجهِل عبقريّةً فذّة!

. ‏أجمعَ البُصَراء بالشاي، وذوو العِلم والتّجرِبةِ المشهودُ لهم بصحَّةِ الذّوق فيه، أن أصول الشاي وأركانه ثلاثة: شاي "الغزالين"، وشاي "العطور"، وشاي "أحمد". وما سوى ذلك فمختلف فيه، متنازَع عليه، فمِنهُ ما يحسُن في حالٍ دون حال، ومنه ما يطيب لقومٍ ولا يطيب لآخرين :) .

. ليـس العفيف مَـن تـركَ الإثمَ لعجزٍ وعـدمِ استطاعة؛ إنّـما العفيف مَن أمكنَتْهُ الفرصة فكفّ عن محارمِ الله، ثم لم يستشعرِ النّدم. قال أعرابيٌّ: خَـلَـوْتُ بـها لـيلًا، وثالِـثُنا الـتُّقى ولـستُ عـلى ذاكَ العـفافِ بـنادِمِ ومثله قول الطّغرائيّ: بِتُّ وبات التُّقى يَقظانَ يحرُسُها ودينُنا في الهوى: قـولٌ ولا عملُ ونظيره قول ابن معتوق: وبِـتْنا كِـلانا في العَـفافةِ والتُّقى أنا يـوسُـفٌ وهي الكريمةُ مَـريمُ ‏وقال الشّريف المُرتضى: عَففتُ وقد قَدرتُ، وليس شيءٌ بـأجـمـلَ مِـن عـفـافِ الـقـادريـنَا .