قناةُ إيهابِ بنِ حاتِمٍ

إنسانُ هذا العصر يضيقُ صدرُه، وتنقبض نفسُه إن لم يستجلبْ ما يرضيه من الاهتمامِ والإعجاب، تعزّز وسائل التواصل هذا الشعور وهي أحد أهمّ مسبّباته، ويتغلغل هذا الأمر حتى لا ترضى النّفسُ بالقليلِ منه، بل تتشوّف إلى المزيد، يستمر ضغط هذا الشّعور على النّفس وغالبًا ما يفضي إلى الكآبة والملل من كلِّ شيء.

. ‏من أكثر ما تحار فيه، وتسائل نفسك عنه، ما أسمّيه: ضبابيّةَ الإرادة، أن لا تعلم يقينًا هل تريد فعل ما أنتَ مقدم عليه، هل تقصد حقًّا إلى هاتيك الغاية وترغب بها من داخلك؟ يدفعك التشوّف، وتقعد بك الخشية، وأنت بينهما تائه منقطع، تَنشد -فقط- إشارة سماويّة تهتدي بها، وأمارة ربانيّة تعوّل عليها. 🤺 .

. للمتذرِّع بكلِّ عذرٍ واهٍ عن بلوغ ما يُريغُه من شريف المقاصد، وتسنُّم ذُرى المطامح... هاكَ هذين البيتين الموقظَين: إذا كـان يـؤذيك حَـرُّ المصيفِ ويُـبسُ الخـريفِ وبـردُ الشِّـتا ويُـلهيكَ حُـسنُ جـمال الرّبـيعِ فأخـذُكَ للعِلـمِ قُـلْ لي: متى؟! .

. أحملُ نفسي على اجتنابِ الفضولِ في كلِّ شأنٍ ما استطعت، أخلّقها بتحاشي الفضول في النّظر، والكفّ عنه في الكلام، وقطعِ الطّريق عليه في الهم، وصرفِ الاهتمام عنه في الأخبار، فكلّ ذلك لا نفع به، ولا طائل تحته، بل فيه تفريط بالوقت واستنزاف للجهد، والعاقل يؤنّس نفسه، ويهذّب فضولها بقصره على ما يفيد. .

. أؤمن إيمانًا لا يخالجه أدنى ريب بأن تحبيب النّشء بالعربيّة، وتنشئته على اللُّغة العالية والكلام الفصيح، حتى يتشرّب العربيّة ويفكّر بها؛ يترك أثرًا عظيمًا على حياتِه بأجمعها، إذ يربّي فيه ملكةَ الذّوق، ويشحذ ذِهنه، ويعلي همّته، ويصقل ذائقته، ويعلّقه بالعظائم. .

. أبو حيّان التوحيديّ يصف ثقيلًا متعالما: "قُفلٌ على خَربة، قد قرأ كتاب "تأخير المعرِفة"، وكتاب "نسيان العلوم"، ودرس مجموع "نقصان الفهم" :) .

‏كم من حَطنْطى يمشي المُطيطى، وهو كالطُوبالة في فهمِه، وكالبلْأز في عقله، لا يشفيه غير صِهميم يحدسهُ بالجندل، ويبغزه بمِلْوَطٍ عِسْودّ!

. سلختُ أمسِ عدّة ساعات في المكتبة، فلمّا أبت إلى البيت وأويت إلى النّوم، رأيت فيما يرى النّائم أني صرت إلى مكانٍ تحفّني فيه الكُتب، وكنت أصْفَح كتابًا قد تردّدت في شرائه لما كنت في المكتبة. فانظرْ كيف لحقني إلى النّوم، كأنه يعذلني أني لم أشترِه حينذاك :) .

. هل قُدِّر لك وجرّبت يومًا شعورَ أن تصحوَ من منامك وتُلفِيَ حلاوة الحُلْم في لسانك ولذاذته في جَنانِك، وأن تمسي جذِلًا مغتبطًا في يومك على إثْرِه، يالها من هشاشة مُحبَّبة! .

. ‏أصدق الكلام وأبلغ التعبير ما كان من وحي تجربة ومزاولة، وذاكَ أن صاحبه قد صاغه من مشاعر وأحاسيس اعترتْهُ ولمسها في نفسِه، وأحسّها في جَنانه، فلم يستعِرْها من غيرِه، أو يتقمّصْها من سواه؛ ويحاكِ على مثالها وينسج على منوالها، بل كانت ذاتُه هي الخائضة في هذا المعترك وحدها. .