قناةُ إيهابِ بنِ حاتِمٍ

صار مذهب البصريّين، وكبار علمائها من الأخطاء الشائعة! لكن صدقت العرب حين قالت: "عش رجبا ترَ عجبا"، وصدق المهلبي حين أنشد: "كلّ من عاش يرى ما لم يَرَهْ "!

. مِن الناس مَن يحملك على الرِّضا باليسير، ويدفعك إلى القنوع بالقليل، زاعمًا أو واهمًا أنه ينصح لك ويرأف بك؛ حتى لا يغشاك الملل ويكثر فيك الزّلل، رغم أنه تسنّم أعلى المراتب فيما حثّك بالعدول عنه، وانتهى إلى أبعد الغايات منه! فاطّرِحْ نُصْح هذا ولا تلتفتْ له، ولا تعِره أذنًا وانأَ عنه. .

. تدفعك أحيانًا شدّة الإعجاب بأحدهم، إلى محاولة تقليده في كلّ فعل يبدر منه، ومحاكاتِه في كلّ قول يصدر عنه، وهذا مُرهقٌ ومنهك للنفس، واستمرارُه مع عدم قدرتك على تَمثُّله في كلّ أمره، ربما أدّى بك إلى كرهه أخيرًا. إنما عليك الاقتصاد في نظرتك، وكبح جماح تعلّقك. .

. لعلّ أعظم نصيحة تسديها إلى أحدهم في هذا الزّمن المحموم بخطاب ضرورة تطوير الذّات، وفي ظلّ دعوات لاهثة داعية إلى تكوين الإنسان الخارق: لا تستنزِفْ نفسَك، لا داعي لأن تكون خارقًا، يسعك أن تكون أحد العاديّين، شطر الرّاحة في التخفّف من هاته الأعباء، التي تحوّل المرء إلى محض آلة مادّية للإنتاج. .

. "والخلاصة أن الأصحاب خمسة: فصاحب كالهواء لا يُستغنى عنه. وصديق كالغذاء لا عيش إلا به، ولكن ربما ساء طعمه، أو صعُب هضمه. وصاحب كالدواء مرٌّ كريه، ولكن لا بدّ منه أحيانًا. وصاحب كالصهباء [الخمر] تلذّ شاربَها، ولكنها تودي بصحّته وشرفه. وصاحب كالبلاء!". الشّيخ عليّ الطنطاوي. .

. "ومن لي بصديق مُلْطف، وعدوٍّ مُبْقٍ، وصاحب مُشفق، بل من لي بجارٍ لا يترصّد عثرتي، ورفيق لا يجهل عليّ؟!"، "والله لقد أصبحت وما لي صديق أتنفّس معه، ولا عدوّ أنافسه، ولا مرتبة أُحسد عليها، ولا غنى أستمتع به!". أبو حيّان التوحيديّ. .

. لا تأسَ وتبتئِس طويلًا، الأتراح والنوائب مقسومة بين البشر، كلٌّ له نصيب منها، ظهرتْ أو خفيتْ، نَأَتْ أو دَنَتْ، عزِّ نفسك بذلك، البشرية على مركب واحد في خضمّ بحر الدّنيا، والأقدار لا تمايز أو تفاضل، فاطمئنْ وارضَ ولا تجزع. .

. كيف لأنثى أرهقها تتابعُ السّنين، وأثقلَها حملُ الظّروفِ أن تحيطَ الجميع بعنايتِها، أنْ تغمرَ الكلَّ بمحبّتِها، أن تشرِقَ شمسُها على كلِّ عينٍ، أن تمطرَ سماؤها على كلّ قلبٍ، أن تطعم كلَّ فمٍ، أن تسمعَ كلَّ همسٍ؛ كيفَ لها ذلك إلمْ تكنْ بعضَ رحمةِ الله ولطفِهِ ونعمتهِ في الأرض. .

ليته قام وجعلَ ظهورَهُم مرتعًا ليمناه؛ ليعلَموا -أيضًا- بأنّهم ناسَبوا رجُلًا فحلا :) بئسَ هاته العادات!

. أشعرُ أن الله جلّ وعزّ يتعبدنا أحيانًا بالحياء. نحن في علاقتنا به خطّاؤون، مسرفون على أنفسنا، كثيرو الزّلل، وسريعو الملل، ولكنه رغم ذلك يغدق علينا من فضلِه، ويسرع إلينا بلطفِه، يكافئ إساءتنا بإحسانه، حتى ليستحيي المرء من حاله معه، فيتقرّب إليه بما يرضيه، وبتجنّب ما يسخطه؛ حياءً منه، ورضًا عنه. .