احتفال الشخص بيوم ميلاده ...
===
• قال لي صاحبي وهو يحاورني : الاحتفال بيوم الميلاد محرمٌ ؛ إذ إنه تشبه بالكفارِ ، وكلُّ تشبه بالكفار محرمٌ .
• قلتُ : رضي الله عنك ، أنازعك في المقدمة الكبرى من هذا البرهان ، بل هي محض وهم ؛ إذ ليس كلُّ تشبهٍ بالكفار محرمًا ، بل التشبه بالكفار قد يكون كفرًا ، وقد يكون محرمًا ، وقد يكون مكروهًا كراهة تنزيه ، وقد يكون خلاف الأولى ، وقد يكون مباحًا .
• ونستطيع أن نمثل على ذلك من فروع السادة الشافعية .
(1) فالتشبه بالكفار قد يكون كفرًا ، وذلك كما مثل الأصحاب بما لو شدَّ امرؤٌ الزنار على وسطه أو وضع قلنسوة المجوس على رأسه ، فهذا يكفر إن فعله تعظيمًا لدينهم واعتقادًا لحقيقته [«الروضة» (10/69) ، «حاشية الشرواني على التحفة» (9/92) ، «فتاوى ابن حجر» (4/239)] .
(2) وقد يكون التشبه بالكفار محرمًا ، ومثل عليه أصحابنا بما إذا فعل شيئًا من الأشياء السابق ذكرها دون أن يقصد تعظيم دينهم ، فهذا يحرم عليه ولا يكفر ، وكذا مثلوا بموافقة النصاري في أعيادهم والتشبه بهم ، وكذا موافقة المجوس في الصلاة في الأوقات المكروهة (تحريمًا) .
(3) وقد يكون التشبه بالكفار مكروهًا ، وهذا أكثر الذي تجري عليه أكثر فروع التشبه ، ويمثل عليه من فروع الأصحاب بكراهة أصحابنا هيئة الاشتمال في الصلاة ؛ مخالفة لليهود ، وكراهة الاختصار للمصلي ؛ مخالفة لليهود والنصاري .
(4) وقد يكون التشبه بالكفار خلاف الأولى ، ويمثل على ذلك باستحباب أصحابنا تأخير السحور وتعجيل الفطر ؛ لما في ذلك من مخالفة لليهود والنصاري كما قاله الهيتمي ، وكما أشار إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأمر بذلك ، فترك ذلك خلاف الأولى .
(5) وقد يكون التشبه بالكفار مباحًا ، ويمثل علىه بنص أصحابنا على إباحة لبس الطيلسان ، رغم كونه من ثياب اليهود والنصارى ، قال البجيرمي – رحمه الله - : «الطيالسة الآن ليست من شعارهم ، بل ارتفع في زماننا ، وصار داخلًا في عموم المباح ، وقد ذكره ابن عبد السلام في البدع المباحة» .
• الحاصل أنه ليس كلُّ تشبه بالكفار يحكم عليه بالتحريم ، بل التشبه قد يكون كفرًا ، وقد يكون محرمًا ، وقد يكون مكروهًا كراهة تنزيه ، وقد يكون خلاف الأولى ، وقد يكون مباحًا .
• فقال صاحبي : سلمنا لكَ أنه ليس كلُّ تشبه يحكم عليه بالتحريم ، ولكن ما ضابط الحكم على صورة معينة بكونها كفرًا ، أو محرمة ، أو مكروهة كراهة تنزيه ، أو خلاف الأولى ، أو مباحة ؟
• فقلت : ضابط الكفر والتحريم : «أن يكون الفعلُ شعارًا لأهل الكفر ، ويظهر فيه وجه تعبدٍ» ، فيحكم بالكفر أو التحريم على حسب قصد الفاعل ، فإن فعل هذا الشعار تعظيمًا لدينهم واعتقادًا لحقيقته كفر ، وإن لم يعتقد ذلك أثم ولا يكفر ، قال ابن حجر الهيتمي – في مسألة موافقتهم في عيدهم - : «فالحاصل أنه إن فعل ذلك بقصد التشبه بهم في شعار الكفر كفر قطعًا ، أو في شعار العيد مع قطع النظر عن الكفر لم يكفر ، ولكنه يأثم ، وإن لم يقصد التشبه بهم أصلًا ورأسًا فلا شيءَ عليه» .
• وذلك كما مثلنا بمسألة شد الزنار ، فإن لبسه تعظيمًا لدينهم واعتقادًا لحقيقته كفر ، وإلا أثم ولم يكفر .
• وضابط الكراهة التنزيهة أو خلاف الأولى : ورود أمرٍ من الشارع أو نهي في عين المسألة ، ولو كان ذلك فيما هو داخل في العادات ، فإن ورد نهي في عين المسألة حكم على المشابهة بأنها مكروهة كراهة تنزيه ، كما مثلنا باختصار المصلي واشتمال اليهود ، وإن ورد أمر بالمخالفة في عين المسألة دون ورود نهي حكم على المشابهة بأنها خلاف الأولى ، كما مثلنا بتأخير السحور وتعجيل الفطر .
• وما سوى ذلك أمور العادات فداخل في نطاق المباح ، كما مثلنا بلبس الطيالسة .
• فقال صاحبي : وما تنزيل ذلك على الاحتفال بيوم الميلاد .
• فقلتُ : الاحتفال بيوم الميلاد عادةٌ ، لا يظهر فيها – أصالةً – أي وجه تعبد ، ومن ثم فهي داخلة في نطاق المباح .
• فقال صاحبي : كيف تقول : «إنها عادة» ، وهو عيدٌ ، والعيد توقيفي تعبدي .
• فقلتُ : تسميتك إياه عيدًا شيء من عندك ؛ فهو ليس عيدًا ، فالعيد يوم سرور ديني يكون شعارا عاما لقوم معينين، وليس ذكرى معينة تمرُّ على شخص معين ، والفقيه في التكييف الفقهي ينظر للمضامين لا للأسماء ، وإلا لحرمنا القهوة ؛ لأن اسمها اسم من أسماء الخمر .
• فقال صاحبي : وما نفعل في حديث أنس رضي الله عنه قال قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة , ولهم يومان يلعبون فيهما ، فقال : «قد أبدلكم الله بهما خيرا منهما : يوم الأضحى, ويوم الفطر» .
• فقلتُ : هذا الحديث خارجٌ عن محل النزاع ؛ إذ إن هذا الحديث متعلق بيوم سرور ديني قد اتخذ شعارًا عامًّا ، فهذا محل التحريم ، أما «عادةٌ» تمر على شخص معين في يوم معين «لا يظهر فيها وجهُ تعَبُّدٍ» فليس داخلة في نطاق الحديث .