جذوَة فِكر

"أمّا الباروديّ -جعل الله له لسان صدق في الآخرين- فقد وصف الحرب وصفًا حيًّا صارخًا يبعث ميت العزم،...، ولننظر كيف يقول: "قامَ النَّبيُّ لِنَصْرِ الحَقِّ مُعْتَزِمًا بِجحفلٍ لِجُمُوع الشِّرْكِ مُخترمِ تبدو بِهِ الْبِيضُ وَالْقسْطَالُ مُنتَشِرٌ كالشّهب في اللَّيْلِ أَوْ كَالنَّارِ في الفَحَمِ لَمْعُ السُّيُوفِ وَتَصْهَالُ الخُيُولِ بِهِ كالْبَرْقِ وَالرَّعْدِ فِي مُغْدَوْدِقٍ هَزِمِ عرمرمٌ ينسِفُ الْأَرْضَ الْفَضَاءَ إِذَا سَرَى بِهَا وَيَدُكُّ الْهُضْبَ مِنْ خَيمِ فِيهِ الْكُمَاةُ الَّتِي ذَلَّتْ لِعِزَّتِها مَعَاطِسٌ لَمْ تُذلَّلْ قَبْلُ بِالْخُطُمِ مِنْ كُلِّ مُعْتَزِمٍ بالصَّبْرِ مُحْتَزمٍ لِلْقِرْنِ مُلْتَزِمٍ فِي الْبَأْسِ مُهْتَزِمِ طَالَتْ بهِم هِمَمٌ نالُوا السِّمَاكَ بِهَا عَنْ قُدْرَةٍ، وَعُلُوُّ النَّفْسِ بِالْهِمَمِ بيضٌ أَسَاوِرَةٌ غُلْبٌ قَسَاوِرَةٌ شُكسٌ لَدَى الحَرْبِ مِطْعَامُونَ فِي الْأَزَمِ طَابَتْ نُفُوسُهُمُ بِالْمَوْتِ إِذْ عَلِمُوا أَنَّ الْحَيَاةَ الَّتِي يَبْغُونَ فِي الْعَدَمِ سَاسُوا الْجِهَادَ فَظَلَّتْ في أَعِنَّتِهَا طَوْعَ الْبَنانَةِ في كَرٍّ وَمُقْتَحَمِ تَكَادُ تَفْقَهُ لَحْنَ الْقَوْلِ مِنْ أَدَبٍ وَتَسْبِقُ الْوَحْيَ وَالْإِيمَاءَ مِنْ فَهَمِ كأنَّ أذنابهـا فـي الكـرِّ ألويةٌ على سفينٍ لأمرِ الرِّيعِ مُرتَسِمِ مِنْ كُلِّ مُنْجَردٍ يَهْوِي بِصَاحِبِهِ بيْنَ الْعَجَاج هُوِيَّ الْأَجدَلِ اللّحِمِ والبيضُ تَرْجُفُ فِي الْأَغْمَادِ مِنْ ظَمَأٍ وَالسُّمْرُ تَرْعُدُ فِي الْأَيْمَانِ مِنْ قَرَمِ مِنْ كُلِّ مُطَّرِدٍ لَوْلَا عَلائِقُهُ لسابق المَوْتَ نَحْوَ الْقَرْنِ مِنْ ضَرَمِ كَأنَهُ أَرْقَمٌ في رَأْسِهِ حُمَةٌ يَسْتَلُّ كَيْدَ الْأَعَادِي بِابْنَةِ الرَّقَمِ فَلَمْ يَزَلْ سَائِرًا حَتّى أَنَافَ عَلَى أَرْبَاضِ مَكَّةَ بِالْفُرْسَانِ وَالْبُهَمِ وَلَفَّهُمْ بِخَمِيسٍ لَوْ يُشَدُّ عَلَى أَرْكَانِ رَضْوَى لَأَضْحَى مَائِلَ الدَّعَمِ فَأَقْبَلُوا يَسْأَلُونَ الصَّفحَ حِينَ رَأوْا أَنَّ اللّجَاجَةَ مَدْعَاةٌ إِلَى النَّدَمِ ريعُوا فَذَلُّوا، وَلَوْ طَاشُوا لَوَقَّرَهُمْ ضَرْبٌ يُفَرِّقُ مِنْهُمْ مَجْمَعَ اللِّمَمِ" وهذه صورة شعريّةٌ قليلةُ الأمثال". [الموازنة بين الشعراء لزكي مُبارك.]

لقد عرفنا الغزاة قبلكمُ ونشهد الله: فيكمُ البدعُ سبعون عاما وما بكم خجلٌ.. الموتُ فينا وفيكم الفزعُ أخزاكم الله في الغزاة فما.. رأى الورى مثلكم ولا سمعوا.

﴿وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمعَ وَالأَبصارَ وَالأَفئِدَةَ لَعَلَّكُم تَشكُرونَ﴾ [النحل: ٧٨] ذِكر النعم يورثُ حبَّ المنعم عزَّ وجلّ. - د.عبد الملك القاسم. القارئ: أحمد بن طالب.

مَن جعلوا دُنياهم لآخرتِهم فقد صنعوا أفضلَ دُنيا لهم: صنعوا التّقدُّم، صنعوا الازدهار، صنعوا الثّروة، صنعوا العدل، صنعوا الرّحمة، صنعوا التّسامح، صنعوا كلَّ ما تكون به الحياة أفضل. د. مُحمّد أبو موسى.

” كنتُ أسمع بمجاهدة المحبين، ومناجاة العارفين، وكنت أشتهي أن أطَّلع على شيءٍ من ذلك، فقصدتُ مالك بن دينار. فرمقتهُ على غفلة، وراقبتهُ من حيثُ لا يعلم لياليَ عدَّة، فكان يتوضأ بعد العشاء الآخرة، ثم يقوم إلى الصلاة، فتارة يفني ليلهُ في تكرارِ آية أو آيتين، وتارة يدرج القرآن درجًا. فإذا سجد وحان انصرافهُ من صلاته، قبض على لحيته، وخنقتهُ العبرة، وجعل يقول: بحنين الثَّكلى، وأنين الوَلهى: يا إلهي، ويا مالك رقِّي، وياصاحبَ نجواي، وياسامع شكواي، سبقت بالقول تفضلاً وامتنانًا، فقلت: ﴿يُحِبُّهُم وَيُحِبّونَهُ﴾ والمُحبُّ لا يعذِّبُ حبيبه، فحرِّم شيبة مالك على النار، إلهي، قد علمتَ ساكنَ الجنَّة من ساكن النار، فأيُّ الرجلين مالك؟ وأيُّ الدَّارين دارُ مالك؟ ثُم يناجى كذلك إلى أن يطلع الفجر، فيصلي الصُّبح بوضوء العتمة رحمهُ الله “. [المغيرة بن حبيب | بحر الدموع]

” كنتُ أسمع بمجاهدة المحبين، ومناجاة العارفين، وكنت أشتهي أن أطَّلع على شيءٍ من ذلك، فقصدتُ مالك بن دينار. فرمقتهُ على غفلة، وراقبتهُ من حيثُ لا يعلم لياليَ عدَّة، فكان يتوضأ بعد العشاء الآخرة، ثم يقوم إلى الصلاة، فتارة يفني ليلهُ في تكرارِ آية أو آيتين، وتارة يدرج القرآن درجًا. فإذا سجد وحان انصرافهُ من صلاته، قبض على لحيته، وخنقتهُ العبرة، وجعل يقول: بحنين الثَّكلى، وأنين الوَلهى: يا إلهي، ويا مالك رقِّي، وياصاحبَ نجواي، وياسامع شكواي، سبقت بالقول تفضلاً وامتنانًا، فقلت: ﴿يُحِبُّهُم وَيُحِبّونَهُ﴾ والمُحبُّ لا يعذِّبُ حبيبه، فحرِّم شيبة مالك على النار، إلهي، قد علمتَ ساكنَ الجنَّة من ساكن النار، فأيُّ الرجلين مالك؟ وأيُّ الدَّارين دارُ مالك؟ ثُم يناجى كذلك إلى أن يطلع الفجر، فيصلي الصُّبح بوضوء العتمة رحمهُ الله “. - المغيرة بن حبيب | بحر الدموع

‏واعلَم يَابنَي أنَّه لَا يَهجُر القُرآن إلَّا مَن هَان علَى الله..

يُجَاهدُ المرءُ والآمالُ تدفعهُ وليسَ يظفرُ إِلّا بالّذي قُدِرا.. مُصطفى الماحي.

من يزعم اليوم أنّ سيد قطب رحمه الله معادٍ للتراث واهم لأنّه يقرأ سيد قطب بعيون استشراقية ولكنّها عيون الاستشراق الحديث المنقلب على الاستشراق القديم. في كتابي الأخير "منطق القرآن" خصصت قسما كبيرا للخلفية التاريخية وسمّيته "في الطريق إلى منطق القرآن: من الشافعي إلى سيّد قطب"، تناولت فيه سيرة أربعة عشر عالمًا ومفكّرا معظمهم من القدماء واثنان فقط من المعاصرين، هما عبد الحميد الفراهي وسيّد قطب. وقد أردت من هذا القسم الكبير – من بين أهداف أخرى – أن أبيّن بأنّ هؤلاء المعاصرين الذين رفضوا علم الكلام ونقدوه لم يخرجوا خروجًا مطلقًا على التراث الإسلامي كما يزعم أرباب الاستشراق الحديث اليوم ويتابعهم على ذلك مَن لم يقرأ لا تراثنا ولا مفكّرينا الإسلاميين جيّدا من الباحثين العرب، فيزعمون أنّ الحركية الإسلامية بجملتها خروج على التراث! من يقرأ فصل سيد قطب في كتابي المذكور بعد أن يكون قد قرأ فصولا مخصصة لعلماء متقدّمين ومتأخّرين كالشافعي والخطّابي والشاطبي وغيرهم سيدرك أنّ سيد قطب كان أقرب إليهم من كثير ممن يلتحف بمقولة التراث والتمسّك به والدفاع عنه اليوم، فكثير من هؤلاء "التراثيين" هم في علاقة تصالح وانسجام مع الدولة العلمانية المستبدّة، بل ومع بعض المفاهيم العلمانية الغربية المناقضة لمفاهيم إسلامية أصيلة! بل إنني حين كنت أكتب فصل سيّد قطب دُهشت من مدى تطابق رؤيته مع الإمام الخطّابي على مستوى الألفاظ لا الرؤى فحسب وبينهما ألف عام، فسيّد قطب في الواقع امتداد لأكثر مدارس التراث أصالة، والسبب الأساسي في ذلك هو أنّه كان يفيء إلى الكتاب والسنّة كما فاء غيره من علماء الإسلام. وقد ذكرت هذا الملحظ في الكتاب، وناقشت ما ذكره الدكتور خالد الرويهب عن سيد قطب في كتابه "تطوّر المنطق العربي" ومخالفته لما يسمّيه "التراث المدرَسي"، وقلت إنّنا حين نريد تقويم أي إنتاج فكري ديني فلا بد من محاكمته إلى قطعيات الكتاب والسنّة وما أجمعت عليه الأمة في قرونها المفضلة الأولى، فهذا هو لب لباب التراث الإسلامي، والمتمسّك به لا يسمّى خارجا على التراث، بل الذين تبنّوا منطق أرسطو والأرضية المفاهيمية الفلسفية الإغريقية وأقاموا عليها بنيان العقيدة أشدّ معاداة لتراث الأمة حتى لو باتوا هم اليوم "تُراثًا" يُتمسّك به ويُعضّ عليه بالنواجذ! - شريف محمد جابر

”ورسولُ الله ﷺ سيِّد الأنام، ويوم الجمعة سيِّد الأيّام، فللصّلاة عليه في هذا اليوم مزيّة ليست لغيره، مع حكمة أخرى وهي أنَّ كلَّ خير نالته أمّته في الدّنيا والآخرة فإنّما نالته على يده، فجمع الله لأمّته به بين خير الدّنيا والآخرة. وأعظمُ كرامة تحصل لهم فإنّها تحصل يوم الجمعة، فإنَّ فيه بعثهم إلى منازلهم وقصورهم في الجنّة، وهو يوم المزيد لهم إذا دخلوا الجنّة. وهو عيدٌ لهم في الدّنيا، ويومٌ فيه يُسعفهم الله -تعالى- بطلباتهم وحوائجهم، ولا يردُّ سائلهم. وهذا كلُّه إنّما عرفوه وحصل لهم بسببه وعلى يده، فمِن شكره وحمدِه وأداءِ القليل مِن حقِّه ﷺ أن يُكثَر مِن الصّلاة عليه في هذا اليوم وليلته“.