مقهى ثقافي || محمد دويدار

تذكر سعيك الحثيث وسيلان لعابك الدائم جريا وراء كل أمل أملته في الدنيا، تذكر أنك في كل مرة تنال فيها مرادك كنت تسعد قليلا ثم لا تلبث أن تعتاد الشيء الذي كنت مستعدا لبذل الغالي والنفيس من أجله؛ فتمل منه ولا يدوم لك كما في أول الأمر. هي الدنيا، لا يدوم لك فيها ضدان، ولا ترتوي منها مهما شربت، وتموت وأنت متعطش تقول هل من مزيد! قس ذلك على كل شيء طلبته: الآن أصبحت جامعتك عادية، وأصبحت وظيفتك حملا ثقيلا، وأصبحت زوجتك قبيحة، وأصبح ابنك هما وغما عليك!

كرة تلو كرة أظن الأماني التي أمّلتها هي خلاصي، ويصرفها الله عني؛ لكنه الإنسان الكنود الظلوم الكفّار ينظر من نظارته الضيقة لأحوال الكون فيجزع لفوات آماله، وفي كل مرة يقول الله إنه يصرف عني هلاكي الذي ظننته خلاصي، ولا أعلم إلا بعد الجزع؛ فلو أن أهل الأرض يندمون في صعيد واحد ما ندموا كما ندمت أن لم أسلم لحكمة ربي وعلمه بل ركنت لطيشي وجهلي. وفي كل مرة أظن هلاكي فيما أصابني بما كسبت يدي ولم أجد فيه إلا خلاصي؛ فتعسًا للإنسان لا يرضى بما قسمه الله له.

رأيت منشورا منتشرا على كثير من الصفحات مفاده أن المشي مع الزوجة ليلا سنة مهجورة، واستدلوا بجزء مقطوع من حديث رواه البخاري: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- اذا كان بالليل سار مع عائشة يتحدث. وهذا الحديث له سياق؛ فقد كان سفرا للنبي-صلى الله عليه وسلم- أقرع فيه بين زوجاته وكانت القرعة على السيدتين عائشة وحفصة-رضي الله عنهما- والذي يفهم من سياق الحديث أنه-صلى الله عليه وسلم- إما كان يمشي مع عائشة ليلا في هذا السفر تحديدا، أو أنه كانت من عادته أن يخص عائشة بالمشي في الليل مطلقا إذا خرج، وعلى هذين الاحتمالين لا تثبت السنة في ذلك؛ إذ لو ثبتت لترتب عليها حكم شرعي ولم يكن ليخص بها عائشة دون غيرها من أمهات المؤمنين، ولعدل بينهن في ذلك دون خصوصية لها. والذي يقوي هذا الوجه أن حفصة-رضي الله عنها- لما علمت ذلك وأرادت هذه الميزة عرضت على عائشة استبدال ركبها بركبها لتستأثر بسيدنا النبي في الليل في تلك السفرة. وكذلك أن السنة تتعلق بأفعال النبي-صلى الله عليه وسلم- وأقواله وتقريراته التي تترتب عليها أحكام شرعية؛ لذا فالأصوليون لم يدخلوا صفاته-صلى الله عليه وسلم- في ذلك وما كان من قبيل العادات.

من لم يستطع استزادة من طاعة مستحبة فلا تغلبه نفسه على ترك المعصية؛ فإن التروك للفعل أسهل من إيجابه، والترك الواجب مقدم على الفعل المستحب.

النظر في النصوص لا يكون إلا لمن استكمل أدوات النظر وارتقى في سلمها إلى المنتهى، ثم هو يجمع بين الأدلة ولا يزعم التعارض إلا في نهاية النفق؛ حينها يحق له رد نص بنص وترجيحه عليه،وليس رده وترجيحه حينها يقلل من قدر المردود؛ فهو دليل شرعي له رتبته في الأدلة، وعليه أن يحترمه، وفي النهاية هو في نفسه يقول "الله أعلم" بقلبه لا بلسانه، ولا يقطع بشيء في ساحة اجتهاد؛ إذ قد يغيب عنه شيء أو يسهو أوينسى؛ فإن كان كذلكم صح عقله وأجلَّ مخالفه وأنكر حظ نفسه.

الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد، الله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا، وسبحان الله بكرة وأصيلا، لا إله إلا الله وحده، صدق وعده، ونصر عبده، وأعز جنده، وهزم الأحزاب وحده، لا إله إلا الله، ولا نعبد إلا إيَّاهُ، مُخْلِصِين له الدين ولو كره الكافرون، اللهم صل على سيدنا محمد، وعلى آل سيدنا محمد، وعلى أصحاب سيدنا محمد، وعلى أنصار سيدنا محمد، وعلى أزواج سيدنا محمد، وعلى ذرية سيدنا محمد وسلم تسليمًا كثيرًا

سئل شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- عن عشر ذي الحجة والعشر الأواخر من رمضان أيهما أفضل؟ فأجاب: أيام عشر ذي الحجة أفضل من أيام العشر من رمضان، والليالي العشر الأواخر من رمضان أفضل من ليالي عشر ذي الحجة. وكل عام أنتم بخير.

شيئان: الأول فيه نوع من المشقة المعتبرة؛ ولو لم يكن ذلك لما كان معنى للاختبار، والثاني شديد جدًّا ولو لم يكن ذلك لكان الناس كلهم علماء. الأول: ما في الدين من شرائع وتكاليف لا بد وأن تشق على بعض الناس؛ والناس تميل إلى متابعة من يفرغ الدين من هذا المحتوى. الثاني: ما في هذا الشرع من نظام ملجم لهمج الناس من التكلم فيه، فلو تكلم كل متكلم برأيه الشخصي لما كان دين ولما حُفِظ، فالعلم شديد والإفتاء صعب والحكم على الناس أصعب، والناس تميل إلى متابعة من يدخلهم في زمرة العلماء بسهولة دون تعب، ويشعرهم بوجودهم، ويسقط عنهم رحلة التعلم؛ إذ بكبسة زر تستطيع تكفير عالم أو تبديعه.