مَــــرَحْ.

الحمدُ للّٰه حتى يَبلغُ الحمدُ منتهاه.

"لا تَدعي أنَّ الهَوى سيموتُ حُزنًا بعدنا فالحبُّ جاءَ معَ الوجودِ وعاشَ عُمرًا قَبلنا".

يا رب هذا قَلبي وأنتَ وحدكَ تعلمُ ما فيه، فلا تجعلهُ فتنةً لي، فقد حرصتُ عليه أيّما حرص، يا رب هذا قلبي سَلمتُه لكَ حيث الأمانُ المُطلق، فأعني واختر لي ولا تجعل هذا القلب يُؤذيني.

لا، لم نصنع الأساطير ولا المُعجزات، وإنّما تحركنا مع تاريخنا العربي وتحرك معنا، دفعناهُ إلى الأمام ودفعنا، خلقناهُ وهو يهبُنا الحياة. لا، لم نصنع الأساطير وإنّما عشنا واقعنا بكل حقائقه وإمكاناته، فلم تُسكرنا الرؤى ولم يبعث الواقعُ في أنفسنا القُنوط، وحملنا الراية الفرحة الحزينة وعبرنا. في زمن الكذب والأباطيل والإحصاءات المُلفقة والعلاقات العامة والآلةُ التي تنتظرُ من البشر الإذعان، تعبرُ أيها الإنسانُ دهاليز الخوف لتعلن أنّك لا تزال في مركز الكون. وحينما أسقطت الآلةُ الحديدية"المُتفوقة" النيران على القُرى والأطفال والأشجار في الجَزائر، وحينما زمجرت الآلة الفاتكة"الكُفء" في سماوات ڤيتنام الزرقاء وفوق غاباتها المورقةِ الخضراء، لم تذعن أيها الإنسان وإنّما انطلقت وعبرت وأمليت إرادتك. وها أنت ذا في سوريا وفي مِصر وفي أنحاء شرقنا العربي تعبر الحاجز مرة أخرى لِتؤكد أنك لن تستسلم للأشياء والأصنام حتى لو أخذت شكل نابالم حارق أو فانتوم قاتل أو أموال يَهودية صهيونية لا تُعدّ ولا تُحصى أو إمدادات أمريكية لا تنتهي أو جيش إسرائيلي"لا يُقهر". في مركز الكون فلتقف أيّها الإنسان العربي ولتغرس راية العُروبة والحقّ في أعلى القمم. •عبد الوَهاب المَسيري | حرب 1973.

نَابلس | البَلدة القَديمة.

الأربعاء السادس والعشرين من شَهر حُزيران، اليوم الأخير في جامعتي شُعور المرة الأخيرة هذا غريبٌ بالكُليّة، آخر خُطوة في هذا الصباح في الجامعة آخر كُوب قهوة، آخر امتحان أتمنى أن أجتازه فقط صَعب مُهمة تفسير المشاعر من كم الحيزّ الذي أخذه، المرة الأخيرة في كُليتي كانت قبل يوم... انشغلتُ بالدراسة لحين قُدوم موعد الامتحان والتقيتُ صديقتي بُدور التي عرفتُها من خلال تطبيق فيسبوك ثُمَّ الجامعة كانت دقائق مَعدودة تبادلنا أطراف حديثٍ سريع ولمحتُ في عينيها دموعًا محبوسة في حديثٍ لنا عن أن هذا قد يكون آخر لقاء فبادرتي بسرعة لا تقولي ذلك! حاولنا تغير الموضوع كي أهرب من دموعٍ شعرتُها ستتدفق، ممتنة لُكل يوم لي في الجامعة ولكل الذين عرفتهم فيها، فكرة النهاية غريبة بعض الشيء إلّا أنَّها مختلفة بسبب الحرب بدأت أشعرُ باختلال المشاعر داخلي، حيث لا شيء يشعرني بالفرح، ذهبتُ للامتحان أنهيتُهُ ونزلتُ إلى البلدة القديمة صوت المذياع في التكسي وطريقة الكلام أصابتني بشيء يُشبه أعادة مشهد أعرفُه سابقًا، الصوت الطريقة! ما الذي يحدثُ لنا! كانت فتاة تتحدث في المذياع وترسل رسالة لوالدها في سجن مما أذكره العيد مش حلو بدونك يابا، لوهلة شعرت نفسي في مشهد في التغريبة الفلسطينية يا إلهي ألم يكن مجرد تاريخ عاشهُ أسلافُنا ها نحنُ ذا نُعيدهُ صوتُ المذياع في المسلسل رُشدي وانتظار صوت أمه خضرة، لم يحتمل صاحب التكسي الذي يسمعه ففتح حوارًا ذاتيًّا مع الشاب الذي إلى جواره يقول فيما معناه: ليش أنتَ مفكر بوصل إشي للأسرى وإلي بسمعوا شو بحكولهم! ولا بعرفوا إشي! وأغلق المذياع وكأنّه يغلقُ آلامًا كثيرة. النكبة ليست مستمرة فحسب إنّما نحن فيها منذ ما بدأت... نعيشُ ونشهدُ أضعاف ما جاء فيها، لم أفهم مشاعري في ذلك اليوم لكن مرّت تلك السنواتُ بلمح البصر، جعلت مني شخصًا جديدًا كُليًّا، غابَ الكثير عنها وتبدلت كُلُّ الأحوال، جمعتنا بأشخاص وفرقتنا بآخرين وعرفنا بعضهم متأخرًا ولسانُ الحال: ليت الحياة جمعتنا في وقتٍ أبكر من هذا، لكنها الحياة والفقدُ فيها أعمُّ من الجمع على حدٍّ وصف أحدهم وربما هي كذلك.

نَابلس تَلك المَدينةُ التي أُحب، البلدةُ القديمة تحديدًا هذا الجُزء منها يأسرُ قلبي يأخذُني إلى القُدس التي لم أزُرها يومًا تختلطُ الروائحُ في أزقتها ولا أعودُ أسمعُ إلّا صوت تميمٍ في قصيدة في القُدس، ولن يشعرُ أحدٌ بجمال رائحة القهوة إن لم يكن استنشقها في الصباح الباكر وهي تفوحُ من بين حاراتها، دمشقُ الصُغرى شُكرًا لكلِّ أيامي فيكِ.

اليَوم الأخير.

حرفيًا بعيدًا عن أيّ مجاز: الأطفال في غزّة يموتون جوعًا.

منذ أيام وصلني سُؤال عن إذا ما كُنت أفتقد أحد، سامح اللّٰه من سألني السُؤال وشُكرًا جِدًّا، ليتك ما سألت.🙂