هادي بن إبراهيم الحنبلي
غَايةُ الكَرامَةِ لُزومُ الاسْتِقامَة
Show more- Subscribers
- Post coverage
- ER - engagement ratio
Data loading in progress...
Data loading in progress...
أجمع الْمُسلمُونَ أَن الْقُرْآن كَلَام الله، وَإِذا صَحَّ أَنه كَلَام الله صَحَّ أَنه صفة لله تَعَالَى، وَأَنه ﷻ مَوْصُوف بِهِ، وَهَذِه الصّفة لَازِمَة لذاته. تَقول الْعَرَب: زيد مُتَكَلم، فالمتكلم صفة لَهُ، إِلَّا أَن حَقِيقَة هَذِهِ الصّفة الْكَلَام، وَإِذا كَانَ كَذَلِك، كَانَ الْقُرْآن كَلَام الله وَكَانَت هَذِهِ الصّفة لَازِمَة لَهُ أزلية. وَالدَّلِيل عَلَى أَن الْكَلَام لَا يُفَارق الْمُتَكَلّم، أَنه لَو كَانَ يُفَارِقهُ لم يكن للمتكلم إِلَّا كلمة وَاحِدَة، فَإِذا تكلم بهَا لم يبْق لَهُ كَلَام، فَلَمَّا كَانَ الْمُتَكَلّم قَادِرًا عَلَى كَلِمَات كَثِيرَة بعد كلمة، دلّ عَلَى أَن الْكَلِمَات فروع لكَلَامه الَّذِي هُوَ صفة لَهُ مُلَازمَة - الحجة في بيان المحجةقال شيخ الإسلام أبو العباس ابن تيمية :
إنَّ صِفَةَ الْمَخْلُوقِ لَا تُفَارِقُ ذَاتَه وَتَنْتَقِلُ عَنْهُ وَتَقُومُ بِغَيْرِهِ فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: إنَّ صِفَةَ الرَّبِّ سُبْحَانَهُ فَارَقَتْ ذَاتَه وَانْتَقَلَتْ عَنْهُ وَقَامَتْ بِغَيْرِهِ. وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْمُتَكَلِّمَ مِنَّا إذَا أَرْسَلَ غَيْرَهُ بِكَلَامِ فَإِنَّهُ مَا قَامَ بِهِ؛ بَلْ لَمْ يُفَارِقْ ذَاتَه وَيَنْتَقِلْ إلَى غَيْرِهِ؛ فَكَلَامُ اللَّهِ أَوْلَى وَأَحْرَى؛ بَلْ كَلَامُهُ سُبْحَانَهُ قَائِمٌ بِهِ كَمَا يَقُومُ بِهِ لَوْ تَكَلَّمَ بِهِ - مجموع الفتاوىوقال :
وَقَوْلُ مَنْ قَالَ مِنْ أَئِمَّةِ السُّنَّةِ لَمْ يَزَلْ اللَّهُ مُتَكَلِّمًا إذَا شَاءَ وَأَنَّ قَوْلَ السَّلَفِ مِنْهُ بَدَأَ لَمْ يُرِيدُوا بِهِ أَنَّهُ فَارَقَ ذَاتَه وَحَلَّ فِي غَيْرِهِ؛ فَإِنَّ كَلَامَ الْمَخْلُوقِ بَلْ وَسَائِر صِفَاتِهِ لَا تُفَارِقُهُ وَتَنْتَقِلُ إلَى غَيْرِهِ فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يُفَارِقَ ذَاتَ اللَّهِ كَلَامُهُ أَوْ غَيْرُهُ مِنْ صِفَاتِهِ بَلْ قَالُوا: مِنْهُ بَدَأَ أَيْ: هُوَ الْمُتَكَلِّمُ بِهِ رَدًّا عَلَى الْمُعْتَزِلَةِ وَالْجَهْمِيَّة وَغَيْرِهِمْ الَّذِينَ قَالُوا بَدَأَ مِنْ الْمَخْلُوقِ الَّذِي خُلِقَ فِيهِ. وَقَوْلُهُمْ: إلَيْهِ يَعُودُ. أَيْ: يُسْرَى عَلَيْهِ فَلَا يَبْقَى فِي الْمَصَاحِفِ مِنْهُ حَرْفٌ وَلَا فِي الصُّدُورِ مِنْهُ آيَةٌ. - مجموع الفتاوىفكلام الرجل قد يبلغه غيره ولا يقال أنه ليس كلامه إذا بلغه غيره ولا يقال أن صفة الكلام التي عنده فارقته وحلت في غيره هذا لا يلزم لا نقلا ولا عقلا ولا في لغة العرب والله تعالى أولى إذ أن كلامه يبلغه غيره فأفعال العباد مخلوقة ولكن الكلام ينسب له فهو المتكلم به وكلامه لم يفارق ذاته .
هذا الشخص من الحنابلة الجدد ولعله لم يقرأ آخر كتب القاضي أبي يعلى رحمه الله وما استقر عليه حاله، أعني كتابه "إبطال التأويلات لأخبار الصفات" الذي أبطل فيه تأويلات ابن فورك الأشعري لما روى الأحاديث وتأولها. فنصر رحمه الله الحق وكان قوله قول أهل السنة -غالباً- رحمه الله تعالى وغفر له. وهذا الكتاب خير دليل على أن القاضي أراد الحق وإصابة مذهب السلف وما كان عليه الإمام أحمد، والذي أصاب فيه أكثر بكثير من زلاته. وقد قال رحمه الله: "فإن قيل: مجاهد وابن سيرين ليسا بحجة، ولا ممن يثبت بقولهما صفات لله تعالى! قيل: إثبات الصفات لا تؤخذ إلا توقيفا، لأنه لا مجال للعقل والقياس فيه، فإذا روي عن بعض السلف فيه قولا، علم أنه قاله توقيفا" اهـ. إبطال التأويلات (صـ ٢٤٩) وبهذا نعلم أن كان يسعى لتحري مذهب السلف. بل قد أثبت رحمه الله من الصفات ما يخاف بعض أهل السنة من إثباته مع أن السلف قد قالوا بها، حتى أن الأشاعرة قديماً وحديثاً يسبون القاضي ويتهمونه بالتجسيم لقوته في الإثبات. وقد افترى عليه خصومه كثيرا، من ذلك قول القاضي ابن العربي المالكي: "وأخبرني من أثق به من مشيختي أن أبا يعلى محمد بن الحسين الفراء، رئيس الحنابلة ببغداد، كان…
فأخذوا - المتكلمون - الجوابَ الذي كتبه - يعني الحموية - وعملوا عليه أوراقًا في ردِّه، ثم سَعَوا السَّعيَ الشديدَ إلى القضاة والفقهاء واحدًا واحدًا وأَغْرَوا به خواطرَهم وحَرَّفوا الكلامَ، وكذبوا الكذب الفاحش، وجعلوه يقول بالتجسيم ــ وحاشاه من ذلك ــ وأنَّه قد أوعز ذلك المذهب إلى أصحابه، وأنَّ العوامَّ قد فسدت عقائدُهم بذلك، ولم يقع من ذلك شيء والعياذ بالله! وسَعَوا في ذلك سعيًا شديدًا، في أيامٍ كثيرة المطر والوَحْل والبرد . فوافقهم جلالُ الدّين الحنفيُّ ــ قاضي الحنفية يومئذٍ ــ على ذلك، ومشى معهم إلى دار الحديث الأشرفيَّة، وطلب حضورَه، وأرسل إليه، فلم يحضر. وأرسل إليه في الجواب: إنَّ العقائد ليس أمرُها إليك، وإن السلطان إنّما ولَاّك لتحكمَ بين الناس، وإن إنكار المنكرات ليس ممَّا يختصُّ به القاضي. فوصلت إليه هذه الرسالة، فأوْغَروا خاطرَه، وشوَّشوا قلبَه، وقالوا: لم يحضر، وردَّ عليك فأمرَ بالنِّداء على بطلان عقيدته في البلدة، فأجيب إلى ذلك، فنودي في بعض البلد . ا.هلاحظ أن سادة المعقول والمنقول - كما يصفون أنفسهم - حين لم يستطيعوا نقض ما في هذه الرسالة لجأوا إلى اسأليب التخويف وذلك لمعرفتهم بضعفهم العلمي وعجزهم أمام ابن تيمية حتى أنه قال لهم :
أنا أمهل من يخالفني ثلاث سنين إن جاء بحرف واحد عن أحد من أئمة القرون الثلاثة يخالف ما قلته فأنا أقر بذلك . ا.هفلم يستطيعوا وهذه الرسالة العظيمة انتصر فيها ابن تيمية لمذهب السلف ونقض أصول المتكلمين ولها شأن كبير عند علماء الحنابلة فمثلا عندما ذكرها الإمام ابن عبد الهادي الحنبلي في كتابه العقود الدرية قال:
وتكلَّم الشيخُ فيها على آيات الصفات والأحاديث الواردة في ذلك، وقال في مقدَّمتها ــ وهي عظيمة جدًّا ـ.وذكر إبراهيم الكوراني أن الرسالة الحموية هي المعتمد في عقيدة الحنابلة في زمنه فقال :
ولقد أطلعني بعض أصحابنا بالقاهرة على رسالة للشيخ ابن تيمية وهي معتمدة عند الحنابلة، فطالعتها كلها . - الرحلة العياشية إلى البقاع الحجازيةفهنا يذكر الكوراني أن من العقائد المعتمدة عند الحنابلة في ذلك الزمن كتاب الحموية لشيخ الإسلام لا على ما يزعم مفوضة الحنابلة الجدد من أن الحنابلة خالفوا ابن تيمية ولم يعتقدوا عقيدته بل حتى علماء الحنابلة المتأخرين المعروفين بالمذهب كالبهوتي والكرمي عظموا الحموية أيما تعظيم قال الشيخ البهوتي رحمه الله :
كتب - ابن تيمية - جوابًا سئل عنه من حماة جاءه في الصفات فذكر فيه مذهب السلف، ورجحه على مذهب المتكلمين فكان من أمره ما كان وأيده الله عليهم بنصره، وقد ألف العلماء في فضائله ومناقبه قديمًا وحديثًا - كشاف القناعوقال الشيخ مرعي الكرمي :
قَالَ - ابن تيمية - والمنحرفون عَن طَريقَة السّلف ثَلَاث طوائف أهل التخييل وَأهل التَّأْوِيل وَأهل التجهيل ( المفوضة ) .... فنقل نقولا ثم قال : وَأطَال ابْن تَيْمِية الْكَلَام على ذَلِك وعَلى تأييد مَذْهَب السّلف فِي عدَّة كراريس - أقاويل الثقاتونقل السفاريني الحنبلي في لوامع الأنوار ذم ابن تيمية لأهل التجهيل فقال :
(وأهلُ التجهيل) هم الذين يقولون: إِن الرسول لم يعرف معاني ما أنزل عليه من آيات الصفات.فإذا كانت عمدة متأخري الحنابلة الفتيا الحموية التي سمى فيها شيخ الإسلام المفوضة بأهل التجهيل وينقلون كلامه مقرين به فماذا بقي للحنابلة الجدد قطع الله هذه النابتة الأشعرية التي تريد إفساد عقيدة الحنابلة هذا والحمدلله رب العالمين