أنـهـيـار _𝙲𝙾𝙻𝙻𝙰𝙿𝚂𝙴

‏عندما تتضاءل أحلام الإنسان ، تتضاءل إلى درجة أن يكون حلمه الوحيد هو أن ينام ، يكون الوجع قد مس روحه

أحبُّ الليل، أحبّ أن يكون بإمكاني الحديث دون صفة. الاستلقاء في العتمة كما لو أنني قطعة من السرير وإن أصدرت صريرًا. غياب الضوء يعني ألا أضطر للاختباء، ألا تخذلني ملامحي عندما تكون حائرة، وألا تتداخل الرغبات في بعضها. أحبُّ ألّا أرى الطريق حين أسير، أن أسمع البحر صاخبًا، أن أراه أسودَ، ألا يكتم حزنه. القلوب تتآلف في الليل أكثر لأن العوائق لا تطرقها العيون. الأحبة يندفعون ليلًا لأن الدموع لا تُرى. أحبُّ الليل ولا أفهم نواياه، لأنه دون نوايا. أحبّه لأنه يترك للمرء قراره، بإمكانه أن يختفي أو يتوهج، بإمكانه أن يسطع أو ينمحي، بإمكانه ألا يرى نفسه، أن يقف أمام المرآة ويسألها أين أنا؟ بإمكانه إن أراد أن يختبر هشاشته ولا يشعر أحد. الليل قد لا يكون أسودَ، لكنه لن يكون رماديًّا. قد يكون متطرّفًا أو فراغًا، لكنه لن يكون محايدًا. الليل ذواتنا المرهقة، فراغات من الماضي. نكون فيه بعمر العقل لا الأقدام والملامح، باندفاع القلب، بانهمار العاطفة، بأسئلتنا الكبيرة. في الليل نكون نحن بنقصنا، لا نكون ما نريد. لأن ما نريده ليس نحن. نحن حصيلة الأشياء التي لم نردها. أحبُّ الليل لأنه يستمع مني الطريق التي أحفظها نهارًا، يختبر ذاكرتي، ويستدعي بصيرتي. لو لم يكن الليل لما عرفتُ أبدًا أن لأقدامي وقعًا يمكن سماعه، وأن لعيني بريقًا لا يخفت إذا انطفأت.. ولأنه صريح في سواده إذا كان أسودَ، وقاسيًا في ابتعاده إذا اختار الغياب.. أحبُّ الليل لأنه واضح كالعدم.

أفيض بكثافة مع من يشبهني لكنني أتعمّد الجفاف في كل مكان لا يلائمني

لقد خرجت من هذا العام، بدرسٍ مفاده أنّك لو قدّمت أصابعكَ العشرة محروقةً لمن لا يقدّر، لن يقدّر. بينما في زاويةٍ ما ..أنت تضيء الدنيا بأكملها لأحدهم بلمعة عينيك

الرحلة صارت فردية تمامًا لا قلب حنون ولا كتف صديق ولا أي شيء

ماذا تفعل كل ليلة؟ -أنجو مني.

‏"الصمت أفضل من النقاش مع شخص تُدرك جيدًا إنه سيتخذ من الإختلاف معك حربًا لا محاولة فهم

لم أعرف أكثر نبلًا وشهامة من ذلك الذي يبتعد عنك لحمايتك، يغادرك لأنه يؤذيك، يضع الحواجز التي لا يتقبلها لكي تمنعه من معانقتك. يفعل ما لا يحب لكي لا يفعل شيئًا يحبه. كم هو صعب معرفة أنك مؤذٍ لشخص لا تريده أن يتأذى من الحياة. فكيف أن تكون أنت مصدر أذيته؟ لقد كنت تُفكر بألا تجرح خديه نسمة، لكنك أدركت بأنك كنت تفعل ذلك بمخالبك. تخاف ألا يكون ذلك مجديًا؟ أنت على حق، فهناك من يؤذيك ولا تدرك بأنه يؤذيك، ولا يعرف بأنه يؤذيك. تنظر له ببلاهة وهو يمعن في أذيتك، تتبعه وأنت وهو لا تعرفان إلى أين تتجهان، لكنكما تستمرّان، تستمتعان برفقتكما، ووجودكما معًا كالمطرقة والسندان. لكن من يعرف بأنه يؤذيك أدرك حجم محبته الصادقة التي كان يجهلها. وربما قد يكون تواجده لم يعد خطرًا وهو يسعى لعدم إيذائك. وربما يصبح وديعًا في منزل آخر وحياة أخرى، بعد أن تقيأ جروحك، وسدت شهيته للنزاع ندوبك. لست أبدًا ممن تأذوا، ولست ممن يجهلون أنهم يسببون الأذى بمحبتهم. أعرف هذا جيّدًا، وكم تمنيت المغادرة لإيقاف الأذى. كم تمنّيت أن أكون هامشًا في القصص بدلًا عن أدوار البطولة بعيدًا عن احتمالات الخير والشر. إنني مؤذٍ، قد لا يعرف أحد هذا، لكن لا أحد أيضًا يعرف كم أردت أن أغادر منّي لكي أحميني..

أعلم بأنني انطفأت، وهذا أمر محزن بالنسبة لي لكنني أعلم أيضاً بأن ثمة شرارة صغيرة لا تزال تلهو بداخلي مثل فراشة في غابة حالكة، شرارة ولدت معي منذ البدء ولن تنطفىء إلا بموتي، شرارة تكفي لاشتعال جديد و لحريق محتمل.

كأي صعيدي، لا أستطيع قول: أحبك. وكلما قررت القفز علی التقاليد ﻷقولها، خرجت: كيف حالك؟ فاعذريني ﻷنني "كيف حالك جدا" سيد العديسي