عيناكِ غابَتا نخيل .

أَرِقتُ وَلَم أَملِك لِهَذا الهَوى رَدّا وَأَورَثَني حُبّي وَكِتمانُهُ جَهدا كَتَمتُ الهَوى حَتّى بَراني وَشَفَّني وَعَزَّيتُ قَلباً لا صَبوراً وَلا جَلدا إِذا قُلتُ لا تَهلِك أَسىً وَصَبابَةً عَصاني وَإِن عاتَبتُهُ زِدتُهُ جِدّا وَإِنّي لَأَهواها وَأَصرِفُ جاهِداً حِذارَ عُيونِ الناسِ عَن بَيتِها عَمدا رَأَيتُكِ يَوماً فَاِقتَبَستُ حَرارَةً فَيا لَيتَها كانَت عَلى كَبِدي بَردا هَويتُكِ وَاِستَحلَتكِ نَفسي فَأَقبِلي وَلا تَجعَلي تَقريبَنا مِنكُمُ بُعدا

تقولُ صديقتي المقربة دوماً أني أتصرف معها كالأمهات ، فأنا أحمل في حقيبتي أشياءً لا تحملها عادة غير الأمهات ، أعبر عن حبي لها ولأي شخص ، بشيء أطهوه على مهل أو شطيرة أعدها على عجل ، وعن خوفي بالعتاب أو ربما الغضب ، وعن حزني بالصمت وهذا أكثر ما أكره ، ربما ظننتها يوماً أموراً جيدة أخذتها من أمي ، لكنني خفت دوماً أن أصبح يوماً نسخة منها عندما أكبر وربما كان ذلك قدري المحتوم ، وددت ألا أصمت حين أبتلع حروفي على مضض وددت أن أعبر عن حزني بالحديث المستدب عن اسبابه ، وعن خوفي بالخوف ، كنت أكره كيف أنها كانت تخبئ الأطباق والأواني الجميلة للضيوف والستائر المميزة للعيد ، وددت أن ترانا أهم من الناس ، لكنني اليوم أقدم أفضل الأعذار للآخرين وأعجز عن العفو لنفسي ، أسامحُ الأذى وأعجز عن مسامحة نفسي ، أقدم كل الحب الذي أحمل في أفضل أطباقي وأرتوي من گؤوسٍ مخرمة ، كرهتُ يوماً بعض ما تفعلهُ أمي فوجدتني اليوم أفعل الأمر ذاته …

رأيت الدروب التي حفظتها وهي تنطوي على نفسها مثل إوراق خريفية حين تدهس ، رأيت الألوان وهي تبدل ألوانها وتأتيني شاخصة ولا أعرفها ، وأنكرها ويزدريها قلبي ، شاهدت الأولاد حين كانت حفر الطرق تبتلعهم وتزجهم حتى الغرق ، شاهدت الأجنة لما انثالث من عيون الحوامل ، وسقطت في ملكوت الله تلتف الأرض بكل أشرطتها حول رأسي ، وأغرق في كل المحيطات حتى الغرق ، الرأس يدور مثل مروحة والدنيا ساكنة مثل موج الشطآن ، تدور الليالي برأسي ورأسي يدور ، غزت الأحجار رأسي حتى أغرق أكثر في ماءِ الغرق ، فاض الماء من مقلتي حتى خلفتُ آلاف اليتامى الخائفين ، الحزينين والقيتهم فوق الطرق حتى يعيشوا ، امسك السكين لما انشهرت بوجهي وانغرزت في مقلتي ، أمسك السيف عن نحري ، ثم الإله يطوف برأسي فوق خلقهِ الأول ، ويعلن أنتصاره على دمي ، حتى توشت كل تلك المحيطات بذلك الدم ، وتوشحت جميع الأشجار حداداً على ذهابي ، خاصمت الله ولكنهُ كان يعرف أكثر مني ما كان علي أن اتلقاه ، صمتُّ ليوم وشهر وعامين وقرون ، وقلت القضاء ما قضيت ، والموت إن رضيت ..

وعند مغيب الشمس تعود لبيتي الأنين وتبكي الوردود وتبكي الورود على الشرفاتِ وأوهم قلبي بأنك آتِ وراعٍ حزين بين التلال بنايه مني .. أسعد حال فطال انتظاري وحزني وناري متى ستعود ؟

يا حبيبي كل ما في الصمتِ نادى يا حبيبي ومضى الموج وعاد وأنا في موجِ عينيك شراع يتهادى يا حبيبي سقط الليل عليّ وتمادى كاد أن يجعلني الليل سوادا

فأنا بنتُ ستين حزناً ونهراً من دموع الثكالى وأنا بنتُ السنابلِ تغفو على الشمسِ وأرضٍ ترتاعُ من الأمس يغطي جبينيِ ترابُ الحقولِيطوي المنجلُ يأسي بنتُ نهرٍ من - الموت- ولدت من رحمهِ كل الحياة وأجهضت تحت ساقيهِ ما تبقى لي من أمنيات ترى بعيني كل كحلٍ طوته المقل وأحملُ صبراً على الدهرِ لا ينتهي فيهِ الأمل وبينَ ذراعي لهفةُ أمٍ أعانقُ طيفَ الحياةِ إن وصل وفي جدائلي أمسدُ كل الدروبِ ومن حط وما ارتحل فأنا بنت فراتين نهرٌ منه للنخلِ ونهرٌ منهُ للغزل فذق في شفتايِ كل تمرٍ وارتوي من حزني ففي دموعي كل هورٍ

"أردنا أياماً تعبرُ الحياة ببعض اللياقة، بقليل من المعنى، أياماً مقبولة، لا كشيء وُجِدَ ليهدر، بل كشيءٍ يبقى في الذاكرة، شيءٌ نلكز به الموت في أحشائه" تشارلز بوكوفسكي

وأن القبيلة أوجعها أن بنتاً تحب رويدكِ توبي ورائك عرض وقبر وربُّ أنا عورة تتمشى على قدمين ويوجعهم أن لي شفتين وأنفاً فماً وجبيناً وعينين ويوجعهم أنني امرأةٌ كلما طعنو ظهرها أنجبت مخلبين

تحدثني اليوم عن النافذة التي قرأت فيها أولى قصائدي لك ، وأحدثك عن نهاري الذي سوفتُ فيه كل ما كان علي فعله ، ولا زلت جاثمة كم أكره المواعيد وما توجب علي أن أفعل