سُـرُورٌ،

كنتُ أظنُّ الإنجليزيّة عاجزةً عن إيجاد معان بليغة تصفُ الحال بكلام عذبٍ يرقّ له الحشا، لكنّي وجدت جملةً تقول: "I had cried my eyes out!" وهي تعني: لفَظتُ عينيَّ دمعًا! فذُهلت، وانهزمتُ لجمالِ رقّة الإنسان وحلوِ هشاشته، وازددتُ أُنسًا بحقيقة الرّحمة المودَعة في خلقِه، وأنَّه ولو اختلفت حروفه ما اختلف بيانُه، وأنَّ ضعفَه ولاعِجَ وجدِه إذا اشتدّ عليه وأضرمَ نيرانه في صدره ولو كان أبكمَ من حولٍ وقولٍ لاستنطقَ الحجَر الأصمّ. خَلقٌ من رِقّته إذا هبّت عليه هبّتا ريحٍ لزِمته الحمّى، وإذا عطش جفّ كعِرق ياسَمينة! خَلقٌ إذا احتاج تعنّى، وإذا اشتاقَ ذوى، وإذا أحبَّ شبِع، وإذا فُجع مات!

يقول سيدي الآلوسي: والدالُّ على فضلِ العلم والعلماء أكثرُ من أن يحصى، وأرجى حديث عندي في فضلِهم: ما رواه الإمام أبو حنيفة في مسنده عن ابن مسعودٍ قال: رسول اللّٰه ﷺ: "يجمع اللّٰه العلماءَ يوم القيامة فيقول: إنِّي لم أجعل حكمَتي في قلوبكم إلا وأنا أريدُ بكم الخيرَ، اذهبوا إلى الجنَّة فقد غفرتُ لكم على ما كان منكم!"

يقول سيدي الآلوسي: "والدالُّ على فضل العلم والعُلماء أكثرمن أن يحصى ، وأرجى حديث عندي في فضلهم ما رواه الإمام أبو حنيفة في مسنده عن ابن مسعود قال : رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يجمع الله العلماء يوم القيامة فيقول : إني لم أجعل حكمتي في قلوبكم إلا وأنا أريد بكم الخير اذهبوا إلى الجنة فقد غفرت لكم على ما كان منكم "

يا ربِّ إنّهم يستغيثون برحمتِك، يصرّفون الهلَع الذي يكوي أمنهم برحمتِك، ويتحايلون على الصَّبر المُدنف برحمتِك، ويتجرّعون المُرَّ بكؤوس الرَّجاء برحمتِك، ويتداوَون بذكرها إذ لا دواء لهم مما هم فيه سوى اسمك وصفتك! يا ربِّ ورحمتُك أضوأُ ما في حياة المرء في حوالِك لياليه وظُلمة وجعه، ياربِّ وأخافُ أن تنفلت نفوس العباد من بين جنوبهم في بهيم الألم فتظنَّ بك غير ما يليق بجلالِك فيفقدوك! اللَّهم ربّي حبيبَ المؤمنين يا ربِّي، هذه رحمتُك يا ربِّي! هذه رحمتك التي لا أريد لعبدٍ لولاها ما تنفّّس ذرّة الهواء أن يُنكرها وقد ذُقت بردها وعرفتُ أنّها إنّما بها تدور رحى الدنيا وهي الأحبّ إليّ من كلّ شيءٍ في الدُّنيا! يا ربِّ وإنّي لأستحيي أن أذكر رحمتَك -التي لا تُنسى- بين يديك، لكنَّه الرَّجاء وطولُ البلاء وأصواتُ البكاء يا ربِّ! «بالأمسِ احترقت خِيام النَّازحين!»

"فوقَع في قلبه حبُّ رسُول اللّٰه ﷺ وحبُّ الإيمان، وجعلَت نفسُه تتوقُ إلى الإسلام!" "وهذا ما بيدي فخُذه!" تجرُّد برَّاق من أيّ تعلُّق، وأنَّ حبَّه صلى اللّٰه عليه وسلَّم إذا نزل بقلبٍ فلا يعدِله شيء. ومن ظفِر بوجه النَّبي ما الذي قد فاته؟ بكلِّ جلال وحُسن: ماذا أبقيتَ لنفسك؟ اللّٰه ورسوله. اللّٰه أكبر! بسم اللّٰه ربِّ الجمال! ♥️ اللّٰهم إنّا نحبُّ رسول اللّٰه ونحبُّ ذا البِجادين.

قال محمد بن كعب القُرَظِيّ: إن عبد الله ذا البِجَادَيْنِ كان امْرَأً من مُزَينة, فوقع في قلبهِ حبُّ رسولِ اللّٰه ﷺ وحب الإيمان، وكان يتلقى الصحابة المهاجرين للمدينة ويتعلم منهم القرآن, ويماشيهم على قدميه يتعلم منهم عدة كيلوات, ثم يتلقى الذين بعدهم, وأسلم وأخفى إسلامه, وكان يحب أن يسلم عمه الذي كفله وأنعم عليه, حيث إنه نشأ يتيمًا لا مالَ له، ماتَ أبوه ولم يُورّثه، وكان عمُّه مَيِّلًا، فأخذه وكفلَهُ حتى أَيْسَر، فكانت له إِبلٌ وغنمٌ ورقيقٌ، فلما قَدِم رسولُ اللّٰه ﷺ، المدينةَ جعلت نَفْسُه تَتوق إلى الإسلام، ولا يقدر عليه مِنْ عَمِّه، حتى مضت السنُون والمشَاهِدُ، فقال عبد اللّٰه لعمّه: "يَا عَمِّ! إِني قد انتظرتُ إسْلاَمَك, فلا أراك تُرِيدُ محمدًا، فَأْذَنْ لِي في الإسلام", فقال: "واللّٰه لئن اتبعتَ محمدًا لاَ أَتركُ بيدك شيئًا كنتُ أعطيتكه إلاَّ نَزَعتهُ منك حتى ثَوْبيك", فقال عَبدُ العُزَّى -وهو يومئذ اسمه-: "فَأَنَا واللّٰه مُتّبعٌ محمدًا ومُسلِمٌ وتارِكٌ عبادةَ الحَجَر والوَثَن، وهذا ما بِيَدِي فَخُذْه", فأخذ كُلَّ ما أعطاه، حتى جَرَّدة من إزاره، فأتى أُمَّهُ فقطعت بجادًا لها باثنين، فَأْتَزَر بواحدٍ وارتَدَى الآخَر, ثم أقبل إلى المدينة وكان بِوَرِقَان، فاضطجع في المسجد في السَّحَر، ثم صلّى رسول اللّٰه ﷺ الصبح، وكان رسول اللّٰه ﷺ يَتَصَفَّح الناسَ إذا انصرفَ من الصبح، فنظر إليه فأنكره، فقال: "مَنْ أنت؟", فانتسب له، وكان اسمه عبد العُزّى، فقال: "أنت عَبْدُ اللّٰه ذو البِجَادَيْن", ثم قال: "انزل منِّي قريبًا"، فكان يكون في أَضيافه ويعلِّمهُ القرآن، حتى قرأ قرآنًا كثيرًا".

ماما جابتلي شاي بنعنَع. 🌱

وجدتُ شيئًا مُذهلًا! ما زلتُ تحت سحرِ جمالِه ورقّته ولا أظنُّني أنساه سريعًا. ")💖 اليوم كنت أدرس في المكتبة منذ الصّباح، مع نفسي غارقةٌ بما بين يدي، جاءتني فتاة وطلبت ورقة، مع أن المكان مليء بالبنات، وأنا كنت في زاوية المكان أبعد ما أكون عن الكل لكنّها لسببٍ فضّلت سؤالي أنا. بعدها بقليل نظرت إليّ إحداهنّ وطلبت منديلًا، ثمّ بعدها أخرى وطلبت قلَمًا. شّدني التفاتُهنّ إليّ دون سواي، وتساءلت ماذا قد يكون السّبب؟ عدتُ إلى ما كنت فيه، فقطع استغراقي طلبٌ رابعٌ من فتاة تريدُ المغادرة وهاتفها على الشاحن وطلبت أن أُبقيَه عندي. طمأنتُها وشكرتني وذهبت. نظرتُ إليّ وإليهنّ، لا جامع بيننا، لا استرواحٌ إلى تخصّص دراسي، ولا ميلٌ للذّوق في اللباس، ولا حتى انجِذابٌ للملامح إذ لسنَ يرين وجهي وأنا الوحيدةُ بينهن المنتقبة. سألتُني: ألا يدّعون أنّ إخفاءَ المرأة وجهَها يزيدُ الوجلَ منها ويُبعد النّاس عنها؟ أين هذا مما عشتُه الآن؟ ألم يجعلوا المنتقبة آيةَ الرُّعب والغِلظة؟ أين هذا من ارتكانهنّ إلي؟ ما الذي ودعَ في قلوبهنّ إليّ الثّقة والطُّمأنينة؟ ما الذي عندي آتاهنّ الظنَّ بي أنِّي لا أردهنّ فجعلنَني أوَّل مُستعان بها؟ ولست أرى عليّ فرقًا عنهن إلا نقابي. فعلمتُ أنَّي ليس لي من الأمر شيء، وإنَّما هي الهيئةُ المُسبَغة عليّ. هيئتي التي هي آيةٌ عليه سبحانه وبحمدِه ورحمته، وتشهد عليّ أنّي أشهدُ به ربًّا، وأنه حرّم خيانة الأمانة وكره ردّ السائل. فليست ثقتُهنّ بي أنا إنَّما باللّٰه ودينِه، ولم يقصدنني أنا إنَّما قصدنه هو سبحانه وبحمده لما رأين عليّ ما رأين من شهادتي به. فاستيقنتُ حينها أنّ الظَّاهر دليلُ ما بطن، وأنَّ الإنسانَ يُدلي مظهرُه بسرّ دواخله. فلا يُقبل -بالفِطرة والمعقول عند هؤلاء البنات المؤنسات- أن منتقبةً ذاتَ سمتٍ يدلُّ على اللّٰه قد تفعل ما لا يرضاه وهي التي تركت ما تحبُّ بفِطرتها ليرضى! كيف يُقبل؟

نظيف النفس كلما علمه الله شيئًا في دينه أو دنياه؛ تمنى أن يُعَلِّمه من عرف من الصالحين جميعًا، لا أن يستأثر به وحده ليَنْمَاز عنهم، فأما صالحات الأعمال يقيمه الله فيها؛ فيتعشق للناس أجمعين أن يقيمهم الله في خيرٍ منها أبدًا؛ ذلك بأنه يحب الله، فيحب لمحبوبات الله أن تملأ أرض الله، إنه لعبدٌ نظيفٌ؛ فأيُّكم! حمزة أبو زهرة.

يتجلَّى للمرءِ جمالُ هذا الدَّين وكمالُه في كلِّ مظاهر وجوده وبديع أساليب حفظ أصوله وفروعه وأسرار دقائقه، ولا عجب إذا كان اللَّه ﷻ بنفسِه حافظَه القائمَ بذاته على تمكينه، المهيِّئَ له الأسبابَ السَّماوية والأرضية. وبكلِّ بهاء ونورٍ يبدو للنَّاظر إلى تاريخ هذا الدِّين حُسنُ العناية وجلالُ الوقاية اللذان يدلِّلان على أنّ هذا الدينَ إنَّما هو إلهيٌّ بحقّ، ويعلمُ اللَّهُ، وحده يعلم كم نسمةً فنِيت فيه، وكم يدًا رجفت فيه، وكم عينًا سهرت فيه، وكم عمامةً لُفت تعصبُ العلم في نواصي ذوي الألبابِ الذين صدقوا اللَّه عهدَه ووعده، -رحمهم اللَّه أجمعين، وروَّى تُرابهم بماء الرِّضى والقبول وألحقنا بهم على التّوحيد الخالص والعمل المُخلص-.