الصفحة الرسمية للشيخ أبي بصير الطرطوسي

الماضِي مِنه مَا يَنبغِي نسيَانُه، ومنه ما يَنبَغِي تَذَكُّرُه؛ مِن أجْلِ استئنَافِ مُسْتَقبَلٍ أفضَل. تذَكُّرُ كُلِّ شَيءٍ، يُفسِدُ كُلَّ شيء؛ لِذا فالنسْيَانُ من هذا الوَجْهِ نعمةٌ يمنُّ اللهُ بها على عِبادِه. مَن جعَلَ من نفسِه أسِيراً لآلَامِ الماضِي، أفْسَدَ حاضِرَهُ، ومُستَقبلَهُ.

[ اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي ]طه:31. كلمَا عَظُمَت المهامُّ والغايَاتُ اشتَدَّت الحاجَةُ إلى الإخوانِ الذين تَتقوَّى بهم على تلك المهَامِّ والغَايَاتِ .. وكان العمَلُ الجمَاعِي المنظَّم ضَرُورَةً ملحَّةً .. فيدُ اللهِ مع الجماعَةِ، والشَّيطانُ معَ مَن فارَقَ الجماعَةِ .. والجماعَةُ رحمةٌ، والفِرقَةُ عذَاب.

قَد يَفرُّونَ من الدِّينِ، والأَدْيَانِ، لَكِن لَا يَستطيعُونَ أن يَتَخَلَّصُوا مِن حَاجَتِهم إلى مَعْبُودٍ، فمَن يَأبَى أن يَعبُدَ اللهَ رَبّ العَالَمِين، لَا شَكَّ أنَّه سيَعبُدُ الشَّيطَانَ الرَّجِيم!

[ قُمْ فَأَنذِرْ ]المدّثر:2. لَا يَكفي أن تَعتكفَ في المسَاجِدِ، والزَّوايَا، وأن تَعْكِفَ على تربيةِ نفْسِك .. أو أن تَعتزلَ، وتَعيشَ الإسَلامَ لنَفْسِك وحَسْب .. إذْ لَا بُدَّ لك معَ ذلك مِن قِيامٍ، وحرَكَةٍ، وجِهَادٍ، ودَعْوَةٍ؛ تَدعُو إلى اللهِ تَعالى، وتُبلِّغُ رسَالةَ الإسْلامِ كامِلةً إلى الآخَرين؛ فتُبشِّر المؤمنين .. وتُنْذِر الكافرِين بالوعِيدِ الألِيم!

الذي يُغِيظُهم مِن الإسْلامِ؛ أنَّهُ ـ مَهما حِيكَ ضِدّه ـ يَزِيدُ ولَا يَنْقُص!

كُلُّ الأَدْيَانِ ـ بحكْمِ مخَالفَتِها للفِطْرَةِ والعَقْلِ ـ إلى نُقصَانٍ، وأفُولٍ، إلَّا الإسْلامُ ـ رغمَ مَكْر اللَّيلِ والنَّهارِ الذي يَحَاكُ ضِدَّه ـ فإنَّهُ إلى زِيادَةٍ، والنَّاسُ يَدخُلُون فِيه أفْوَاجَاً!

التَّشْكِيكُ والطَّعْنُ بالصَّحَابَةٍ، مُقَدِّمَةٌ للتشْكِيكِ والطَّعْنِ بالسُّنَّةِ، والتَّشْكِيكُ والطَّعنُ بالسُّنَّةِ مَقدِّمَةٌ للتشْكِيكِ والطَّعنِ بالقُرآنِ الكَرِيم، والتَّشكِيكُ والطَّعنُ بالقُرآنِ الكَرِيمِ، مُقَدِّمةٌ للتشكِيكِ بالخَالِقِ سُبحَانَه، وأنه المعْبُودِ بحَقٍّ في الوجُودِ!

من رفع مقام أحد من الناس ـ مهما علا مقامه، وسمت درجته ـ فوق مقام الأنبياء والرسل، لا شك بكفره، وزندقته، وكفر من يقول بقوله، ويعتقد عقيدته ...!

[ لَن نُّؤْمِنَ لَكُمْ قَدْ نَبَّأَنَا اللّهُ مِنْ أَخْبَارِكُمْ ]التوبة:94. مَا مِن كَيْدٍ يَكيدُونَه على الإسْلامِ والمسلمِين، ولَا مَكْرٍ يَمكرُونَه .. ولا شَرٍّ يُضْمِرُونَه .. إلَّا ولَنَا فِيه مِن اللهِ تَعَالى نَبَأ، وعِلْمٌ، وخَبرٌ .. قَد أطلَعَنَا اللهُ تعالى في كتابِه العَزيز على جميعِ أحوالِهم، وأخبَارِهم، ومَا يُضْمِرُون .. ولو حَاوَلوا أن يُظهِرُوا خِلافَ مَا يَكِيدُون، ويمكرُون، [ لَن نُّؤْمِنَ لَكُمْ ]؛ لَن نُصَدِّقَكُم.

قَالُوا:" القَافِلَةُ تَسِير، والكِلابُ تَنْبَح "، ولم يَقُولُوا: قَافِلَةُ البَاطِلِ تَسِير، ومَعَهَا كِلابٌ تَنْبَح!