طَاقَةٌ بِالمُوجَب

اعلَمْ -يا صديقِي- أنَّ الهمَّ لا يدومُ، وأنَّ الفرج َمِنَ اللهِ وحدَهُ، ومَا سوَاهُ مُجَرَّدُ أسبابٍ، وأنّهُ كلّما طالَ الهمُّ؛ تضاعفَ الأجرُ. الدُّنيَا ثلاثةُ أيامٍ: يومٌ عشناهُ ولنْ يعودَ، واليومُ الّذي نحنُ فيهِ سينتهِي ولنْ يدومَ، والغدُ لا ندري أينَ سنكونُ؛ فاتركِ الماضِيَ خلفَكَ، وعِشْ سعيدًا راضيًا في يومِكَ، واعملْ لآخرتكَ تنجُ، واعلمْ أنّ النّجاةَ الحقيقيةَ هيَ النجاةُ مِنَ النارِ، والفوزَ الحقيقيَّ هوَ الفوزُ بالجنةِ؛ فهوّنْ علىٰ نفسكَ فمَا هيَ إلا دُنيَا وملتقانَا الحقيقيّ في الجنةِ. تذكرْ قولَ سيدنا عليّ بن أبي طالب كرم الله وجهه: "هوِّن الأمرَ؛ تعِشْ في راحةٍ كلُّ ما هوَّنت إِلّا سَيهونُ ليس أمرُ المرءِ سهلًا كُلَّه إنّما المرءُ سَهولٌ وحزونُ تطلبُ الراحةَ في دارِ العَنَا خابَ من يطلبُ شيئًا لا يكونُ".

استمراريةُ السّعي لا تضمنُ حتميةَ الوصولِ، لكنها تضمن راحةَ الضَّميرِ؛ فلا تتوقف عن السعي مهما حدث، جاهد وَاسعَ لهدفكَ في الحياة بكل جديَّةٍ حتى لو كانت خطواتك بطيئةً وَصعبة، وَلا تُبالِ للنتيجة، أنت مسؤولٌ فقط عن السعي لا النتيجة، فالنتيجةُ اختصّ بها ربُّ الخيرِ، ربُّ الخير الذي لا يأتي إلا بالخيرِ، وَطالما أنك تسعى وَتحاولُ الوصولَ؛ ستصِل وَسيكرمك الله، ويفتح لك كلَ الطُّرق، حتى تلك التي لم تتوقعها يومًا.

حينما تَسعىٰ لِدخول الجَنَّة؛ سَترفُضُ الكَثِيرَ، والكَثِيرَ مِن الفُرصِ والأشخَاصِ فِي هَذهِ الحَياة، وسَتُخالِف هَواك، وسَتُجاهِد نَفسك، ستتركُ لِله الكَثير مِن الأشياء عُرِضت عليكَ بالحرام.. وسَتبتَعد عَنها ليسَ لِزُهدِكَ فِيها، واستِغنَائكَ عَنها، وإنَّما لِيقينكَ بأنَّ هُنَالِكَ جَنّة تَستَحق كُلّ هَذهِ التَنازُلات.. تستحق أن تتركَ الحَرام لأجلِها.. "ألا إنَّ سُلعةَ اللهِ غاليةٌ ألا إنَّ سُلعةَ اللهِ الجَنَّةُ". وطَمئِن قَلبَكَ بِحدِيثِ نَبيّنا مُحمد ﷺ: "إنَّكَ لَن تدَع شيئًا للهِ عزَّ وجلَّ إلا بدَّلك اللهُ بهِ ما هو خَيرٌ لكَ مِنه". سَيعوضكَ اللهُ، وستفرح مِن أعماقِ قلبكَ، وكأنَّكَ لمَ تحزن قط. - مَجْد طَلافحه.

من حينٍ إلى آخر نحتاجُ أن نذكِّرَ أنفسَنا بمحدوديَّة قدراتِنا، وبحقيقة بشريَّتِنا. نحتاجُ أن نتخلَّى عن الإصرارِ في جعلِ كلِّ شيءٍ مثالي لا تشوبُه شائبةٌ، وأن نعرفَ كيف نتقبَّل الأمورَ على عِلَّاتِها. علينا أن نؤمنَ أنَّ مساحاتِ التخييرِ لنا كعبادٍ لن تتعدَّى -مهما حاولنا- القدرَ المكتوبَ من قبل أن نكونَ نحنُ، وأنَّ لكلِّ منَّا نصيبَه من الآلامِ والعثراتِ والخيباتِ والعبراتِ التي لا بُدَّ من أن يلقاها وتلقاه، وأنَّ السعيدَ فينا الذي يُسلِّم طواعيةً ويترك الأمورَ تسيرُ كما أرادَ لها اللهُ مُدرِكًا أنَّ مقاومةَ المحتومِ تزيدُ قسوتَه ولا تمنعُ وقوعَه. وعلى اللهِ قصدُ السبيلِ. - سمر إسماعيل.

﴿وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ﴾. كُلُّ دَقِيقَةٍ تَمُرُّ عَلَيْكَ إِمَّا أَنْ تَكُونَ شَاهِدَةً لَكَ وإِمَّا عَلَيْكَ؛ فَلَا تَظُنَّ أَنَّكَ تَعِيشُ عَبَثًا، وَتَذَكَّرْ أَنَّ اللّٰهَ تَعَالىٰ قَدْ خَلَقَكَ لِغَايةٍ، وأنَّ هَذِهِ الدُّنيَا لَيْسَت سِوَىٰ جِسرِ عُبورٍ إِلىٰ الآخِرَةِ؛ فَإمَّا إلىٰ نَعيمٍ لا تَنْغيصَ فيهِ أو إلىٰ عَذَابٍ لَا رَاحَةَ فيهِ.

يومًا ما ستُشرقُ شمسُ الحُلمِ، طالما انتظرتَه! حلمٌ تلمسُه يداك، ويُثلِجُ أناملَك؛ فتنامُ مُطمئنًا هادئًا، ساكنَ القلبِ، لست مُضطربًا، أو خائفًا من فقدِه. سيكونُ يومًا لطيفًا مُغلَّفًا بالفرح، ستقولُ: «إنَّ التعبَ كان كثيرًا، والفتورَ كان مُزعجًا، والقلقَ كان مؤلمًا، والخوفَ كان يهدهدُني، ولكنِّي -يا حُلمُ- بك أمسكت». سيبردُ قلبُك كأنَّما وُضِعَ تحت صنبورِ ماءٍ باردٍ، تشعرُ وكأنَّ فرحتَك لا يسعُها الكونُ بأكملِه، ستهديك الحياةُ أجنحةً؛ لتُحلِّقَ بها عاليًا، ولكن.. لا تنسَ أرجُلَكَ التي خطوت يومًا معها. ستأتي بِوجبتِكَ المُفضَّلةِ، وكذا مشروبِك، سيكونُ -هذه المرةَ- مختلفًا؛ لأنه يختلطُ بمذاقِ الفرح. هناك يومٌ سينبضُ بالأمل؛ فلا بأسَ -الآن- بما تحملُه من ألم.

وقد تتآكل نفوسنا لولا الاحتساب! احتسبوا التَّعبَ والسَّهرَ والمجهودَ والقلقَ والدُّموعَ، وكلَّ ما شقَّ علىٰ نفوسِكم احتسبوه؛ فإنّ كلَّ المتاعبِ أجورٌ عند اللّٰه. لا يخيبُ مسعًىٰ إنْ كان مقصدُه للّٰه، ولا يضيعُ جهدٌ استودعَه المرءُ عندَ اللّٰه، ولا شيء يضاهي أنْ يُتوَّجَ مسعانا بخيرِ الجزاء. كلُّ ما يدركُه المرءُ في الدُّنيا زائلٌ، ويبقى الأجرُ عندَ اللّٰهِ. ﴿وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَىٰ ‌‎۝‎ وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَىٰ ‎۝‌‎ ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَىٰ﴾ [سورة النجم: ٤١:٣٩]. فيا عظيمَ المَنِّ، ويا واسعَ الفضلِ، نسألُك أوفىٰ الجزاء.

لكُل مَن هُنا: أسألُ اللهَ لك أن يهديَ قلبَك، وأن يُصلِحَ عَمَلَك في السرِّ والعلانية، وأن يجعلَكَ صالحًا مُصلحًا في الدُّنيَا والآخرة، وأن يجبرَ خاطِركَ جبرًا تتعجبُ منهُ ملائِكةُ السماواتِ وأهلُ الأرض، وأن يُشفِّعَ فيكَ المحاولاتِ، وأن يُعاملَكَ بفضلِه ورحمتِه لا عدلِه، ويُحققَ لكَ ما ترجوه منه، ويختَارَ لكَ ولا يُخيِّرَك، وييسرَ لك الخيرَ حيثُ كان، ثم يُرضيَكَ به، وألَّا يجعلَ للحيرةِ طريقًا في حياتِكَ، ويُحقِّقَ اللهُمَّ أُمْنيةَ قلبِك الَّتي تشغلُ تفكيرَك، وأن يُثلِجَ صدرَكَ، ويُقرَّ عينَك بتحقيقِها. يا ربِّ، اعفُ عَنهُم، وهَب لهُم عِلمًا نافعًا يَسْلكوا لكَ بهِ طريقًا إليك. يا ربِّ، بصِّرهم، وفهِّمهم، وعلِّمهُم، وفقِّهم يا ربِّ في الدِّين، آمين، وارزقهم ما أنت أهلُه، وإن كانوا خطَّائين، كثيري المعايبِ.

صباحُ الخَيرِ! تذكّر أنّكَ لا زلتَ تسيرُ عَلَى الطَّريق، وَمَن سَارَ على الدربِ وَصَل! ليسَ من الضّروريّ أن تَكونَ أيَّامُنا دومًا مليئةً بالإنجازاتِ، ولكنّ المُهمَّ أن يكون لُبّها "المحاولة". فَكَم مِن مُحاولةٍ رَفَعَت صاحِبَها، وَحَقّقت مُرادَهُ، وأظهَرَت صِدقَه! ضَعها نُصبَ عينيكَ دومًا: "إنَّ اللهَ يُحبُّ العبدَ اللَّحُوحَ". كُن لَحوحًا في أحلامِكَ وطموحاتِكَ، بقلبكَ وشغفك، بسعيكَ وجُهدِك، بصِدقِكَ وإقبالِك.. كُن لحوحًا، ولا تيأس مهما طالَ الزمن.. فبارِكِ اللهمَّ بِكُلِّ قلبٍ يحملُ في أساريرهِ أحلامًا أكبرَ من أن تُحكَى، ومشاعرَ أَجَلَّ من أن يُعبَّر عنها، وخطواتٍ أثمنَ من أن يُستهانَ بها!