الحَوْزَةُ الأشْعَرِيَةُ🕌

قال الفاضل الكنرى: إن تحرير الاستدلال موقوفٌ على مقدماتٍ أربعة: - الأولى: إن كلما وُجِدَ في الذهن أو الخارج، فلا ينتفى ذاته وذاتياته عن ذلك الظرف؛ إذا لوجود، هو: حصول الشيء وتقرره، فلا يكون مُبْطِلًا وفاسدًا لذاته وذاتياته، وأيضًا لو كان الوجود للشيء مُبْطِلًا لذاته؛ فلم يكن الموجود ذلك الشيء، بل شيءٌ آخر، وإذا كان كذلك؛ فيجب أن يكون الذات والذاتيات محفوظةً في جميع أنحاء الموجودية من الخارجي والذهني واللحاظي، ويمتنع انسلاخ الذات والذاتيات من أنحاء الوجود. والثانية: إن الوجود وسائر صفاته -تعالى- عينه -تعالى- بمعنى الحمل الأولى. والثالثة: إن تَخَلُّفَ الصادق عن المصداق ممتنعٌ، بل كلما تحقق المصداق وجب صدق الصادق عليه. والرابعة: إن الوجود الخارجي والذهني نحوان متقابلان من الوجود لاختلاف لوازمهما، فإن الأول أصليٌ مرتبٌ عليه الآثار الخارجية، والثاني ظِلِّىٌ مرتبٌ عليه الآثار الذهنية، وإذا كان كذلك؛ فلا يجتمعان في شيءٍ واحدٍ من جهةٍ واحدةٍ. التشريح الشافي في حل القاضي، لمولانا العلامة/ عبد الرازق إحساس الحق القندهاري

قال القاضي مبارك -رضي الله عنه- : "فانه لما كان وجوده تعالى وسائر صفاته عين ذاته امتنع حصوله في الذهن". انتهي لكن المقدم حقٌ، فالتالى مثله، أما وجه حقانية المقدم باعتبار عينية الوجود؛ فلأنه لو لم يكن عين ذاته تعالى؛ فهو: إما أن يكون منفصلًا عنه، أو جزءًا له، أو مُنْضَمًا إليه، أو مُنْتَزِعًا عنه، لكن التالي باعتبار جميع الشقوق باطلٌ، فالمقدم مثله. أما وجه الملازمة: فلأنه ليس ههنا شِقٌ آخرٌ يذهب إليه. وأما وجه بطلان التالي: - باعتبار الشق الأول: فلأنه يلزم حين انفصال الوجود عنه تعالى استكماله تعالى بالغير؛ لأن الوجود كمالٌ له تعالى، وأيضًا لا يكون الوجود وصفًا له تعالى؛ إذ الوصف لا يكون مُنْفَصِلًا عن الموصوف. وباعتبار الشق الثاني: فلأنه يلزم التركيب فيه تعالى، وهو باطلٌ؛ لأنه بسيطٌ ذهنًا وخارجًا. وباعتبار الشق الثالث: فلأنه يلزم التسلسل؛ لأن انضمام الشيء الى الشيء يستدعى وجود المُنْضَمِ إليه والوجود الآخر للمنضم إليه وهو الواجب تعالى، إما عينه تعالى، وإما منفصلٌ عنه تعالى، وإما جزءه تعالى، أو منضمٌ إليه تعالى. فعلی الأول: يثبت المطلوب. وعلى الثانى والثالث: لزم ما لزم. وعلى الرابع: لا بد من وجودٍ آخر، وهلم جرًا؛ فلزم التسلسل. وباعتبار الشق الرابع: فلأنه يلزم التسلسل؛ لأن انتزاع الوصف عن المنشأ يقتضى وجود المنشأ والمنتزع عنه والوجود الآخر للمنشأ، إما عينه تعالى، وإما منفصلٌ عنه تعالى، وإما جزئه تعالى، وإما منضمٌ إليه تعالى، وإما منتزعٌ عنه تعالى. فعلى الأول: يثبت المطلوب. وعلى الثاني والثالث والرابع: لزم ما لزم. وعلى الخامس: لا بد من وجودٍ آخر، وهلم جرًا؛ فلزم التسلسل. وأما وجه حقانية المقدم باعتبار عينية الصفات: فلأنه لو لم تكن عين ذاته تعالى؛ لزم استکماله تعالى بالغير، وفقدانه تعالى للكمالات في مرتبة سنخ الذات، لكن التالي باطلٌ، فالمقدم مثله. أما وجه الملازمة باعتبار الشق الأول: فلأن الصفات كمالات له تعالى، فيلزم استكماله تعالى بالغير، وهي الصفات. وأما وجه بطلان التالى باعتبار الشق الاول: فلأنه تعالى كاملٌ في ذاته تعالى لا يحتاج إلى الغير. وأما وجه الملازمة باعتبار الشق الثاني: فلأن الشيء في مرتبة الذات يكون خاليًا عن الأمر الزائد والمغاير، فيكون الواجب تعالى في مرتبة سنخ الذات فاقدًا للصفات التي هي الكمالات له تعالى. وأما وجه بطلان التالي باعتبار الشق الثاني: فلأنه نقصان فيه تعالى. والمراد بالعينية: هو العينية الحكمية، أي: ما يكون مصداق حمله نفس ذات الموضوع، أى: الواجب بلا زيادة أمر ومن دون انضياف حيثية تعليلية أو تقيدية؛ لأنه سبحانه وتعالى عين المعنى المصدرى الاعتبارى.

إن لفظ (يُحَد) مشتقٌ من الحد، وهو على ثلاثة أقسامٍ: [1] حدٌ لغویٌ. [2] حدٌ منطقیٌ [3] حدٌ حكميٌ. فالحد اللغوي: عبارةٌ عن النهاية العددية، كالسابع للسبعة. والحد المنطقي: عبارةٌ عن تعريف الشيء بالذاتيات، كتعريف الإنسان بالحيوان الناطق. والحد الحكمي: عبارةٌ عن أطراف الامتدادات الثلاثة، كالنقطة والخط والسطح. التشريح الشافي في حل القاضي، لمولانا/ عبد الرازق إحساس الحق القندهاري

قال المولوى عبد الرحمن الجامي في شرح الفصوص، في الفصل الأول: إن الحقائق عند الصوفية ثلاثٌ: – الأولى: حقيقةٌ مطلقةٌ فعالةٌ واحدةٌ عاليةٌ واجبةٌ وجودها بذاتها، وهي: حقيقة الله سبحانه. والثانية: حقيقةٌ مقيدةٌ منفعلةٌ سافلةٌ قابلةٌ للوجود من الحقيقة الواجبة بالفيض والتجلى، وهي: حقيقة العالم. والثالثة: حقيقةٌ أحديةٌ جامعةٌ بين الاطلاق والتقييد، والفعل والانفعال، والتأثير والتأثر، فهى: مطلقةٌ من وجهٍ، مقيدةٌ من آخر، فعالةٌ من جهةٍ، منفعلة من أخرى، وهذه الحقيقة أحدية جمع الحقيقتين، ولها مرتبة الأولية والآخرية؛ وذلك لأن الحقيقة الفعالة المطلقة في مقابلة الحقيقة المنفعلة المقيدة، وكل متفرقيتن فلا بد لهما من أصلٍ هما فيه واحدٌ، وهو فيهما متعدد مفصلٌ، وظاهرية هذه الحقيقة، هي: المسماة بالطبعية الكلية، ففعالة من وجهٍ، والمنفعلة من آخر؛ فإنها تتأثر من الأسماء الإلهية، وتؤثر في موادها، وكل واحدٍ من هذه الحقائق الثلاث حقيقة الحقائق التي تحتها. انتهى التشريح الشافي في حل القاضي، لمولانا/ عبد الرازق إحساس الحق القندهاري

اعلم أن للهداية أقسامًا ومراتب مختلفةً: - الأول: منها فطرى، وهو: شاملٌ لكل ذي روحٍ وحاصلٌ له في وقت خلقه، كما قال الله -تعالى- : "وأعطى كل شيءٍ خلقه ثم هدى". والثاني: كسبىٌ، وهو: الذي يَحْصُلُ بكسب الكاسب. والكسبى على خمسة أقسامٍ: - أحدها: إحساسي، وهو: هداية إفاضة الحواس الظاهرة والباطنة التي بها يتمكن المرء من الاهتداء إلى مصالحه. وثانيها: عقلىٌ، وهو: هدايةٌ بإفاضة القوة العقلية التي بها يَتَمَكَّنُ العبد من الاهتداء إلى مصالحه من الكليات. وثالثها: استدلالىٌ، وهو: هدايةٌ بنصب الدلائل الفارقة بين الحق والباطل، والصلاح والفساد، وإليه أشار تعالى بقوله: "وهديناه النجدين". ورابعها: نبوىٌ، وهو: هدايةٌ بإرسال الرسول، وإنزال الكتب، نحو قوله تعالى: "وجعلناهم أئمةً يهدون بأمرنا"، وقوله: "إن هذا القرآن يهدى للتي هي أقوم".  وخامسها: إلهامىٌ، وهو: أن يُكْشَفَ على قلوبهم السرائر ويريهم الأشياء كما هي بالوحي والإلهام والمنامات الصادقة، وهذا قسمٌ يَخْتَصُ بنيله الأنبياء والأولياء، وإيَّاهُ عَنَىَ بقوله: "أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده"، وقوله: "والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا". التشريح الشافي في حل القاضي، لمولانا/ عبد الرازق إحساس الحق القندهاري

جديد

اعلم أن العلامة البازي -رحمه الله تعالى- فرق بين المحقق والمدقق من وجوهٍ: - الأول: أن المدقق أعلى شأنًا من المحقق، فإن المحقق من يثبت المسائل النظرية بالدلائل، والضرورية بالتنبيهات، والمدقق ذلك مع ذكر الاستنباطات عنها سواء استنبطها هو أو غيره. والثاني: قيل المحقق من يدرك الحقائق، والمدقق من يدرك الدقائق، وفرق بين الحقيقة والدقيقة؛ فإن الحقيقة للشيء الأصل له، والدقيقة ما فى ذلك من السر و الأسرار؛ فلذا صح أن يُقَال: فلانٌ مدقق المحققين، لا أن يقال هو: محقق المدققين. والثالث: قيل المحقق العالم بالمسائل المدللة كالمقلد العالم، والمدقق العالم بها من دلائلها ومآخذها كالمجتهد. الرابع: قيل إمام الفن هو المجتهد له المطلق، والمدقق هو المجتهد فيه، والمحقق له من يكون من أصحاب التخريج، والعلَّامة هو الماهر فيه مع التفوق في سائر الفنون، فهو وبحر العلوم بمعنىً، والعالم به من يكون بارعًا فيه وله قدم تكون لا علامه فارعة. والخامس: قيل المحقق للفن العالم به، والمدقق له المدرك له، والفرق بين التحقيق والتدقيق كالفرق بين الرؤية والإدراك، ففى الأول العلم بالشيء بدون إحاطةٍ، وفي الثاني الإحاطة به، ويستلزم الثانى الأول، ولا عكس، فرؤية الله ثابتة، وإدراکه:  الاحاطة به منتفٍ، قال الله تعالى: "لا تدركه الأبصار" كذا في كتب العقائد. والسادس: قيل المحقق من له ملكتان، ملكة الفهم وملكة الإفهام؛ إذ تحقيق مسألةٍ مثلًا لا يكون إلا بالفهم أولًا ثم الإفهام ثانيًا، والمدقق من له ملكة الفهم أعم من أن تكون له ملكة الافهام أولًا بأن يكون دقيق النظر غير قادرٍ على كمال الإفهام؛ فعلى هذا المحقق أعلى من المدقق. والسابع: قيل المحقق من يقرر المسائل، والمدقق من يحررها ويهذبها، ورب رجلٍ علمنا أنه يقدر على التقرير دون التحرير كخير اللحقة بالمهرة (مير باقر داماد) فدأبه إطنابٌ مملٌ مخلٌ لأخذ المقصود منه. والثامن: قيل المحقق من يحقق المسائل الحقة الثابتة عند أهل الفن ويعقلها، والمدقق من يعقل المسائل الغريبة الغير معروفة عند عامة أهل العلم. والتاسع: قيل مدقق الفن مجتهده المطلق کالفارابي للمنطق، ومحققه المجتهد فيه كعلى بن سينا له. والعاشر: قيل المحقق العارف بظواهر العلوم، والمدقق العارف ببواطنها ودقائقها، وليس المراد بالظواهر ما يكون غلطًا في نفس الأمر كما يقال هذا الكلام حقًا ظاهرًا وباطلٌ في نفس الأمر، بل المراد الحق المتبادر إلى الذهن بدون إمعان نظرٍ؛ فالفرق بينهما مثل الفرق بين العالم والصوفي، والنسبة بين الحقيقة والدقيقة، كالنسبة بين الشريعة والطريقة، وبين الإسلام والإيمان، وبين اللسان والقلب، والكلام إنما هو في الفؤاد، واللسان عليه دليلٌ. والحادى عشر: قيل المحقق من يعرف مراد عبارات القوم، والمدقق من يعرف مرادهم منها بعد التفتيش؛ فالمحقق في المنطق مثلًا من يعلم أن العلم هو الصورة، والمدقق من يقول إن العلم عندهم هي الحالة الإدراكية، وتسمية الصورة علمًا مجازٌ كما قال به (المدقق محب الله البهاري) في (السلم). والثاني عشر: قيل المحقق العارف بالقضايا الكليات وجزئياتها الظاهرة، والمدقق العارف بجزئياتها الخفية أيضًا. والثالث عشر: قيل الإمام والمدقق والمحقق والعلَّامة في الفنون على الترتيب، كالحاكم والحجة والحافظ والمحدث عند المحدثين؛ فالحاكم: من أحاط بجميع الأحاديث وما لها وما عليها، وتحته الحجة، وهو: من أحاط علمه بثلاث ألف حديث، والحافظ: من أحاط بمائة ألف حديث، والمحدث دونه، وهو: المشتغل بالحديث روايةَ ودرايةَ الجامع لروات وروايات، والمراد مطلق التشبيه بهم في المراتب الأربع؛ إذ لا يعلم أعداد مسائل الفنون كما يعلم عدد الأحاديث. والرابع عشر: قيل المدقق وصفٌ باعتبار النظر فقط؛ لاختصاصه بوصف الدقة، والمحقق وصفٌ باعتبار الأقوال الحقة والمذهب الحق والعقيدة الحقة والدين الحق، ويؤيده قول (السعد) في (شرح العقائد): إن الحق يطلق على هذه الاربعة ويقابله المخطئ في ذلك، والمدقق يقابله الظاهري. والخامس عشر: قيل المدقق وصفٌ باعتبار مطابقة نظره الدقيق لنفس الأمر، والمحقق وصفٌ باعتبار مطابقة الواقع لأقواله، مأخوذ من الحق الذي هو وصف الواقعة. والسادس عشر: قيل المدقق وصفٌ باعتبار الدلائل؛ فان الدقيق إنما يكون النظر، والمحقق وصفٌ باعتبار النتائج التي تحققت وثبتت بهذه الدلائل، فالإنسان بعد تدقيق النظر يحقق النتائج ويثبتها. التشرح الشافي في حل القاضي، لمولانا/ عبد الرازق إحساس الحق القندهاري

اعتزل أصلًا قبل أن يوجد ما يؤذيك🫡🙏