ضدّ التّناسل

على المؤمنين بالعذاب الأبدي إدراك أنهم حين ينجبون يجاذفون بتعريض ذريتهم إلى أسوأ ما قد يقع للإنسان. والحقُّ أن الكثيرين - لا أدري كيف - لا يمنحون أنفسهم الوقت الكافي لتأمُّل الرعب الكامن في هاتين الكلمتين: عذاب أبدي. تخيّل أن طفلك، ذاك الشيء الصغير اللطيف الذي يهرول نحوك ليُعانقك حين تأتيه بعد طول غياب، سوف يكبر ليتخذ (القرار الخاطئ) وينحرف عن (الطريق القويم)، فيُعذَّب بالنار في مشهد مروع لا ينتهي إلا لكي يبدأ من جديد. يقول الكثيرون أن الذي قدَّر له الإله أن يأتي إلى العالم سوف يأتي لا محالة، بحيث إذا رفضت أنت وشريك حياتك إنجابه سيأتي عبر أبوين آخرين. ومن هذا الباب يُجادلون بأن امتناعك عن الإنجاب لن يُشكِّل فارقًا. إنهم مخطئون؛ لأنك حين ترفض الإنجاب تزيح عن كاهلك الخوف على طفلك من كل شرور الحياة وما قد يتلوها من أهوال في الآخرة.

يرفض الكثيرون الإنجاب فقط بسبب أنهم لا يحبون الأطفال أو يريدون الاحتفاظ بحريتهم ومواردهم لأنفسهم وعدم استنزاف قدر وافر منها على تربية فرد جديد.. موقفي مختلف؛ فهو لا ينبع من كراهية للأطفال، إنما يرتكز على الرغبة في عدم تعريض الأبناء إلى أضرار القدوم إلى الوجود، حتى وإنْ تعارض ذلك مع مصالح الآباء. - ديفيد بيناتار

عجبت للأم لما مات واحدها ... بكت وساعدها ناس يبكونه هم أسارى مناياهم فما لهم ... إذا أتاهم أسيرٌ لا يفكَّونه - أبو العلاء المعري

تقول الطبيعة للجميع: "إنني لا أخدع أحدًا، فمَن اختار الإنجاب يعلم أن أطفاله قد يمتازون بحسن الهيئة أو التشوُّه. ربما يغلب عليهم الغباء. وقد يصبح أحدهم مُنقِذ بلاده، أو خائنها. إنْ اخترت الإنجاب رغم علمك بذلك، فقد جرَّدت نفسك من القدرة على لوم الآلهة؛ فهُم لم يضمنوا لك شيئًا من البداية." - لوكيوس سينيكا، فيلسوف روماني

تقول الطبيعة للجميع: "إنني لا أخدع أحدًا، فمَن اختار الإنجاب يعلم أن أطفاله قد يمتازون بحسن الهيئة أو التشوُّه. ربما يغلب عليهم الغباء. وقد يصبح أحدهم مُنقِذ بلاده، أو خائنها. إنْ اخترت الإنجاب رغم علمك بذلك، فقد جرَّدت نفسك من القدرة على لوم الآلهة؛ فهُم لم يضمنوا لك شيئًا من البداية." - لوكيوس سينيكا، فيلسوف روماني

وَأَرَحتُ أَولادي فَهُم في نِعمَةِ العَدَمِ الَّتي فَضَلَت نَعيمَ العاجِلِ وَلَو أَنَّهُم ظَهَروا لَعانوا شِدَّةً تَرميهُمُ في مُتلِفاتِ هَواجِلِ - أبو العلاء المعري

يُحاول البعض نقد اللاإنجابية عن طريق تجميل المعاناة أو تبجيلها، الأمر الذي يمكنك أن تلاحظه بسهولة في عبارات من قبيل: - المعاناة هي ما تُعطي قيمة للسعادة. - المعاناة ليست جيدة أو سيئة بل نظرتك لها هي ما تحدد ذلك. - ما لا يقتلك يجعلك أقوى. - بدون صعوبات وألم لن يتعلم المرء شيئًا وسوف تصبح الحياة مملة وبلا معنى. - العالم لا يؤذيك. ما يؤذيك حقًّا هو كيف ترى العالم. غيِّر نظرتك للأمور وسوف يتغير واقعك تمامًا. تخيَّل كيف سيكون الحال لو أننا حاولنا أن نقنع جونكو فوروتا بهذا الكلام قُبيل وفاتها. لمَن لا يعرف مأساة تلك الفتاة، فهي طالبة يابانية تعرَّضت للخطف عام ١٩٨٨ وهي بعمر السابعة عشر. وجرى تعذيبها واغتصابها طوال ٤٤ يومًا انتهت بمقتلها عندما قام أحد الخاطفين بضربها بأثقال الحديد على جذعها حتى بدأت الدماء تخرج من فمها وتنتابها التشنجات. ماتت جونكو تاركةً لنا واحدة من أبشع وقائع التعذيب المُوثَّقة. الخاطفون أجبروها على أكل الصراصير وشرب البول، أحرقوا وجهها بالولَّاعات وسكبوا عليه الشمع الساخن، اغتصبوها حوالي ٤٠٠ مرة، طعنوها في صدرها بإبر الخياطة، ألقوا الأوزان الثقيلة على بطنها، مزّقوا إحدى حلمتيها بكمَّاشة، وضعوا المفرقعات في أذنيها وفمها وشرجها وشاهدوها تنفجر، سحقوا يديها تمامًا بالأوزان، نزعوا أظافرها، علَّقوها من يديها وجعلوا منها كيس ملاكمة يضربونها بالتناوب.. وفعلوا غير ذلك الكثير. في البداية كانت جونكو تتوسل إليهم أن يتركوها، لكن سرعان ما أصبح الموت هو أمنيتها الوحيدة فراحت تتوسل إليهم أن يقتلوها. كانوا يرسلونها لتنام في الشرفة بملابس خفيفة أو بدون ملابس لتظل ترتجف طوال الليل في طقس طوكيو البارد. تخيل الآن أنك دخلت إلى تلك الشرفة ووقفت أمام جونكو التي تموت ببطء وتغطي الكدمات والجروح جسدها ثم قلت لها: "والداك لم يُخطئا حين أنجباكِ وقامرا على مصيرك؛ لأن العالم لا يؤذيك يا جونكو، ما يؤذيكِ حقًّا هو نظرتك إلى العالم. ليس مهمًّا ما سيحدث لكِ، بل المهم كيف ستكون استجابتك. المعاناة جيدة لأنها تبني الشخصية، فما لا يقتلك يجعلك أقوى." - عمر علي