قناة أحمد بن خالد الهاجري

( أعوان الظلمة ) قال تعالى: ( ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار ) و قال: ( احشروا الذين ظلموا وأزواجهم ) قال مكحول الدمشقي: "ينادي منادٍ يوم القيامة أين الظلمة وأعوانهم؟ فما يبقى أحد مد لهم حبرًا أو حبر لهم دواة أو بري لهم قلمًا فما فوق ذلك إلا حضر معهم فيجمعون في تابوت من نار فيلقون في جهنم" وقال أحمد بن سعيد الرباطي - وكان عاملاً لعبد الله بن طاهر -: قَدِمْتُ على أحمد بن حنبل، فجعل يرفع رأسه إلَيَّ، فقلت: يا أبا عبد الله إنه يُكتب عني بـخُرَاسَان وإن عاملتني هذه المعاملة رَمَوْا حديثي! قال:(يا أحمد! هل بُدٌّ يوم القيامة من أن يُقال: أين عبد الله بن طاهر وأتباعه؟! فانظر أين تكون منه؟!) هذه المعاني وغيرها من الوضوح بمكان ! لكن الكثير يتساهل فيها وفي غيرها من المنكرات البيّنة لكثرة المؤيد والمسهل .. في القبر لن يوجد إلا العمل، وفي اللقاء يوم العرض سيكون حساب المرء لوحده ومعه كتابه الذي خطه في الدنيا بأقواله وأعماله.. التقليد ليس عذرًا في كل شيء .. نصيحة قبل ذهاب العمر وانقضاء الأجل: اعزل الخلق قبل إطلاق اللسان بالقول واليد بالكتابة والفعل.. واجعل هذه الآية حاضرة أمامك في كل ما تقول وتفعل: "وتحسبونه هينًا وهو عند الله عظيم"

( عمل السر ) قال النبي صلى الله عليه وسلم: " من استطاع منكم أن يكون له خبء من عمل صالح فليفعل " ولم يرتفع من ارتفع من السلف إلا بالسرائر.. عن عبد الله بن المبارك أنّه قال: “ما رأيتُ رجلاً ارتفعَ كمالك بن أنس، ليس له كثير صيامٍ ولا صلاة، وإنما كانتْ له سريرة" قال الإمام أحمد: "ما رفع الله ابن المبارك إلا بخبيئةٍ كانت له" قال عبدالله بن داود الخريبي: "كانوا - أي:السلف - يستحبُّون أن يكون للرجل خبيئةٌ من عملٍ صالحٍ، لا تعلم به زوجته ولا غيرها" تتصارع الفتن والشهوات مع أعمال الخفاء فتغلبها وتثبت قلب صاحبها.. قال ابن القيم: "الذنوب الخفيات أسباب الانتكاسات، وعبادة الخفاء أصل الثبات" الخبيئة: عمل صالح [ صلاة - ذكر - صدقة .. ] يُعمل بعيداً عن أعين الناس، لا يخبر به المرء أحدًا ولا يتأوّل في ذلك.. سر بين العبد وربه يثبته الله به ويطهّر ما يعلق بأعماله الظاهرة..

( قبل الكلام ) الاعتذار عن الخطأ فضيلة والقبول له مكرمة، لكن قد لا ترجع النفس بعد الخطأ عليها گحالها قبله .. الإناء إذا كُسر من الصعب إرجاعه كما كان .. بل أحيانًا تعجز نفوس ( الصفوة ) عن القدرة على المواصلة مع مَنْ أساء مع قبولها لإعتذاره .. قال سيد البشر ﷺ لوحشي : أنت قتلت حمزة؟ فقال : قد كان من الأمر ما بلغك، قال: فهل تستطيع أن تغيب وجهك عني. و من وصاياه ﷺ قوله : [ و لا تَكَلَّمْ بكلامٍ تعتذِرُ منه ] ما دامت الكلمة لم تخرج فهي ملكك فإذا خرجت ملكتك ..

س: ما الحل مع مَن توقف عن العمل واعتزل لأنّه يرى بأنّ عمله لا يؤثر في تغيير الباطل؟ ج: سبب هذه المشكلة = عدم ضبط معيار الحكم على الأعمال ! سواء كان المتعلق بالقبول الأخروي أو حتى المتعلق بالتأثير الدنيوي ! أمّا الأوّل: فالمعيار شرعاً = العمل وفق مراد الله ( فقط ) ! سواء تغير الواقع أو لم يتغير .. تأثر الباطل أو لم يتأثر ! و أمّا الثاني : فلا أحد يستطيع أن يجزم إلى أين يصل أثر كلماته وأعماله مهما حاول ! النصر النهائي = عبارة عن مجموعة انتصارات صغرى .. تجتمع هذه الانتصارات و تتضافر حتى تشكل النتيجة النهائية .. محروم من قدر على المشاركة و كف عنها !

ضرر التعليم الصناعي وأثره في كسر بأس النفوس و الفارق بينه و بين تعلم الصحابة رضي الله عنهم .. فائدة على الهامش: تغير العلماء كبير بعد تغير طريقة التعليم .. أي بعد القرن الرابع .. وكان التغير في أمرين: الأوّل: فشو التقليد المذموم كما نبّه على ذلك الشنقيطي. الثاني: عدم الصدع بالحق كما نبه على ذلك المعلمي. لذا لا يعجب الشخص من قلّة المجتهدين في العصور المتأخرة وليعرف لهم قدرهم وكذلك لا يعجب من قلّة الصادع بالحق .. تأمل في سير العلماء الصادعين في العصور المتأخرة تجد أثر التربية البيئية أو الشجاعة الغريزية وعدم الخضوع لقوانين التعليم الصارمة في المدارس الشرعية طويلة المدى تدليلاً على صدق ما قاله ابن خلدون -رحمه الله-.!

( شرطة الموت ! ) جاء في حديث ابن مسعود -رضي الله عنه- في قتال الروم آخر الزمان : " فتُشتَرطُ شُرْطةُ الموتِ : لا ترجِعُ إلَّا وهي غالبةٌ .." وسبب ثبات المسلمين في معركة اليرموك = كتيبة الموت = ٤٠٠ رجل تبايعوا على الموت حتى أوقفوا زحف الروم ! لابد أن توجد طائفة من الأمة تختلف عن البقية .. تعطي الإسلام كل شيء ولا تأخذ منه شيء .. ( تكثر عند الفزع و تقل عند الطمع ) بهذه الطائفة الشريفة تحفظ الأمة لا في غيرها .. من درر الشيخ علي الطنطاوي: "كيف تتقدم الأمة وتسير في طريقها إلى غايتها ، إذا لم تجد من أبنائها من يحمل أثقالها !"

( أسر المشكلة ) لا تجعل المشاكل تأسرك .. تجاوزها سريعاً .. واجلها بالمواقف المفرحة وبالأعمال المشغلة عنها .. أتى النبي صلى الله عليه وسلم في آن واحد فاجعة مقتل ٧٠ من أصحابه في بئر معونة .. وقتل عمرو بن أمية الضمري للرجلين خطأً .. فقال عليه الصلاة و السلام : لأدينهما .. وانطلق يجمع أموال الدية .. انشغل بالواجب عليك فعله .. وتذكر دائماً بأنّ الحياة مراحل فلا تعطي المرحلة أكبر مما تستحق .. واستحضر مركزية الآخرة وحقارة الدنيا .. ﴿ وَمَا هَٰذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ ۚ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ ۚ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ﴾

( بين الدعوة والداعي ) التنازل عن بعض الحق من شيم الكرام، ومن ضرورات العمل للإسلام .. من درر السلف : " ما استقصى كريم قط " قال النبي صلى الله عليه وسلم: " كانت امرأتان معهما ابناهما جاء الذئب فذهب بابن إحداهما فقالت لصاحبتها إنما ذهب بابنك وقالت الأخرى إنما ذهب بابنك فتحاكمتا إلى داود عليه السلام فقضى به للكبرى فخرجتا على سليمان بن داود عليهما السلام فأخبرتاه فقال ائتوني بالسكين أشقه بينهما فقالت الصغرى لا تفعل يرحمك الله هو ابنها فقضى به للصغرى " المهم بقاء العمل الإسلامي لا اثبات كون العمل قام به فلان أو فلان عند تعذر الجمع .. لكل من يعمل وهضم حقّه أو تم اتهامه ظلمًا وزورًا: تذكر بأنّ الله يعلم والملائكة تكتب .. إذا لم يصل الطعن والإفتراء إلى حد الأذى الذي لا يطيقه المرء، ولا ضرر منه على نفس العمل .. فالكمال ترك الرد .. تخذيلاً للشيطان ونصرة الإسلام ..

( بين القدرات و الصفات ) القدرات العقلية لا علاقة لها بالصفات النفسية ! فقد يكون الشخص واسع العقل هائج النفس ! و قد يكون شديد الذكاء هادئ الطبع ! كذا البلادة قد تجتمع مع الثوران أو السكون النفسي ! بل حتى الصفات النفسية لا تلازم بينها ! فقد يكون الشخص في الذروة من الشجاعة مع شدّة الحياء، و قد تجتمع الشجاعة مع الشدة، و قد يكون صاحب عزّة وأنفة طاغية ورحيم شديد الرحمة ! فتجده يخضع للمرأة الضعيفة والطفل الصغير ولا يهاب الجبابرة ! فائدة: كل إنسان عنده نقطة ضعف إذا تم طرقها سهل انقياد صاحبها، لعدم قدرته على مخالفتها إلا بكلفة شديدة ومجاهدة كبيرة ! من يعرف الإنسان يسهل عليه التعامل معه ..