فسيلة 🌱

ليلة جمعة سعيدة. الأوقات الصعبة معابرُ إلى السعة إذا استطاع أحدنا أن يصحبَ فيها الصبر، تبدأ الآلام عظيمةً ثم تخبو مع مرور الوقت، لكنني صحبت نفسي كثيرا ورأيت أكثر فشلها في عدم الصبر على المكاره، وفي أن الألم يشتد فيخرجني عن طوري. ما أخرجتْني الآلام عن رشدي إلا حين قعدت بين الألم ورأسي وحدنا في غرفة مغلقة، فلا أجد لنفسي مهربا منه إلا بالانغماس فيه وتقليب جديده مع قديمه فيتضاعف علي، وما عرفتُ وصية لاجتياز الوقت الصعب أشفى من «واصبِر نفسَك». ليلة جمعة هادئة وإن على بركان نشط، لا أجدُ أكثر تصبيرًا للنفس من غمسِها من جميع جوارحِها في الشُّغل؛ فيدٌ عاملةٌ وأذنٌ منصتةٌ ورأسٌ شغّال في شيءٍ غير تعذيبي، وبعد هذا كله قلبٌ يُرجى له أن يهدأ ويثبت في العاصفة حتى تمر. - شيماء هشام سعد

قال ابن الجوزي - رحمه الله - : «قرأت هذه الآية: ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ وَخَتَمَ عَلَىٰ قُلُوبِكُم مَّنْ إِلَٰهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُم بِهِ﴾، فلاحَت لي منها إشارةٌ كِدْتُ أطيشُ منها: وإن عنى معنى السمع والبصر؛ فذلك يكون بذهولهما عن حقائق ما أدركا شُغْلًا بالهوى، فيُعاقَب الإنسان بسلب معاني تلك الآلات، فيرى وكأنه ما رأى، ويسمع وكأنه ما سمع، والقلب ذاهل عما يتأذى به؛ فيبقى الإنسان خاطئًا على نفسه، لا يدري ما يُراد به، لا يؤثر عنده أنه يبلى، ولا تنفعه موعظة تجلى، ولا يدري أين هو، ولا ما المراد منه، ولا إلى أين يُحمل؛ وإنما يلاحظ بالطبع مصالح عاجلته، ولا يتفكر في خسران آجلته، لا يعتبر برفيقه، ولا يتعظ بصديقه، ولا يتزود لطريقه، وهذه حالة أكثر الناس، فنعوذ باللَّه من سلب فوائد الآلات، فإنها أقبح الحالات».

معلومة لابدّ أن يعلمها من يترك العلاقة المحرمة بكل صدق ورجاء لِما عند الله: ستُبتلى .. نعم؛ أقولها بملء قلبي، ستبتلى حتّى يعلم الله صدق فعلك، ستبتلى فترى كلَّ شيء يدعوك للحدِيث مع هذا الشخص ‏ستبتلى حتّى تظن أنك ستموت من الحزن والشوق إليه! ‏وما بعد هذا الابتلاء ؟ ‏كيف أفعل؟! ما الحل إذن ؟! أريد ترك العلاقة المحرمة لكن سرعان ما أعود إلىٰ ما كنت عليه! إذا أقبل العبد على طاعة بعث الله له صوارف ليتبيّن صدقه، فإذا جاهد وصبر وثبت عادت هذه الصّوارف في حقّه معاونات على الطّاعة فإن صبرت، وجاهدت نفسك على أن تصبر؛ فلحت ونلت ما تريد ‏فالجهاد تعب ساعة، لراحة حياتُك كاملةً فَأَما من تَركهَا صَادِقا مخلصا من قلبه لله فإنه لَا يجد فِي تَركهَا مشقة إِلَّا فِي أول وهلة ‏-ليمتحن أصادق هُوَ فِي تَركهَا أم كَاذِب - ‏فإن صَبر على تِلْكَ الْمَشَقَّة قَلِيلا استحالت لَذَّة! ‏ ابن القيم

"‏لو جُمعت كلّ أشكال المواساة فلن تعادل طمأنينة تلك اللحظة التي تقرأ فيها وِردك اليوميّ من القرآن فتجد فيه من معاني الآيات ما تحتاجه حالتك الشعوريّة الحاليّة، تنسكب علىٰ قلبك رسائل الله كوابل صيّب" 🤍

وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: «المؤمن القوي خير وأحب إلي الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير، احرص على ما ينفعك، واستعن بالله، ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كذا كان كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل؛ فإن لو تفتح عمل الشيطان». أخرجه مسلم. «المؤمن القوي» في إيمانه. وإنما اخترنا ذلك لئلا يقول قائل: إن المراد به: المؤمن القوي في بدنه وليس كذلك، بل الصحيح أن المراد في الحديث: المؤمن القوي في إيمانه، لأن الوصف يعود على ما سبق، وما سبق اسم مشتق وهو «المؤمن»، لو قال: الرجل القوي لربما نقول: إن المراد القوي في جسمه، كما يمكن أن نقول: القوي في الرجولة، لكن إذا قال: المؤمن فهو وصف، فيكون الوصف الذي وصف به هذا عائدًا عليه، يعني: المؤمن القوي في إيمانه، أي: في إيمانه في قلبه، وكلمة قوي الإيمان في القلب كثرت الأعمال الصالحة: لأن الإيمان يحمل صاحبه على الهدى. «خير وأحب إلي الله من المؤمن الضعيف»، فذكر في المؤمن القوي خصلتين عظيمتين الأولى: أنه خير من ضده، والثاني: أنه أحب إلى الله «من المؤمن الضعيف» يعني: في إيمانه، ولا شك أن الناس يختلفون في الإيمان قوة وضعفًا، وقوله: «وفي كل خير» هذه الجملة فيها احتراز؛ لأنه لما قال: «المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف» قد تهون قيمة المؤمن الضعيف عند الإنسان، فقال: «وفي كل خير»، ولهذا نظائر منها قوله تعالى: ﴿ولا يستوى منكم من أنفق من قبل الفتح وقتل أولئك أعظم درجة من الذين انفقوا من بعد وقتلوا﴾ فذكر هنا مفضلًا ومفضلًا عليه ربما يكون في النفوس أن المفضل عليه نازل المرتبة، فقال بعد ذلك: ﴿وكلا وعد الله الحسنى﴾ [النساء: ٩٥]. - فتح ذي الجلال والإكرام لشرح بلوغ المرام

ولا أخفيكم أيضًا أن سلامًا نفسيًا يصاحب المرء حتى وإن كان في منتصف معركة، وهذا لأنه ببساطة "يعرف نفسه"، فمعرفة نقاط الضعف لا تقل أهمية عن معرفة نقاط قوتها ومن جرّب هذا يعي جيدًا ما أتحدث عنه🤍

من أصعب الأمور وأثقلها هي مواجهة المرء لنفسِه، مواجهة حقيقية جادّة دون أيّ مُجاملة، أن تستبصر معالم هذه النفس البشرية وتشير لنقاط ضعفها، وأنت متصالح ومُدرك أننا مجبولون على هذه الضعف {وَخُلِقَ ٱلۡإِنسَـٰنُ ضَعِیفࣰا} لا ترضخ لعبارات القوة المُزيّفة الّتي يُشار لها بكثرة هذه الأيام، شتّان بين القوة التي ينادون بها وبين القوة الحقيقية استبصر نفسك، من الأمور الثقيلة نعم، ولكنّها ضرورة من الضرورات، بناء الصلابة النفسية الحقيقة تبدأ بحديثك الصادق مع نفسك

🔹ولا بد للعبد من أوقات ينفرد بها بنفسه في دعائه وذكره، وصلاته وتفكره، ومحاسبة نفسه وإصلاح قلبه. (ابن تيمية | مجموع الفتاوى)

‏يُوَدُّ المَرءُ مِنَّا لو يُغمِض عَينَيهِ في الدُّنيا، ويفَتحهُما في الجَنَّة.