بَراح.

"أَلا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الأُمُورُ..".

"غريسة الحقائق فوق البشرية التي نمتلكها جميعًا تعرّفنا بأنّه من الخطر الصمت مع أحد لا نرغب في معرفته ولا نحبه أبدًا. الحياة الحقيقية والوحيدة التي تترك أثرًا ما ليست مصنوعة إلّا من الصمت، وأتحدّث هنا عن الصمت الفعّال، ذلك أنّ هناك صمتًا سلبيًا ليس سوى انعكاسٍ عن النوم، الموت أو اللاوجود. إذا أُتيح لكم أن تهبطوا لحظة في نفوسكم حتّى الأعماق التي تسكنها الملائكة فما الذي ستتذكرونه قبل كل شيء عن كائن أحببتموه بعمق؟ ليس الأقوال التي قالها، ولا الحركات التي أجراها بل ضروب الصمت التي عشتموها معًا، ذلك أن الصمت هو وحده الذي كشف نوعية حبكم ونفوسكم، ولأنه ما من أحد منّا يجهل هذه القوة الغامضة وألعابها الخطيرة فإننا نخاف هذا الخوف العميق من الصمت. إنّنا نمضي قسمًا كبيرًا من حياتنا في البحث عن أمكنة لا يسودها الصمت..". كنت أشعر بشيء غير مفهوم بينما أوجّه نظري إلى السماء تسامرها شجرة المنزل الأعرق يتخللنا الصمت وتؤانسنا نسمات ريح خفيفة، فلم أجد ما يشرحها إلّا هذا النص المُقتبس عن صمتٍ يعرّفني الأشياء بشكل أكثر صدقًا.. وإنّي أحبّه وأتفق مع كلّ ما فيه إلّا آخره، فأنا دائمًا ما أبحث عن الأمكنة التي يسودها الصمت.

اللهم إن لم تستخدمنا فاجعل لإخواننا قومًا خيرًا منا إذا استنصروا نصروا. اللهم إنّ القلوب بلغت الحناجر، اللهم أنزل بأسك، وأحقّ وعدك، وانتقم لدماء أوليائك، فإنهم انتقموا لدينك وجاهدوا صدق الجهاد في سبيلك.

يمكن أن نعتمد هذا المنشور الحماسيّ جدًا تحت سلسلة (لحظة انبهار أثناء قراءة الأشعار).

الأدب العربي جميل ومبهر وعظيم، وحين آتي لأعبّر عن انبهاري بهذه اللغة السماويّة أفشل؛ لأنّ جمالها ذوقيّ، شيء تُدركه بالذوق لا الوصف. يعني مثلًا تأمّل عذوبة القسم المُستخدم في موشّح (جادك الغيث): والذي أجرى دموعي عَندما عِندما أعرضتَ من غير سبب ضَع على صدري يمناكَ فما أجدر الماء بإطفاء اللهب. وعَندما الأولى من العَندم، وهو الدم، قيل دم الأخوين، وقيل دم الغزال. والله هذه اللغة مُبهرة جدًا، لا تنتهي أبدًا. إذا رحمني الله وأدخلني الجنة سأسأله الله أن أحيط بهذه اللغة وأن أعرفها معرفة تامّة وأتحمّل جمالها من كلّ ناحية ومعنًى، أن أسير في الجنّة أنظم الشعر وأردده وينساب على لساني بأطيب الكلمات وأجملها.

أوراق الورد، الرافعي.

‏اللهم صلّ على سيدنا محمد طب القلوب ودوائها، ونور الأبصار وضيائها، وروح الأرواح وحياتها، اللهم صلّ عليه صلاة وسلامًا دائمين أبدين إلى يوم الدين، تغفر لنا بها ذنوبنا وتكفر بها عنا سيئاتنا، وتحشرنا بها معه يوم القيامة تحت لوائه، وتسقينا من يده الشريفة شربة ماء، لا نظمأ بعدها أبدًا.

في هذه الأيام تبلغ بَراح عامها الثاني، وصدقًا لطالما كانت لي مكانًا واسعًا حقيقيًا يتحمّل صراحة بوحي وقلّة صبري على ما أشعر، وشدّة توقي إلى الحريّة.. أحبّ هذا المكان بصدق، وأذكر أنّي أُلهمت تسميته من اقتباس كان فيه "كلّ مكان على سعته ضيّق، كأنّ وجودك شرط من شروط البَراح"، ورأيت أن وجود البوح هو شرط براح نفسي. كانت تلك هي المرة الأولى التي أعرف فيها لفظ البَراح، أدهشت بسلاسة النطق، وحنوّ مبناه واتّساع معناه، وقلت لا عجب إنّها العربيّة! البَراح؛ اسم للشمس، وهو من السَعة، ويقال (تحدّث في موضوعه براحًا) أي علنًا وصراحة، وأرض براح يعني شاسعة.. وهنا شمسي وأرضي وصريح ما أحمله في فؤادي ولا أخشاه مهما كانت عواقبه، لأنّي آمنتُ بالصدق، وقدّرتُ الوضوح. أتمنّى أن تظلّ هذه الشمس ساطعة بدفء بلا إحراق ولا شدّة، وأن تنبت في أرضي الشاسعة أطيار تحوّلها سماءً، وأن أبقى دائمًا.. دائمًا أتحلّى بشجاعة البَراح عن ما يجول في الفؤاد. ظِلّ إنسان محاوِل، غدًا يموت ويحيا منه أصلحه.