هيثم سمير عبد الحميد

واعلم انه ليس من التنقيص المذموم اعتراض بعض العلماء على بعضهم وتغليطهم في بعض مقالاتهم فان ذلك امر ممدوح في الشرع لاظهار الصواب محمد بن سليمان الكردي- الفوائد المدنية

لا يفشو أبدا باطل محض وينتشر كفكر ومذهب، وأزعم كل باطل ينتشر لابد أن يكون قد مزج بشيء من الحق يسيغه ويعطيه قبولاً عند الناس -كثر هذا الحق الممزوج او قل- ومن العوامل التي تساعد على انتشاره هو وجود فجوة حقيقية وفراغ لم يملأ بالحق فيسهل ملأه بالباطل، لذلك كان من أهم العوامل المهمة في دفع الباطل هو العمل على سد الفجوات والثغرات بالحق ما استطعنا بالحق، ولا أبالغ إن قلت أن هذا أكثر أهمية وفعالية من مسلك التفرغ لهدم الباطل. فمسلك بناء الحق في النفوس وسد الفجوات به ينبغي أن يكون هو المسار الرئيس واما الوسائل الهدمية للباطل فتكون تابعة للمسلك البنائي، فالأمر بالمعروف مقدم على النهى عن المنكر خصوصا المنكر الذي قد يلتبس على البعض لما امتزج به من بعض الحق يسيغه.

العقيدة الحقيقية هي الأفكار التي تتملك الإنسان فتصنع منظوره للأقوال والأفعال والأحداث فيرى ويسمع ويحكم من خلالها وهي التي تسيطر على جميع قواه بحيث تكون هي الموجه الأقوى لها وأكثر الناس وأن كانوا مسلمين -وأنا منهم- وإن صح اسلامهم في الجملة لم يلزم ان يكون الإسلام قد صار لهم عقيدة حقيقة. ومن المهم هنا ادراك أمور: أ- ان ذلك يتفاوت فمن مسلم لا يؤثر الإسلام في رؤيته للأمور ولا في توجيه قدراته إلا بالنذر اليسير ومنهم من يكون لذلك تأثير متوسط ومنهم من تكون العقيدة متغلغلة في قلبه وهذا من تفاوت الناس في الايمان الذي أثبته السلف وأهل الحديث. ب- أن من الناس من يكون الإسلام له عقيدة مسيطرة على قواه وأفكاره في مجالات محددة فقط دون غيرها وهي التي لم يعارض فيها الإسلام فكرة أأكثر ترسخا في القلب أو شهوة متجذرة أو هوى راسخ او عادة متأصلة فلا يفلح ما في قلب العبد من إيمان في محوها لضعفه وقوتها. ج- وإن قلنا أن أكثر المسلمين لم يتحقق بالعقيدة الإسلامية وتترسح في قلوبهم كما ينبغي وهذا هو أحد أهم الفوارق بيننا وبين الصحابة والسلف رضي الله عنهم، إلا ان من المسلمين من يكون واعيا بذلك مدركا لنقصه ساعيا في اصلاحه، ومنهم من يكون مغبونا مغرورا يظن كماله وهو ناقص

وإذا أضاء لك الفجر على الطريق فاسلكه، حتى تطلع الشمس فيرتفع اللبس. ابن العربي المالكي

إن الله خلق العبد جسماً مواتاً، ثم نفخ فيه الروح، فإذا به قد صار حياً عَالِماً، قادراً، سميعاً، بصيراً، حكيماً، مُدَبِّراً. فَإِذَا رَدَّ العَبْدُ نظره إلى نفسه، ورآها على هذه الصفات، متمكناً في هذه المرتبة باقتران معنىً موجود بالذات سماه الله روحاً تارة، وسماه نفساً أخرى، ولم يقدر العبد على إدراك حقيقةِ هذا المعنى الذي اقتضى اقترانَهُ بالذات وجودُ هذه الصفاتِ، كان ذلك دليلًا على صحة الاستدلال على وجود الله تعالى بأفعاله، وإن لم تدرك ماهية ذاته، ولا يقدر عاقل أن ينكر وجود الروح مع نفسه لوجود أفعاله، وإن كان لم يدرك حقيقته، كذلك لا يقدر أن ينكر وجود الباري سبحانه الذي دلت أفعاله عليه وإن لم يُدْرِكْ حقيقَتَهُ. ابن العربي المالكي

خاطرة اخرى عن التعصب

لا يعني كلامي هنا عدم انكر المنكر والرد على البدع وقد أكدت ذلك بكلامي اكثر من مرة في التسجيل المشار اليه وإنما يعني ان إنكار المنكر ان انكرته ينبغي أن يكون بعدل وبحكمة بما لا يؤدي الفتنة والفريق بين المسلمين فلينتبه

عن ابن عباس، في قوله تعالى: {وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره} [الأنعام: 68]، وقوله: {فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه} [آل عمران: 7]، وقوله: {ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله} [الأنعام: 153]، وقوله: {أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه} [الشورى: 13]، وقوله: {إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا} [الأنعام: 159]، وقوله: {ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا} [آل عمران: 105]، وقوله: {وتقطعوا أمرهم بينهم} [الأنبياء: 93]. ونحو هذا في القرآن كثير. قال ابن عباس: «أمر الله تعالى المؤمنين بالجماعة، ونهاهم عن الاختلاف والفرقة، وأخبرهم أنه أهلك من كان قبلهم بالمراء والخصومات في دين الله» الإبانة لابن بطة

لثاني: وهو أنه تعالى لما أمر بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وذلك مما لا يتم إلا إذا كان الآمر بالمعروف قادرا على تنفيذ هذا التكليف على الظلمة والمتغالين، ولا تحصل هذه القدرة إلا إذا حصلت الألفة والمحبة بين أهل الحق والدين، لا جرم حذرهم تعالى من ‌الفرقة ‌والاختلاف لكي لا يصير ذلك سببا لعجزهم عن القيام بهذا التكليف، وعلى هذا الوجه تكون هذه الآية من تتمة الآية السابقة فقط. تفسير الرازي