[ذاكرة المواقف ٢]
بسم الله الرحمن الرحيم
كنت أصلي التراويح خلف الشيخ عبد الخالق علي- إمام مسجد الجمعية الشرعية الرئيسية بالقللي- في سنة من السنوات قبل ٣٠ عاما، وفي يوم من الأيام كانت إذاعة المسجد في أسوأ أحوالها، فقال الشيخ عبد الخالق في الميكروفون مسمعا كل الناس ومهددا إدارة المسجد: " لن أصلي بكم غدا إذا ظلت حالة السماعات على ما هي عليه اليوم".
وفي اليوم التالي كانت حالة السماعات على ما هي عليه في اليوم الذي قبله، فلم يُصلِّ الشيخ عبد الخالق بالناس ولا حتى صلاة العشاء وصلى مكانه شيخ أزهري يعرفني شخصيا، حيث إن له درسا أسبوعيا في المسجد الذي بجانب بيتي، وهذا الشيخ طيب جدا وصاحب خلق عال إلا أنه ضعيف القراءة جدا وعنده شيء من اللثغة في لسانه وقراءته غير واضحة ، وبعد أن انتهينا من صلاة العشاء.. نظر الناس خلفهم فوجدوا الشيخ عبد الخالق علي واقفا في آخر المسجد بجانب بابه وهو يضحك متشفيا فيهم وفي الإدارة وكأنه يقول لهم بلسان حاله: " ألم تروا الفرق بيني وبين من صلى بكم! أنا حذرتكم ولكن أنتم الذين فعلتم هذا في أنفسكم، فتحملوا أنتم نتيجة تقصيركم".
وهذا الشيخ الأزهري الذي صلى بنا ويعرفني وأعرفه.. يعلم أني مواظب على التراويح في هذا المسجد، فبحث عني بشدة قبل الدخول في صلاة التراويح، وطلب مني أن أصلي بالناس لأنه يعلم أني خاتم للقرءان وكنت أصلي بهم إماما في المسجد الذي بجانب بيتي، فوافقت حتى أرفع عنه المشقة والحرج، وأتذكر يومها السورة التي كان عليها الدور في القراءة وهي سورة (فاطر) وفيها من الآيات التي تتكلم عن وعيد الكافرين بالعذاب الأليم مما يزلزل القلوب، وكان أدائي في صلاة تراويح هذا اليوم ليس على ما يرام، نظرا لسوء السماعات أولا، ورهبة الموقف الذي لم يكن في الحسبان ثانيا، وعلى الرغم من ذلك فقد سمعت المسجد يضج بالبكاء لما يسمعون من الآيات التي تخلع القلوب بالرغم من سوء الصوت، وانتهيت من صلاة الركعات الأربعة الأُوَل، ثم جلست في مكان صلاتي الذي يجلس فيه الشيخ عبد الخالق حتى نستمع للدرس الذي يُلقىٰ بعد هذه الأربع، وأثناء ذلك فوجئت بالشيخ عبد الخالق قادما من حجرة إمام المسجد التي بجانب بابه.. وجدته قادما وعلامات الغضب واضحة جدا على وجهه، وحينما اقترب مني أحرجت منه، فقمت وتركت له المكان وجلست في صفوف المصلين، فهمس أحد المصلين في أذني وقال لي: "لقد أحرجتَه!".
ثم صلى الشيخ عبد الخالق الأربع ركعات الأخيرة وحاول جاهدا أن يأتي بكل مهاراته في الصوت والأداء حتى يُنسِيَ المصلين صلاتي بهم.
كانت أياااااام.