جهاد حلس

لا توجد في حياة الخيام خصوصية بسبب تلاصقها، فأنت تسمع همس جارك، وتمتمات حديثه !! ‏فكيف إذا كان جارك قد أوتي مزماراً من مزامير آل داود، يصدح بالقرآن آناء الليل وأطراف النهار بصوته العذب الذي يبعث في القلب السكينة والأمان، ما أجمل التنصت حينها، وما أروع استراق السمع !!

لن يقدر على وقف هذه الحرب سوى الله، كلما أوقدوا ناراً للحرب أطفأها الله، فاللهم أطفئ هذه الحرب بقوتك، وأوقفها بقوتك !!

اللهم أبدل أصحاب هذه الخيام قصوراً في الجنة !!

لعل ألم قلبك هذا هو آخر ما تبقى لك من انتمائك لأمة الإسلام، أرجوك لا تُخمده !!

‏وأنا أمشي في شوارع غزة، وأسير في أزقتها، وأتنقل بين خيامها، تكاد العبرة تخنقني حين أتأمل في وجوه أطفالها الكالحة، وأرى الشيب يغزو مفارق شعورهم، والجوع ينهش أجسادهم الضعيفة، وكأنهم قد كبروا خمسين سنة من كثرة الهم والغم !! ‏كيف لا، وهذه الأهوال التي يعيشونها تشبه أهوال يوم القيامة، الذي قال الله في وصفه، يوماً يجعل الولدان شيباً !! ‏اللهم أطفئ هذه الحرب لأجلهم، وعوضهم عن كل مُر مر بهم، وكل ألم ألمَّ بهم، واجعل أيامهم القادمة هانئة آمنة، لا خوف فيها ولا جوع ولا وجع !!

الحرب على غزة تدخل شهرها التاسع، لا تعتادوا المشهد، فالله يرى ويشهد !!

شكت لي زوجتي من الشدة التي نعيشها، وقسوة الحرب التي قلبت حياتنا، فقلت لها؛ أتحبين أن تعيشي في أعظم قصور الدنيا، وكل كنوز الأرض تحت قدميك، وجميع ملذات الدنيا بين يديك، لكن بشرط واحد، أن يُسلب منك دينك !! ‏فقالت؛ لا والله، فالموت أحب إليَّ من ذلك !! ‏فقلت لها؛ أرأيت كم نحن في زحام من النعم، أن جعلنا الله مسلمين، وهدانا إلى صراطه المستقيم، فهل هناك نعمة أعظم من هذه ؟! ‏فقالت لا والله، فقلت لها، فصبر جميل، فغداً يُقال في جنة الأبرار، سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار !!

اللهم إن لك عباداً في غزة يرجون رحمتك فارحمهم، وينتظرون فرجك فبشرهم، ويسألون أمانك فآمنهم، ويرجون عافيتك فعافهم، ويحبون كرمك فأكرمهم، ويأملون جبرك فاجبرهم، ويتوسلون لطفك فالطف بهم !! ‏اللهم رحمة بأطفالهم، استجب دعاءنا ولا تردنا خائبين !!

شتان بين من يتابع أخبار غزة ويتألم لحالها، ومن لا تهمه سوى أخبار كرة القدم، إذا أردت أن تعرف عند الله مقامك، فانظر فيما أقامك !!

كلما قرأت هذه الآية تأثرت بها كثيراً وكأني أقرؤها لأول مرة، وكأنها على أهل غزة أُنزلت !!