cookie

ما از کوکی‌ها برای بهبود تجربه مرور شما استفاده می‌کنیم. با کلیک کردن بر روی «پذیرش همه»، شما با استفاده از کوکی‌ها موافقت می‌کنید.

avatar

بذرة وفكرة

شيء من وحي الخاطر | محمد بن هيكل الأكحلي.

نمایش بیشتر
پست‌های تبلیغاتی
687
مشترکین
+524 ساعت
+97 روز
+12730 روز

در حال بارگیری داده...

معدل نمو المشتركين

در حال بارگیری داده...

الأمر محرج يا سادة! ولكنهم أصروا عليَّ لأنهم يرون أني "مطوع" وعيني قصيرة! والوقت كان وقت زحام لا يحتمِل المفاوضات! فقلتُ في نفسي فقط سأناولهم الأطباق إلى خلف الحجرات العائلية المغطاة بالستائر، ولن أرى شيئاً.. لكني حين ظهرتُ لأول وَهلة صُدِمتُ حقاً، وشيء من اللا شعور أصابني، وكل الأصوات حولي خَفتَت وكأني في حلم! ولم توقظني إلا يد المشرف على كتفي وهو يقول: أسرع يا مطوع! ما ذلك يا سادة! رأيت النساء يأكلنَ مع الرجال! الصالة كلها مكشوفة والنساء متبرجات كأكثر ما يكون، وكاشفات وجوههنَ مع شيء من الشعر والسواعِد ويكأنهنَ في بيوتهن! ذلك أن المطعم مليء بالمُكيفات والمراوح فيدخلنَ النساء والشابات للتبرد من حر الشوارع! عيني ترى جمال الشابات، وأنفي يشم أطيب الروائح والعطور هناك! وهن يأكلنَ ويتضاحكنَ أمام الرجال! في منظر يفتِن أي رجل ولو كان راهباً متعبداً! تريدون الحق يا سادة؟ لم أرَ رجلاً واحداً في تلك الصالة. فالرجل لا يُحضِر نساء بيته ليأكلنَ أمام الرجال وهم ينظرون إليهن! وقبَّح الله الحرية والانفتاح الذي يريدون تطبيقه! وما ذلك إلا طريقاً إلى العهر والفساد.. واعذروني على شناعة الألفاظ! قدَّمتُ وجبتين أو ثلاثة لبعض كبيرات السن في الطاولات أمام الباب، ثم غادرتُ مسرعاً إلى صالة الرجال.. المشرفون أخبروا المدير، وتم استدعائي إلى الإدارة، ويسألني المدير -وهو رجل ملتحي ويزعمون أنه ابن شيخ كبير- فقال لي: ما لك يا مطوع؟! قلت له: ما لي؟ هذه صالة طعام؟! هذه صالة أفراح وليس طعام! فضحك وقال لي بكل برود: الضرورات تُبيح المحظورات! ناقشته بشدة وأنا أكتم غضبي من جرأته على الدين، وسردت له ثلاثة أحاديث نبوية، تلك التي كنت أحفظها في ذلك الوقت، وأنا أدري أنه يعرفها وغيرها أكثر مني، ولكنه بدأ يبرر لي أن الحجرات المغلقة كان يقع فيها أمور أكبر من هذه، وأن هذا أخف الضررين، قلتُ له: ولِمَ لا تصنع حلاً وسطاً كأقل شي.. أن يتم تركيب ستائر مُتدلية من السقف، تنزل إلى سطح طاولة الطعام، فتغطي رؤوس وصدور الجالسين، بحيث ترى الرجل وامرأته من الخارج وهي متسترة، ولو كشفت وجهها لا يراها أحد.. ويتم حل المشكلة! ولكنه بدأ بالمراوغة وأن جميع مطاعم عدن هكذا، وأنني سأعتاد الأمر! خرجتُ من عنده وأقول ليته يحلق لحيته تلك، ولا أن يتستر بها أمام الناس ببعض القواعد الشرعية التي ليس هذا محلها! "الضرورات تبيح المحظورات!" نعم هذه قاعدة شرعية، ولكن هناك قاعدة شرعية أخرى تقيد هذه القاعدة وهي: "الضرورة تُقدَّر بقدرِها". ثم أين الضرورة في هذه الصالة أصلاً؟! لو اضطر الأمر يغلقها أو يحولها صالة رجالية وانتهى الأمر، وذمته سالمة صافية! أما أن تُهيئ المنكر والمعصية للناس، وتتحجَّج أنها ضرورة، وتريد السلامة بعد هذا؟! هيهات.. لن تشم ريحها حتى! ولا زلتُ إلى الآن أذكر موقفاً شهماً حدث أمامي، حين أتى شاب صنعاني تبدو عليه (الشحطة) ومعه زوجته في السيارة، ثم نزل وحده وقال لي وللعمال أين صالة العائلات؟ أشرنا إليها فدخل وحده، وما أن دخل حتى خرج مسرعاً غاضباً وصوته ملء المطعم باللهجة الصنعانية: "جد أنا جليل حيا لو أديتها هانا" ويقصد: "أنا قليل حياء إن أحضرتُها هنا" يقصد زوجته. ثم غادر المطعم على الفور، في مشهد كان الجميع ينظر إليه ويُخفون إعجابهم به، فقلتُ لهم: هذا هو الرجل الصح! فرَمَقوني بأعينهم، ثم انصرفنا. ثم قصة أخرى مُحزنة أيضاً.. واعذروني، ولكنه الواقع! ذلك أنه كان في كل ليلة كان يبقى الكثير من الطعام من بعد الزبائن وبعضه من المطبخ، فيضعونه في القمامة أعزكم الله! بعض الطعام يكون نظيفاً جداً ولم يُمسك به أحد! أو يأتي أحد المُبذرين -من المنظمات أو المسؤولين- ويحجز طعاماً بثلاثين أو أربعين ألفاً ثم لا يأكلون ولا حتى نصفه! والباقي أكثره يُرمى بعد أن يأخذ بعض العمال ما يشتهونه منه، بدلاً عن قليل الطعام الذي يُقدم لنا! ولم أكن أرتضي أن أأكل بعد أحد ولو لقمة واحدة! ولو كان طعاماً غير ممسوس! ولم أكن أقبل أخذ (البقشيش!) التي فيها ذلة وخنوع للزبون، وهو يعطيك إياها متفضلاً عليك، فاليوم يعطيك وغداً يرفع صوته عليك إذا تأخرت وجبته! كان العمال يستغربون من فعلي هذا، ولكني لم أكن أستغرب حين أرى بعضهم تتم إهانته من الزبائن! لأنهم هم الذين وضعوا أنفسهم في هذه الحالة! ولكني لم أكن أعيب على من يأكلون ما بقي من طعام، فالطعام نظيف، وأكله أفضل من إهداره. وذلك الطعام الذي كان يُرمى، يمكن أن يكفي أكثر من ثلاثين شخصاً يومياً. ذهبتُ مرةً إلى المدير -المطوع مظهراً فقط!- وأخبرته أن هذا إهدار لنعمة الله رغم وجود من يستحقها. أخبرته أنني يومياً في وقت الاستراحة، حين أذهب لصلاة العصر في المسجد القريب أرى الكثير من المُهمشين راقدين في الشوارع، باحثين عن الظل من حر الشمس وعن الطعام! فلماذا لا نرتب الطعام في أكياس ونوزعه لهم؟! وقلتُ له أنا سأتكفل بالأمر في طريقي للمسجد.
نمایش همه...
قال لي: حدث مرةً أن أحد المطاعم فعل مثل هذا، ومرض بعض الناس في الشارع وقامت البلدية بمحاكمة المطعم وتغريمه لعلاجهم. قلتُ له: هم مرضوا مرةً واحدة من الطعام، ولكنهم يمرضون كل يوم من الجوع! أفنجعل الشاذ قاعدة؟! ثم إن طعامنا نظيف! وسيتم توزيعه لهم بعناية. قال لي: أنت ستفعل لنا دوشة! قلت له: سأوزع لهم الطعام بعد نهاية الدوام، الساعة الثانية عشرة ليلاً، في أكياس ليس عليها اسم المطعم، وهكذا لن يعلم أحد من الذي أعطاهم، ونكون قد قدمنا لهم الخير بطريقة آمنة! ولكنه بدأ بالتعذر والتحجُّج مرة أخرى، وخرج من الموضوع سامحه الله! وهذه القصص وخاصة مع هذا المدير، أنقلها لكم بحروفها هنا، وأنا مسؤول عما أكتب، ولستُ أقلق حتى إن وصلت إليه وقرأها، ولكن ليعلم الناس ما يحدث هناك في المطاعم. كانت هذه القصة في آخر أسبوع لي عندهم، ثم بدأتُ أشعر أن عليَّ المغادرة، وليس هذا السبب الوحيد ولكن بجانبه أسباب أخرى.. وذلك أني أقضي في العمل أربعة عشر ساعة يومياً، ولم أكن أقرأ إلا ساعة ونصف يومياً فقط! هي ساعة الاستراحة في العصر، فكان وقتي مهدوراً ولأجل راتب لا يسوى خمسين دولاراً بعملة تلك المنطقة! وأما عن القراءة.. أربعون يوماً كانت على قسمين: عشرون يوماً قرأتُ فيها كتاباً أدبياً دسِماً.. قريباً من ستمائة صفحة، والعشرون الأخرى كتبتُ فيها قريب من مائة صفحة من الفوائد التي كنتُ أضع لها (لقطة شاشة) من ذاك الكتاب، ولا أزال حين أقرأها الآن أستذكر تلك الأيام! لم أفارق الوِرد اليومي من القرآن في تلك الفترة طبعاً، وهنا أتقدَّم بالشكر للأخ المشرف عليَّ، وذلك أنه كان ممنوع استخدام الهواتف أثناء الدوام، ولكنه كان يسمح لي بساعة يومياً عند قلة الزبائن أقرأ فيها جزئين، لم يُسمح لي بهذا إلا بعد أن تأكدَت الإدارة بكاميرات المراقبة أني لا أتسلى بالهاتف في مواقع التواصل! وأختم هذه الحلقة بشيء من الطرافة! من منكم يعرف كرتون "سبونج بوب!"؟! مجموعة من الحيوانات البحرية يعملون بداخل مطعم مستر سلطَع في قاع الهامور! حماسة سبونج بوب! تشاؤم شفيق! جشَع مستر سلطَع! ثقالة دم بسيط! كل هذه الأشياء تراها في كل مطعم كبير! لن أذكر الأشخاص ولكني كنتُ أنا وكثير من العمَّال شبيهين بـ سبونج! وغيرنا شبيهون بمستر ... وشفيق و...! المهم أيها السادة! اقترفتُ هناك ذنباً دون أن أعلم! كان لدينا وجبة اسمها "بروست بنجيز" وهي مشهورة في المناطق الساحلية، وهي عبارة عن أذرع حيوان الحبار مقلية بالزيت بطريقة البروست الشهيرة! كنتُ أقدمها بشكل يومي للزبائن لأنها مرغوبة عندهم، ولم أفكر يوماً بما أفعله! حتى اكتشفتُ يوماً أن ذلك "البنجيز" هو حيوان "حبار البحر"! وماذا يعني هذا؟ هذا يعني أني كنتُ أرتكب جريمة وأنا أضحك في وجوه الزبائن! هذا يعني أني أقدم لهم "شفيق حبار" مقتولاً مطبوخاً يا سادة! شفيق الذي لطالما كان صديقاً لـ سبونج بوب رغم تشاؤمه! والذي كنتُ أحب مشاهدته في صغري! ها قد تلوثت يدي بدمه! ربما يكون الأمر تافهاً.. لكن مُحبي ذاك الكرتون يُقدرون شعوري الآن! حين تُقدم أبطال طفولتك للناس وهي مقتولة مطبوخة! :) ... تباً! وفي آخر يومين لي في المطعم كنتُ قد نويتُ السفر حقاً إلى صنعاء، فعزمتُ أمري واستشرتُ بعضاً من أهلي واستخرتُ ربي، ثم أخبرتُ الإدارة ليجهزوا لي راتبي وبطاقتي، وكانت نهاية شهر.. وهذا لم يعجبهم! من الذي سيتعامل مع الأجانب بعد اليوم؟! المطوع سيسافر! وهذا كان اسمي المشتهر في المطعم.. وأحببته جداً! :) ثم أرسلوا لي مع المشرف أنهم قد رفعوا راتبي ٣٠٪، ولكن كان الأوان قد فات! لم أكن بتلك القيمة عندهم؛ فأكثر العمال القدامى كانوا أمهر مني وأسرع، ولكني ربما سددتُ لهم ثغراً وهو خدمة الزبائن الأجانب! عزمتُ حقاً على الرحيل، وودَّعتُ الأصحاب، وأخبرتُ الزبائن الأجانب قبلها بيوم ووالله إنهم حزنوا، والإخوة الأثيوبيين حزنوا وقال لي أحدهم بلهجته المكسرة: "مطوع يسافر، أورمو ما في صلاة!"... لكني نصحتُهم، وأنا أحوج منهم إلى النصيحة! استلمتُ راتبي مساء الجمعة، وباتَ معي تلك الليلة فقط، ثم اختطفتُه ووضعتُه في (جونية!) وسافرتُ في الصباح! :) دمتم بخير! وأرجو من شفيق أن يسامحني! 🖋️ محمد بن هيكل الأكحلي - ١٨ ذي القعدة ١٤٤٥. قناة بذرة وفكرة: t.me/bethrahwafekrah
نمایش همه...
بذرة وفكرة

شيء من وحي الخاطر | محمد بن هيكل الأكحلي.

82- أربعون يوماً نادِلاً في مطعم! (الجزء الثاني) أيها السادة.. اعذروني في أن ألبس بدلة السَاسَة قليلاً فقط! دولة أثيوبيا القابعة في قارة أفريقيا، وعاصمتها الشهيرة "أديس أبابا"، يبدو أنها لا تُكفي سكانها حق المعيشة والمواطَنة! وإلا فما بال الكثيرون منهم ينزحون إلى بلادنا اليمن ودول الخليج العربي؟! يُصوبون قواربهم نحو السواحل اليمنية التي لا يُرَد فيها أحد! حتى أنك تتعجب كيف يسلمون من قراصنة الصومال الذين يلعبون دور "قراصنة الكاريبي" في البحر العربي! ربما لأنه لا شيء لديهم، وجيوبهم فارغة، وقادمين إلى اليمن ليملؤوها! ... مساكين لا يعلمون كيف هو وضعنا! ما بال باب دولتنا مفتوحاً أمام الجميع؟! أوَ أصبحَت دولتنا أرضاً للمَهجَر وملجأً لبلدان الجنوب الأفريقي؟! لسنا نعترض على وجودهم؛ فالأرض أرض الله، وكل مسلم له حق في كل بلاد الإسلام، ولكن لو أن الأمر يتم تنظيمه ويخضع للرقابة! لو يتم حساب عدد الوافدين، وحالتهم الصحية، وسجلاتهم الجنائية وأمور أخرى.. لا أن يُترك الحبل على الغارب! حسناً.. سأعود إلى المطعم، خذوا عني بدلة السَاسَة حتى لا تتسِخ أكثر مما هي مُتسِخة بالسياسة الدولية الفاسدة! في المطعم الكثير من إخواننا الشباب من أثيوبيا، جميعهم مسلمين ولله الحمد، ولا تستغربوا من قولي هذا؛ فبلادهم فيها أكثر من أربعين مليوناً من النصارى الأرثوذكسيين! بينما المسلمون ما يزيدون عن عشرين مليوناً فقط! أولئك الشباب والذين يسميهم اليمنيون "الأورمو" نسبةً إلى بلدتهم بداخل أثيوبيا، عندهم همة ونشاط كبير للعمل، وكل من عمِل معهم يعرف هذا. لا يتلكؤون عن الأعمال الصعبة، ويحبون العمل الجماعي، بل كنا نراهم وهم ينظفون المطعم في الليل ويبدأون بالأهازيج والمهاجِل الشعبية بلغتهم الأثيوبية، في شكل حماسي جداً رغم أننا لا نفهم منهم شيئاً! وكنتُ حين أستيقظ لصلاة الفجر أجد واحداً منهم قد سبقني للصلاة، ثم صرنا نصلي جماعة مع اثنين آخرين من العمال اليمنيين، ثم بدأ يخبر أصحابه أن "المطوع" يصلي بنا الفجر جماعة، لأجدهم جميعهم يطلبون مني أن أوقظهم للصلاة، ولم يمر أسبوع في المطعم إلا ووجدتُهم جميعهم تقريباً يصلون الفجر، وأنا معهم واثنين يمنيين فقط. أولئك الشباب الذين يتم تهميشهم في المعاملة، ويتقزز الناس من بشرتهم السوداء، وألسنتهم التي لا تنطق العربية إلا مكسرة، أثبتوا لنا -نحن العرب اليمنيين الناطقين بالعربية!- أن الاستقامة تحتاج إلى قلب صادق فقط. وهم بهذا قد شابهوا جدهم صاحب رسول الله ﷺ، وأول مؤذن في الإسلام، والذي سمع نبينا ﷺ دف نعليه في الجنة، صاحب الكلمة الشهيرة "أحَدٌ، أحَد": بلال بن رباح الحبشي رضي الله عنه وأرضاه. حين أعتقه الصديق رضي الله عنه، قال يومها الفاروق عمر رضي الله عنه: "أبو بكر سيدنا وأعتقَ سيدنا" يقصد بلالاً رضي الله عنه. وهو بقوله هذا يطبق درساً تلقاه من رسول الله ﷺ؛ أنه لا فرق بين أبيض وأسود وعربي وأعجمي إلا بالتقوى. وواجبنا أن نطبق هذا الدرس حين نتعامل مع غيرنا! رضي الله عن صحابة نبينا ﷺ أجمعين، وجمعنا وإياهم مع نبينا ﷺ في جنات النعيم.. اللهم آمين. كان ذلك درساً لن أنساه في ذاك المطعم. ثم إنا كنا بعد صلاة المغرب نرتقب قدوم الصيادين لوجبة العشاء.. فيظهر علينا رجال ضخام الجسوم، حفاة الأقدام، ذوو أيدي ضخمة، ويأكل الواحد منهم مثل ثلاثة رجالٍ منا! أولئك صيادون في خليج عدن، ومع طبيعة عملهم على القوارب في منتصف البحر، يصارعون الأسماك والحيتان، لا شك أنهم من أقوى وأصح الناس جسوماً.. وتراهم حين تراهم كأنك ترى رجال الوثائقي الشهير "سمكة التونة العنيدة!" وفي ذاك المطعم لا تستغرب يوماً إن سمعتَ أصواتاً عالية بعد المغرب.. فتلك هي فِرَق كرة القدم! ذلك أن الأندية العدنية تنظم دوريات مستمرة، وعادةً ما يقوم المدربون بإحضار اللاعبين الفائزين ليحظوا بوجبة عشاء جماعية حماسية، الفريق الأساسي مع الاحتياطي مع بعض المشجعين، ويزدحم المطعم جداً مع أصواتهم العالية حتى أثناء الطعام! وليس هذا فقط.. بل يضعون الكأس في منتصف المائدة لتقر أعينهم أثناء الأكل! وهي حركة غير جيدة، ومُخِلة بالذوق العام أمام الناس، حين ترى مجموعة مراهقين يتصايحون وهم يأكلون! ثم أحدثكم عن أمرٍ محزن يحدث في تلك المطاعم الساحلية وجعلني في صدمة حقيقية. منذ أول يوم وأنا أعمل في صالة الأكل الرجالية، حتى حدث مرةً أن وباءً أصاب نصف العاملين، وتم إيقافهم جميعاً عن العمل حتى تتحسن صحتهم، حينها وقع ضغط عمل شديد على بقية العمال، وأصبحت صالة العائلات شبه فارغة من العمال مع كثرة الزبائن! جاء المشرفون يستدعونني أنا وبعض العمال لنغطي العَجز هناك في صالة العائلات، حاولتُ التملُّص ولكن دون جدوى!
نمایش همه...
بذرة وفكرة

شيء من وحي الخاطر | محمد بن هيكل الأكحلي.

قدِمَ يوماً ثلاثة هنود، فهيئتُ لهم الطاولة، وقال لي أحد العمَّال: اسألهم أي نوع من اللحم يريدون، ثم أردَف قائلاً: أعطِهم ثلاث بُرَم من اللحم البقري! التفتُّ إلى الرجل أضحك، وهو مستغرب! قلتُ له: هؤلاء هندوس يعبدون البقر، تريدني أن أقدم لهم إلهَهم المزعوم! مطبوخاً أمامهم؟! سيصرخون ويخرجون يبكون يا هذا! فضحك العامل وضحك الهنود معنا ولا يعلمون لماذا نضحك! ... هذه فقط بعض المغامرات في تلك الرحلة! وما بقيَت ستكون في المقال القادم إن شاء الله! دمتم بخير! 🖋️ محمد بن هيكل الأكحلي - ١٧ ذي القعدة ١٤٤٥. قناة بذرة وفكرة: t.me/bethrahwafekrah
نمایش همه...
بذرة وفكرة

شيء من وحي الخاطر | محمد بن هيكل الأكحلي.

81- أربعون يوماً نادِلاً في مطعم! (الجزء الأول) أيها السادة! تعالوا معي في رحلةٍ إلى أحد المطاعم السياحية! كنتُ ماكثاً في قريتنا بعد أن أكملتُ امتحانات السنة الأخيرة في الجامعة، فترة ذهبية قرأتُ فيها العديد من كتب الشريعة والأدب وليس عندي مواقع تواصل حينها، حتى وصلني اتصال من عمي يخبرني عن فرصة عمل في مطعم سياحي في مدينة عدن اليمنية.. التي تغزَّل بها المُتغزلون وسموها عروس البحر! حزمتُ أمتعتي تاركاً قريتي خلفي، وناظراً إلى عدن أمامي، عبرتُ الجبال والصحاري والقِفار على متن سيارة رباعية الدفع، حتى وصلتُ.. وأقول لكم: كأنما دخلتُ "التنور" الخاص بصناعة الكعك! من لا يعرف حرارة تلك المدينة سيظنني أبالغ! كنتُ أرى الناس في الشوارع سُكارى وما هم بسُكارى! أو ربما أني أنا السكران من شدة الحر! أمُر في الشوارع فأشم رائحة الطبخ في المطاعم، فأتعجب! لماذا الرائحة في المطاعم فقط؟ لماذا لا أشم رائحة الناس وهم يُطبَخون ويُشوون تحت حرارة الشمس؟! ذهبتُ أغتسل في حمامٍ عام، ولكن حرارة الماء جعلتني أقفز قفزةً مثل التي أقفزها مع الماء البارد! تباً.. ما هذا؟! الماء أسخَن من حر الشمس! تذكرتُ قول التكلام الضبعي: المُستجير بعمرو عند كُربته كالمُستجير من الرَمضاء بالنار! (الرمضاء هي التراب الشديد السخونة) وقصة هذا البيت أن عمرو بن الحارث مرَّ على كُليب وهو بين الحياة والموت بعد أنه طعنه جسَّاس، فاستجار به، فقام عمرو وقتله! وذلك الماء الذي استجرتُ به من حر الشمس، كان أنذل من عمرو بن الحارث ذاك! وأما تلك الحرارة اللافحة فقد ذكرتني بحديث نبينا ﷺ كما في صحيح مسلم، حين ذكر ﷺ العلامات الكبرى لقيام الساعة، فكانت العاشرة: "... وآخر ذلك نار تخرج من اليمن تطردُ الناسَ إلى محشرهم" إضافة إلى أن مدينة كريتر العدنية التي وصلتُ إليها هي المدينة الوحيدة التي تقع فوق أكبر فوهة بركان خامد في العالم! ثم قضيتُ أمشي في الشوارع في موقفٍ شبيهٍ بموقف القاضي عبد الوهاب المالكي رحمه الله؛ حين كان يطوف في أزقة بغداد، باحثاً عن عملٍ أو طعام، وهو من أئمة الدنيا في العلم حينها، فقال: بغــدادُ دارٌ لأهـل المـــال طيبةٌ وللمفاليس دار الضنك والضيقِ ظللتُ حيران أمشي في أزِقتها كأنني مصحفٌ في بيت زنديقِ! أنا كذلك كنتُ أمشي ولكني أبحث عن البرد! وعن الهواء النقي! ذلك أنني شعرت بضيق نفس قوي! ولكي أأخذ نفساً عميقاً كنتُ أشهق شهقةً أكبر من شهقة شاربي (الشيشة) اللعينة! شهقةً لو أن طفلاً أمامي لقمتُ بشفطِه إلى معدتي! ثم أزفر زفرةً بالهواء الساخن كما تفعل التنانين في مسلسلات الكرتون! ذهبتُ أتغدى في مطعمٍ قريب.. كان الطعام باهتاً لا طعم له عندي! والمراوِح في المطعم هزيلة جداً، وشكلها أخبرني أنها قد بلغت سن التقاعد! أسمع لها عجعجةً ولا أرى طحيناً! صوتها (تتزايط!) ملء المطعم، وليس ثَمَّة هواء بارد أشعر به! ذهبتُ أصلي في مسجدٍ قريب، وهنا كأن السعادة ابتَسَمت لي! ما أن دخلتُ لكأنما دخلتُ إلى ثلاجة! كان المسجد مليئاً بالمكيفات والمراوح، والهواء بالغ البرودة والإنعاش! وددتُ لو أني أصلي العصر أربع مائة ركعة بدلاً عن أربع! لم أرِد أن أفارق المسجد يا سادة! ولكن هذه مُنية لا تُحقق عند القائمين على المسجد! خرجتُ مرةً أخرى، واستقبلني صديق عمي، وذهب بي بسيارته إلى البحر الذي لم أستمتع بالنظر إليه وأنا في تلك الحالة! في الصباح ذهبتُ إلى المطعم الذي سأعمل فيه! استقبلني المشرف وأخذ بطاقتي الشخصية ثم عرَّف الإدارة والعاملين بي. دخلتُ أنظر إلى الجميع وهم ينظرون إليَّ! كانت وجوههم تنطقُ حسرةً عليَّ! كأنها تقول لي: أمَا وجدتَ أفضل من هذا المكان يا مسكين! بدأ المشرف بتعليمي الأساسيات؛ أصناف الوجبات وأسعارها، ومراسم تنزيل الأطباق إلى الزبائن وأشياء أخرى! أنا الذي ما عملتُ في مطعم قبل هذا، أقف الآن وأجدني ملزماً أن أحفظ اسم أكثر من مائة وجبة مع أسعارها! لو أنهم أعطوني كتاب أدب أو تاريخ لكان الأمر أيسر عليَّ! حفِظتُ الأطباق تدريجياً.. وكنتُ أستشير المشرفين والعمَّال القدامى في الأشياء الجديدة. مرَّ أول أسبوع وكان مُرهِقاً جداً.. أربعة عشر ساعة عمل يومياً، ولا يغرنكم أن تقديم الوجبات سهل للغاية! بل تبدأ المغامرة وأنت أمام الزبون وهو يتخير الوجبات، ويسأل عن هذه وهذه! ثم يُعطيك المال وتذهب إلى المحاسب لتشتري له وجباته، وتمُر في الزحام (وخاصةً وقت الظهيرة) وتذهب في طابور أمام المحاسب! ثم يعطيك الفاتورة تذهب بها أمام نوافذ المطبخ، وتأخذ مكانك مرةً أخرى في طابور الانتظار، ثم يعطيك الوجبات وهنا تكمن براعتك في ألعاب التوازن! حيث عليك أن تمُر من صالة الدخول المزدحمة جداً بالقادمين والمغادرين والعمَّال أمثالك.. عليك أن تمُر ومعك الأطباق دون أن تُسقِطها أو يسقط بعض الطعام منها.. والأمر صعبٌ لأنه وقت زحام، وتصِل حين تصِل إلى الزبون وأنت مُرهَقٌ وكأنك الناجي الوحيد من الحرب!
نمایش همه...
ثم لا تسألني عن شعورك إن قام الزبون بتغيير طلبه، وأراد تبديل الطعام! وكذلك لا تسألني عن وقت الزحام حين يجب على كل عامل أن يحمل معه ثلاثة فواتير على الأقل، وكل فاتورة فيها ما يزيد على عشرة أصناف من الطعام، وعليك أن تُنزلها جميعها لهم جميعهم في نفس الوقت، ودون أي نقصان أو تبادل في الأطباق! قلتُ لكم مَر أول أسبوع مرهقاً جداً.. كان العمل كثيفاً، خاصةً أن المطعم مُطِل على البحر بحوالي عشرين متراً فقط، والفصل كان فصل الشتاء، وهو الفترة الذهبية للسياحة في عدن! دخل العديد من العمَّال من بعدي، كما هو شأن المطاعم في المواسم السنوية، وكان المشرفون والعمَّال القدامى يرون أننا عالةً عليهم، ويجب أن نُتقن كل شيء ونتعلم السرعة مثلهم، هم الذين قضوا سنوات عديدة في هذا العمل! حين جاء الأسبوع الثالث تغير كل شيء! كنا قبل الظهيرة نرتب الطاولات والمقاعد استعداداً لزحام وجبة الغداء، وفجأةً ظهر رجل باكستاني، دخل ليتغدى ولكنه لا يتكلم العربية، فبدأ العمَّال ببعض حركات المُهرجين أمامه قاصدين أنها لغة الإشارة، ولكن دون جدوى! ثم تركوه على الطاولة بعد أن أصابوه باليأس! وراحوا يناقشون المشرف حول ماذا يقدمون له من طعام. وهنا استغللتُ الفرصة لأظهر لهم بعض مهارتي! ذهبتُ إلى الرجل ولم أبدأه بالسلام، حذراً أن يكون غير مسلم، وحدثته بالإنجليزية.. مرحباً بك وكيف حالك وماذا تريد؟ رد عليَّ بفرح بعد أن وجد أخيراً من يفهمه! فرفع صوته فرحاً: وأين أنت منذ قليل؟ أصدقاؤك ما فهموني! انتبه هنا العمَّال وأحد المشرفين، ورأوني أحدثه، فأتوا جوارنا يُحدقون في وجهي ووجهه ونحن نتحدث بالإنجليزية، وكأنهم ينظرون إلى مخارج الحروف من أفواهنا! لقد رأوني كبيراً حينها.. يا إلهي! لدينا عامل يتحدث باللغة الباكستانية! هم لا يعلمون أنها كانت فقط اللغة الإنجليزية؛ لأنهم ربما كانوا يهربون من دروسها في المدارس! طلب مني الرجل وجبته، فذهبتُ أحضرها وأنا رافع رأسي والجميع يوسعون الطريق لي! قلتُ في نفسي: أين أنت أيها الباكستاني منذ أول يوم! تناول الرجل وجبته وغادر المكان وهو يبادلني أبلغ التحيات بالإنجليزية، وحدثني عن نفسه وأنه مسلم وطبيب ويعمل في مستشفى قريب من المطعم، فأخبرته أن يخبر أصدقاؤه ليأتوا عندنا في أي وقت. ما إن غادر، حتى تجمع العمَّال حولي يستجوبونني عن ماذا كنا نتحدث؟ ومن هو؟ وما هي لغته؟! كنتُ أحدثهم وأضحك، وأقول لهم لقد أخفتم الرجل! لا أظن أنه سيأتي مرةً أخرى! (طبعاً تعلمون أني لا أحدثهم بالفصحى، وإنما باللهجة التعزية المكسرة :)) لم ألُم أبداً أولئك العمَّال على استغرابهم؛ وذلك أن المرء عدو ما يجهله، وأكثرهم أصلاً لم يكملوا الدراسة، وبعضهم قد دفن عمره في المطعم، يعمل ويأكل ويمضغ القات فقط! تأسَف حين تنظر إلى وضع شبابنا وهم يدورون في دائرةٍ مغلقة من الأكل والعمل وليس فيها علمٌ ولا تعلُّم! لستُ أبالغ إن قلتُ أني كنتُ أنا وواحد آخر غيري الجامعيَين الوحيدَين من بين أكثر من خمسين عاملاً! مَرَّت الأيام وبدأ الباكستانيون يتوافدون علينا، وأول ما يظهرون يسأل أحدهم: "وير إيز موهاميد ويذ جلاسس؟!" ويقصدون: "أين محمد ذو النظارات!" فأظهر أنا رافعاً يدي من بين الزحام، قائلاً: ها أنذا! إني قادم! ولكن طبعاً أقولها بالإنجليزية! "أم هير! كامينج ناو!" وهذه المرة.. ليس العمَّال فقط، بل ترى حتى الزبائن ينظرون إليك وأنت تتحدث الإنجليزية! لا أقول أن لهجتي قوية وشبيهة بلهجة الأمريكيين، لا أبداً، بل رديئة جداً.. ولكن لأني شاب ذو لحية فالأمر غريبٌ عندهم من هذه الناحية! هذا رغم أنها نصف لحية، فكيف لو كانت لحيةً كاملة؟! ولا يخفى عليكم أن سبب هذا هو النظرة الخاطئة عند الناس أن ذوي اللحى هم فقط دراويش في المساجد! وليسوا كذلك. تعرفتُ على ثلاثة من أولئك الأطباء الباكستانيين، وقعدتُ يوماً معهم في طاولة نتكلم ونضحك، في منظرٍ أعجَبَ صاحب المطعم، ويخالُ لي أنه حين رآني معهم، بدأت تظهر في عيناه صورة الدولارات تماماً كما يفعل (مستر سلطَع) في كرتون (سبونج بوب!) بدأوا يمازحونني حول لحيتي، ويحدثوني عن "أسامة بن لادن" وعن الإرهاب وأحداث الحادي عشر من سبتمبر! كنتُ أضحك وأتعجب معهم حول الأمر، ولكني أعتصِر ألماً بداخلي، كيف تشوَّهت اللحى أمام العالم! سنة رسول الله ﷺ التي كان يتشامخ بها رجال العرب والإسلام أمام المجوس والفرس والروم.. هل صارت اليوم رمزاً للإرهاب؟! قد قرأتُ عن ذلك كثيراً، ولكني لأول مرة أعيش ذلك الأمر. وخلال تلك الفترة بدأ أيضاً بعض الهنود يتوافدون على المطعم، ولكنهم لم يكونوا مسلمين، بل هندوسيين يعبدون البقر قبَّحهم الله، ولكن ديننا يأمرنا بالإحسان إليهم ومعاملتهم بالرفق ما داموا مُسالمين؛ ليَروا أخلاق المسلمين. كنتُ أحدثهم بالإنجليزية إلا أنهم يُكسروها كثيراً كما هو معروف عنهم، ولم يكونوا كأولئك الباكستانيين الذين هم شبه متقنين لها!
نمایش همه...
السلام عليكم. كيف حالكم جميعاً. أود أن أحذف البوت ورابط الحساب من القناة؛ لأركز أكثر على الكتابة، واعذروني في الانقطاع عنكم. سأنشره بعد أن أكمل سلسلة المقالات إلى المائة.. وفي هذه المدة سأكتب كثيراً إن شاء الله. من أحَب شيئاً وأحَب نشره فليفعل وله الشكر، ومن لم يُحب فلا بأس. سأُبقي الرابط هنا إلى غداً مثل هذا الوقت إن شاء الله.. أود أن تكتبوا لي آخر رسائلكم وتوجيهاتكم: t.me/SY8Bot?start=wbhwi00Swb خالص مودتي.
نمایش همه...
• طريق الغبار والمطر! في الحديدة، كانت النار تشتعل من تحت الرمال، والغبار يتطاير ويرتطم بالوجوه كلكمات سريعة، يذكّر كل من تطأ قدمه الطرقات في هذا المكان أن الصمود عملة نادرة. هنا، قضيت أسبوعًا كاملًا، والأيام تبدو عصيبة، يكاد ذوبان الحلم أن يحتل التفاصيل المختبئة في زوايا الرحلة. واليوم قررت السفر إلى صنعاء. السيارة تشق الطريق ببطء، تُبحر في قلب صحراء لاهبة كدلو يسحب ماءً من بئر. كيف يمكن للمرء ألا يعترف بعظمة خلق الله في هذه التحولات المفاجئة، عندما تحولت السحب في لحظة من نار مشتعلة إلى صنبور ماء، وبدأ صوت الرعد يهتف حولنا، يعلن عن قدوم رحمة السماء؟ بين ضربة مطرٍ وأخرى، وبين روائح الطين وحفيف الأشجار، غصتُ في تأملاتي. تأملت الشجر الصابر وسط الرياح، والحجر المطحون بفعل الزمن، والعجائز الواقفين على حافة الطريق بكل شجاعة. نقلوا بقاماتهم المنحنية قصص الوطن، كأن ظهر كل عجوز يشبه خريطة توحّد الأوجاع. إنهم هنا في انتظاراتهم الطويلة، يتحدّون جحيم الحياة، ويضربون لنا مثالًا في قياس الصبر على طريقتهم الريفية الصامتة. فجأة، تتأرجح السيارة بين الحفر كراقص مجنون، فيضحك أحد الركاب قائلًا للسائق: - "يا أخي، فكرة توظيف مقعدك في السيرك ما جت على بالك؟ يمكن نجيب ملايين!" فيرد السائق بسخرية: - "يا صاحبي، لو كنا نهتم بالأسفلت مثل اهتمامنا بالقات، لكنّا صرنا قدها وقدود!" فتعالت الضحكات رغم انحناءات الطريق، لتخفف عن الركاب وطأة العناء. أستمر في مراقبة فسيفساء الفساد المنتشرة على جوانب الطريق، كأنّها متاهة يصنعها الجشع للمساكين. لكن، رغم هذا الخذلان، أبقى متفائلًا. ففي نهاية المطاف، لا شيء يضاهي عنفوان التحدي في قلب هذا الشعب المقاوم. أؤمن أن صنعاء، رغم ضبابها والمطبات التي تعاني منها، لا تزال تضطرّ أن تبحث عن طريقها البسيط وسط جبال العبث والغبار. مسحت زجاج نافذة السيارة بطرف قميصي الرطب، لأحظى ولو بلمحة من مشهد الأرض تحت وطأة المطر. عكست الطُرق الضيّقة وحدَات الضباب في المدائن، كأن الطرقات اشتعلت بمطر السحاب. فلا شيء أنقى من المساحات الضيّقة، ذلك الانحناء في الأرض الذي يشبه خلوةً داخلية، حيث نختبئ قليلًا لينكشف لنا الجوهر. وحين وصلت إلى صنعاء، اختلطت قطرات المطر بالغبار، تتشكل صور واستعارات كأنها مرآة لأملٍ هارب. ستمضي الحياة هنا رغم الفساد، ونظل نتساءل عن مصير الطرقات التي نعبرها كل يوم دون وجهة جلية في الأفق. ويبدو الجواب بين تلك الأودية والقمم حاضرًا: لن يتغير الطريق ما لم نغسله بعرقنا، وما لم نضع جميعًا يدنا في يدٍ واحدة، ندفع حجر الفساد بعيدًا، لنرى الشمس تحرّر وجوهنا من ضباب السياسة والغبار الخانق. 🖋️ وسيم الزبيري - اليمن. #أقلام_المتابعين.
نمایش همه...
80- يوم الوحدة اليمنية! أعود لألبس اليوم بدلة السَاسَة اضطراراً، وأتقلَّد العمامة.. ولَعَمري ما فسد حالنا إلا يوم أن جعلنا السياسة في مَعزلٍ عن الدين! وليس يغيب عني قول أهل العلم: من السياسة اليوم ترك السياسة! وما كلامي هنا بمعارضٍ لقولهم؛ ولكن نهيهم محمولٌ على الخَوض فيها بعد أن تلوَّثت بدساتير الغرب، فما من عاقلٍ -فضلاً عن عالمٍ- يقول بإمكان وزن السياسة بشيءٍ غير الدين! حسناً.. أعتقد أن هذه مقدمة جيدة، لأدخل في صلب الموضوع. يوم الوحدة اليمنية الذي كان يوم 27 شوال 1410، الموافق لـ 22 مايو 2022 للميلاد. هل نسميه عيداً؟ لا. هل نحتفل به؟ لا. وما حجتنا لهذا القول؟ حجتنا هو نبينا وخليل ربنا ﷺ حين قدم المدينة ووجد الأنصار رضي الله عنهم يحتفلون بأعياد لهم منذ عصر قبل الإسلام، فقل لهم: إن الله قد أبدلكم بهما خيراً منهما يوم الأضحى ويوم الفطر. فكان قوله تشريعاً لهم ولنا بعدهم، فلزمنا اتباعه. وما عارضه أجدادنا الأنصار وقالوا: قد ألِفناها من قبل مجيئك! ما قالوا هذا، ولكن كان لسان حالهم ومَقالهم: سمعاً وطاعة. هذا هو التنزيل الشرعي لأصل المسألة، والذي عليه جماهير أهل العلم من السَّلَف والخَلَف. ثم هل يلزم من هذا القول أننا لن نفرح بوحدة اليمن؟ لا، بل ما من مسلم غيور على وطنه إلا ويفرح بوحدة أرضه وبلاده، وانتزاع قيود القومية الذميمة من نفوس الشعب، وإخلاص نفوسهم للولاء لله ورسوله ﷺ ثم لأراضي وطنهم الإسلامي. ولكن فلتَكُن الفرحة لجوهر الأمر الذي استفدنا منه حقاً في واقعنا، وهو مشروع الوحدة نفسها، وليس مجرد الشعارات والبهارج في الشوارع، فما لهذه قيمة عند العقلاء، بل ولستَ ترى القامات الكبيرة يشاركون فيها! والإنسان بهويته الإسلامية يفرح بما يصلح به وطنه، ويخدم المسلمين، ويُذيب بذور الشِقاق والنزاع الذي كاد أن يستوطن في النفوس، لولا لطف ربنا ورحمته جل وعلا. وهنا نرى منقبة ذاك اليوم حين اتحد شطرا اليمن، أرضاً وحكومةً وشعباً، فأزالوا عنهم كل الأُطُر والأغلال التي فرضها الاستدمار البريطاني على عامة الشعب، ولن أغض الطرف عن بعض حقراء السَاسَة الذين كانوا يداً خفية للاستدمار، ولعبوا بالأوضاع من الداخل، وهيئوا العرش قبل مجيء الاستدمار نفسه! ثم جاء وأفسَدَ وخرَّب، ورحل إلى حيث ألقَت رحلها أم قَشعم! ولكن.. ما الذي جعل الناس ينتظرون عشرين عاماً من بعد خروج الاستدمار (1967 ميلادي) ليحققوا الوحدة في (1990 ميلادي)؟! كان السبب ولا شك الأفكار الخبيثة التي غرسها القوم في شعبنا، وأوقد فتيلها بعض السَاسَة، لأنها كانت تخدم مصالحهم الشخصية، ولو أنهم فقهوا قاعدة: "المصالح العامة تُقدم على المصالح الخاصة"، من شريعتنا الحنيفة أو حتى من القوانين الغربية التي يُقدسونها، لَمَا فعلوا فِعلتهم تلك، ولكن الاستدمار لا دين له! وحسب التوصيف التاريخي أن بلادنا اليمن الحبيب كان مشطراً إلى شطرين، الشمال يحكمه أئمة الزيدية، والجنوب اغتصبته دولة الاستدمار البريطاني، وبعد التخلص من الاثنين، توحَّد الشطران، وتلاحمت أصول الدولتين لتعود كما كانت منذ آلاف السنين: أرض اليمن السعيد، إلا أن الأرض عادت ولكن السعادة لم تعد بعد! ولكن الأمر وجوهره أن وحدة القلوب أهم من وحدة أشبار الأرض، واتحاد الكلمة أقوى من اتحاد الحدود والشعار والعملة! واستمرار الوحدة قلباً وقالباً أهم من كل ما سواها في نفوس الشعب. ولكن لو أنَّا نظرنا بعينٍ ناقدةٍ بصيرة إلى سياسة الاستدمار، لرأينا أنها لا زالت تعيش بيننا وتبيتُ في بيوتنا! جاءت إلينا أجنبية غريبة، فألبسوها لباساً وطنياً كما يزعمون، وقالوا هي وليدتنا وبنت جلدتنا! أحدثكم عن الحزبية يا سادة! التي فرَّقت وقطَّعت وعاثَت في الأرض الفساد! ولئِن كان الاستدمار يقسم الوطن نصفين، فإنها قد قسمت البيت الواحد قسمين وثلاثة! جاءوا بدساتير الغرب ليُشرعوها في أرضنا.. رأوا الجسد قد ضُمِدت جراحه وبدأ يلتئم، فأبَوا إلا أن يُمزقوه مرةً أخرى وبسيوف أبنائه! ألَا قبَّحهم الله وما جاءوا به، وأعاد الله مَجد البلاد يَمَناً واحداً شعباً وحكومة، تحت مظلة الإسلام، لا قومية تحكمه ولا حزبية تُفرقه! دمتم بخير. 🖋️ محمد بن هيكل الأكحلي - ١٤ ذي القعدة ١٤٤٥. قناة بذرة وفكرة: t.me/bethrahwafekrah
نمایش همه...
79- أثواب الأدباء! مهلاً! لا تظنوا أني سأتحدث عن جبة شاكر أو ثوب الطنطاوي، ولا قبعة العقاد، أو الطربوش الأحمر الخاص بالرافعي! حديثي هنا عن الأثواب التي يُلبِسونها أقلامهم! هل قرأتَ "رسالة في الطريق إلى ثقافتنا" لمحمود شاكر؟ أو "تعريف عام بدين الإسلام" لعلي الطنطاوي؟ هل اطلعتَ على "وحي القلم" للرافعي، أو "العبقريات" للعقاد؟ هذه هي أجمل أثوابهم رحمهم الله.. وإذا كان الأدب يُخرِج لنا مثل هذه الكتب، فهو شيءٌ نبيل والغفلة عنه مذمومة! حين نقف أنا وأنت ومعشر القراء ونفتح كتاباً، سنرى أمامنا الأدباء وهم يخلعون عن ربقتهم كل القيود؛ فيتكلمون عن الدين والعلم والأدب والفكر والحب والحياة وكل شيء! لكن قليلهم يُصيب، وأكثرهم يخبِط خَبطَ عَشواء! فإذا كان الشعراء يقولون ما لا يفعلون -بنص القرآن-، فما بالكم بالأدباء الكُتَّاب وهم أعلى كعباً من الشعراء! وأكثر حريةً منهم، ولا وزن يُقيدهم ولا قافية؟! لا شك أنهم سيُخطئون، خاصةً أن مادتهم الأدبية تقودهم إلى أن يقرؤوا ويكتبوا في أمور وعلوم كثيرة وإن لم يكونوا من أهلها! وقد بالغ أحد الأدباء فقال: إن الكاتب يحتاج أن يعرف كل شيء، حتى حديث النساء في خدورهن! حتى أنك تجد منهم من يقتَات بأدبه وشعره؛ فيمتدِح به المُتردية والنطيحة!، ولا يستحيي أن يمدح اليوم من كان يذمه بالأمس؛ لأن الحديث ليس حديثه، بل حديث الدراهم التي عُرِضَت له! وسيكون من الحماقة أن أذكر لك مثالاً أو اثنين، فأنت تعرف عدة أمثلة على هؤلاء! وأما قول قائلهم: "والشعر في مَعزلٍ عن الدين" فليس على إطلاقه؛ بل الدين قاضي على الشعر والأدب، فما وافق قَبِلناه، وما خالف رميناه ولا كرامة! فلسنا نوافق الأدباء والشعراء على ما وقعوا فيه من الأغلاط الشنيعة.. بل نردها عليهم، فمن تاب منهم نفع نفسه، ومن أبى وعاند فهو رهين كلماته عند ربه. أحمد شوقي أمير الشعراء المعاصرين بلا أدنى شك، ومع جلالة مكانته في الشعر عند النُقاد؛ لكن لا أحد يُبرر بعض أبياته الشنيعة التي هي للكفر أقرب منه للإيمان. ونزار قباني حين أفحَشَ في الغزل غير العفيف رده وانتقده أكثر النقاد، بل إن النفوس السوية تأبى سماع كلامه ذاك، وربما صنفه بعضهم أنه الحامل لراية عمر بن أبي ربيعة في هذا العصر! وأما العقاد والرافعي وجبران بعد أن زلَّت أقدامهم في التغزل بتلك الأديبة! نقص وزنهم، وأخرجوا من التآليف عن الحب أسوأ ما لديهم.. ولا تسأل حينها لماذا انتقدها الأديب الفقيه علي الطنطاوي وحذر القراء منها، وهو الذي أشاد كل الإشادة بهم في بقية ما كتبوه! ناهيكَ عمَّن تلوثوا بلوَثة السياسة؛ كطه حسين ونجيب محفوظ وأحمد مطر وغيرهم.. فنقصت مكانتهم من هذا الباب وغيره. كل هذه ردها أهل الأدب على أصحابها كما ردوا هجائيات الحطيئة وخمريات أبي نواس ونقائض الفرزدق وجرير.. أما الأخطل فهو نصراني، فالقول فيه ما هو مُقرر عند الفقهاء: ليس بعد الكفر ذنب! وإن كان مُخاطَباً بفروع الشريعة، لكن لا شيء أشد من الكفر. ولا يكفينا مجرد نقد النُقاد للأدباء والشعراء؛ فأكثر ملاحظاتهم هي لغوية بحتة، هذا على أن كثيرين منهم يلتزمون في مناهج نقدهم بعبارة "والشعر في مَعزل عن الدين" وقد بيَّنا خطأ هذا. بل لا بد من نظرة أخرى نقدية من باب وزن الأدبيات بميزان الشريعة.. نرقى من خلالها إلى رتبة الأدب الجيد، العفيف اللفظ، الرفيع المعاني، السامي الفكر. ولعل هذا أحد أسباب تميز بعض الأدباء على بعض من هم أكبر منهم؛ كابن قتيبة من المتقدمين وجرير وأبي تمام من الشعراء، والطنطاوي والإبراهيمي من المتأخرين وغيرهم، رحمة الله على الجميع. فكان لا بد أن يلبس الأديب ومثله الشاعر ثوباً عفيفاً شريفاً، ويحافظ على مبادئه ويتحرى قول القائل -سواءً كان الشافعي أو الدينوري-: ومـا من كـاتبٍ إلا سيفنى   ويُبقي الدهر ما كتبت يداه فلا تكتب بكفك غير شيءٍ  يسُرك في القيــامة أن تراه أتحدث هكذا بصفتي قارئ مبتدئ في الأدب، وأنصح صَحبي وإخواني بمثل هذا، ألَّا ننجرف خلف روعة الأقلام وحلاوتها؛ فما كل من اشتهر أو امتدحه الشعراء يستحق هذا! الأمر وما فيه أنك لو خلَّدتَ نفسك في ذاكرة الشاعر أو الأديب، سيُخلدك هو في ذاكرة التاريخ! سواءً بالمدح أو القدح! وهل كنا سنعرف سيف الدولة لولا المتنبي! ومَن المعتصم لولا أبو تمام! وغيرهم كثير! والذي أرى أن أقتفيه مستقبلاً لو كتب الله لي أن أكون صاحب قلم.. ألَّا أنتهي حتى أجعل كل من يعرفني أو يقرأ لي يُحب العلم والأدب! وأن يقرأ مقالي كلٌ من المُحدث والفقيه والأديب والشاعر والنحوي والعامي فيستفيدون جميعهم! وأما قلمي الذي لديه إلى الآن قبعة وعمامة وثلاثة أثواب تقريباً.. أريد أن أملأ له دولاباً كاملاً! حتى ألبس لكل حالٍ ثوبه المناسب، وأما إن طغى يوماً، وانحرف عن الطريق، فسأُلبِسه ثوباً أبيضاً وأدفِنه بين رماد الورق! دمتم بخير. 🖋️ محمد بن هيكل الأكحلي - ١٣ ذي القعدة ١٤٤٥. قناة بذرة وفكرة: t.me/bethrahwafekrah
نمایش همه...