أسعد الحمداني

وصلتني هذه الصورة قبل قليل. طفلة جُرِح أحد أصابع يدها، جاءت والدتها بلاصق لتجعله على الجرح، وكانت الوالدة قد علّقت هذه الصورة في غرفتها هذه الليلة، فقامت الطفلة وأخذت ذلك اللاصق ورفعته من جرحها؛ لتجعله على الجرح الموجود في جبين الصورة المرسومة لأبي الفضل العباس ( ع ). هذه الصورة رجعت بذاكرتي إلى ما قبل خمس وعشرين سنة ، كنت قد رأيت صورة لأبي عبد الله الحسين وهو يحمل الطفل الرضيع وقد تفطّرت شفتاه من العطش، فأخذت بالسؤال: إلى أين يأخذه، ولماذا لم يعطوه الماء، وماذا كان مصيره؟ هل شرب الماء أم مات عطشًا؟ لجيبني صاحب البيت الذي كانت فيه الصورة: قد رموه القوم بسهم فذبحوه ومات في حجر أبيه! آه كم تألّمت حينها، وبقيت مدّة طويلة كلّما تذكرت تلك الصورة أتألّم، وربما بكيت وقتها... كانت تلك المحطّة بداية للتعرّف على الحسين ( ع ). كم نشتاق لتلك البساطة، وتلك البراءة وذلك الصدق؟! اللهم فطرة وصدقًا كفطرة الأطفال وصدقهم.

فلسفة إحياء مناسبات العظماء أولًا: هناك مجموعة من القضايا وجودها فطري عند الإنسان، بفطرته جُبِل عليها مثل حب الأم لأبنائها، من هذه القضايا حب الإنسان للكمال، ومنه حب مظاهر الكمال، والأنبياء الأئمة عليهم السلام من أعظم هذه المظاهر. ثانيًا: من أهم أنواع التربية، التربية بالقدوة. وقد ركّز عليها القرآن الكريم فذكر للبشريّة نماذج للإقتداء بهم والسير على هداهم، والأعتبار بما حدث معهم يقول تعالى { لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا } [ الأحزاب، ٢١ ] ويقول تعالى { لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ } [ يوسف، ١١١ ]. ثالثًا: وردت العديد من النصوص تحث على أحياء أمر أهل البيت ( ع ) وتذكّر مصائبهم وتعريف الناس بفضلهم، ونشر تعاليمهم وتعليم علومهم للناس، فقد ورد انّه مصداق لإحياء أمرهم عليهم السلام. عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: « من ذكرنا عنده ففاضت عيناه حرم الله وجهه على النار ». رابعًا: إحياء ذكرى العظماء من الأمور المطردة في المجتمعات البشرية بصرف النظر عن الزمان والمكان، وانتشار ظاهرة ما في المجتمعات رغم اختلاف المكان والزمان يكشف عن كونها فطريّة، والفطري لا يعلّل كما يقولون؛ بل القيام به وفعله هو مقتضى الطبيعة.

✍️ من الخاص السلام عليكم. شيخنا عندي سؤال. أن شاء اللّٰه راح يجي محرم الحرام. كُل سنة في محرم احضر مجالس الحسين واخدم الحسين ولكن اريد شي جديد اسويه في شهر محرم يفيدني ؟ الجواب: عليكم السلام ورحمة الله وبركاته في شهر محرم الحرام، لاسيما العشرة الأولى منه، من الصعب الخروج عن الأجواء العامّة للشهر، المختصّة بذكر شهادة الإمام الحسين عليه السلام، من مجالس عزاء أو خدمة، وعليه فيمكنكم الاستفادة واستثمار الوقت ضمن هذه المساحة. من خلال عدّة أمور: ١. التعرّف على نهضة الإمام الحسين ( عليه السلام ) لأجل أن يتوفر على وعي ومعرفة بهذا الحدث العظيم، والمعرفة تغير نظرة الإنسان للشيء وتحدد نمط التعامل معه، فهناك فرق كبير بين أن تقوم بالعمل أو السلوك وأنت على دراية بطبيعته وتفاصيله وقيمته وبين أن تعمل وأنت لا تدري عنه شيئاً، لا يمكن أن يعطى الإنسان لأمر حقّه من دون أن يتعرّف عليه. وفي المقام أمران: الأول: شخصيّة الإمام الحسين وخصائصه ومقاماته، فالأحاديث التي المزايا التي تنال من خلال الإمام الحسين ( ع ) تقيّد ذلك بمعرفته، من قبيل من زار الحسين ( ع ) عارفًا بحقّه. الثاني: وهو ما يتعلّق بنهضة الإمام الحسين، والتعرّف على هذا الحدث العظيم يكون من خلال مستويات ثلاثة: المستوى الأول: الجانب التاريخي، من خلال الاطلاع تفاصيل الأحداث التي جرت منذ انطلاقة النهضة حتى شهادة الإمام، وهذا يأخذ من الكتاب التاريخية ومن الكتب المبسطة في هذا الصدد كتاب مع الحسين ( ع ) في نهضته للشيخ أسد حيدر، وكتاب أنا الحسين بن علي للشيخ فوزي آل سيف، ومن المحاضرات سلسلة أحداث واقعة كربلاء للشيخ مرتضى فرج، وهي عبارة عن ٣٣ حلقة مرفوعة على اليوتيوب، ومن أراد أن يقف على جذور هذا الحدث بشكل دقيق فليقرأ قبل ذلك كتاب خلفيات واقعة كربلاء ثم يعقّب بمتابعة المحاضرات. المستوى الثاني: هو الجانب التحليلي من خلال محاولة فهم دوافع النهضة الحسينيّة، وما هي أهدافها، وهذه الزاوية بحثت في العديد من الكتب مثل كتاب ثورة الإمام الحسين ( ع ) للشهيد السيد محمد باقر الحكيم وكتاب فاجعة الطف للمرجع الراحل السيد محمد سعيد الحكيم، وما كتبه السيد محمد باقر الصدر في كتابيه الحسين يكتب قصته الأخيرة، وكتاب أئمة أهل البيت، وما كتبه الشيخ المطهري في الملحمة، والفصل الخاص بالإمام الحسين ( ع ) من كتاب سيرة الأئمة لبيشوائي. المستوىٰ الثالث: الاستنتاح والاستلهام وهو جانب العِبرة، محاولة الانتفاع واستخلاص الدروس والعبر من هذا الحدث لما ينفع الإنسان لدينه ودنياه، وهذا يمكن تحصيله من خلال الكتب التي شرحت مبادئ المنهضة والقيم التي تجلّت فيها، مثل كتاب في رحاب عاشوراء للشيخ الآصفي، وكتاب بارقة من سماء كربلاء للشيخ اليزدي وسلسلة تداعيات واقعة كربلاء للشيخ مرتضى فرج. ٢. يمكنكم القيام ببعض الموضوعات العبادية، كالاستغفار، والصلاة عَلَى مُحَمَّد والِ مُحَمَّد، وقراءة القرأن و… الخ، وهذا كُله خير وبركه أن شاء اللّٰه. ٣. مكنكم الرجوع إلىٰ إرشيف بعض الخطباء على اليوتيوب للسنوات السابقة مثل: • الشيخ علي العبود. • الشيخ إسماعيل المشاجرة. • السيد ضياء الخباز. • السيد منير الخباز. • الشيخ فاضل الصفار. • الشيخ فيصل العوامي. • الشيخ حيدر السندي. • الشيخ فوزي آل سيف • الشيخ هاني البنا • الشيخ محمد العبيدان وغيرهم من الخطباء النافعين. ٤. حضور مجالس العزاء المقامة في المنطقة لتحضير بركة الحضور والمشاركة في العزاء. ٥. جلسة تأمليّة مع النفس، ورصد الحالات السلبية والمشاكل الأخلاقية التي تعاني منها، والعزم على إصلاحها استعانة بالامام الحسين (ع) واستثمار الهمة والحرارة التي في القلوب لقتله، ورصد الجوانب التي يوجد فيها تقصير مما ينبغي القيام به، وتدارك ما فات. هذه الأمور ممّا يمكنكم القيام بها خلال شهر محرم الحرام، والله المستعان. أعظم الله لكم الأجر، ونسألكم الدعاء.

التدرّج سنّة كونيّة في هذه الحياة لا يمكن تجاوزها، وفي مختلف المجالات، وفي عرف اليوم من يتسنَّم مقامًا من دون أن يتدرَّج في الوصول إليه يسمّى ( دمج ). مدير في دائرة، صاحب مسؤولية اجتماعية، طالب علم ... إلخ. الصعود المفاجئ ليس هو الطريق الطبيعي، وغالبًا فرصته في النجاح ليست كبيرة لافتقار صاحبه للمؤهلات المطلوبة. كثيرة هي الشخصيّات التي ظهرت فجأة و أخذها مجالًا واسعًا في المجتمع، قبل بضع سنين ظهر معمّم إيراني كان من المروّجين للعرفان، وكان يدعي وصلاً بالمرجع الراحل الشيخ بهجت [ قده ] وللأسف كالعادة الكثيرون أخذوا بالترويج له ونشر فديواته، حتى من طلبة الحوزة؛ بل وبعض أساتذتها، إلى أن انبرى أحد طلبة العلم جزاه الله خيرًا لكشف أمره، و فضح كذبه. شخصيًّا لا أتفاعل مع من يظهر فجأة ولم يكن له رصيد يتكأ عليه من تحصيل، وأساتذة، وتأريخ.

#أخلاقيّات_العزاء. لا شك أن لعزاء سيد الشهداء " عليه السلام " قيمة عظيمة وأهميّة كبيرة، ما جعل النبيّ الأعظم " صلّ الله عليه وآله " وهو أشرف الخلق يقيم العزاء على الحسين كما في الخبر عند مجيء جبرئيل " عليه السلام " إليه بتربة كربلاء. وكذا سيّد الأوصياء أمير المؤمنين " عليه السلام " بكاه حين مرّ مع الجيش بمكان مصرعه في كربلاء، وهكذا الأئمة المعصومون " عليه السلام " والأخبار كثيرة جداً حول آثار هذا الأمر العظيم من غفران الذنوب، ودخول الجنّات وعلوِّ الدرجات؛ ولكن ينبغي للمعزّين لسيّد الشهداء " ع " عدم الغفلة عن عدّة أمور، منها: أولًا: الاهتمام بتقوى الله " عزّ وجل " من خلال الالتزام بشريعة سيّد الرسل " صلّ الله عليه وآله "، اجتناب المحرّمات منها وعدم التهاون بالواجبات. والاقتداء بأهل البيت " عليهم السلام " عمليًّا، عبر الالتزام بالقيم والمُثُل التي دعوا إليها وجسّدوها في سلوكهم. و قد ورد في وصيّة مولانا الباقر " عليه السلام " لجابر: [ يا جابر أيكتفي من ينتحل التشيُّع أن يقول بحبّنا أهل البيت، فوالله ما شيعتنا إلّا من اتقى الله وأطاعه، وما كانوا يعرفون يا جابر إلا بالتواضع والتخشّع والأمانة وكثرة ذكر الله والصوم والصلاة والبرّ بالوالدين والتعاهد للجيران من الفقراء وأهل المسكنة والغارمين والأيتام وصدق الحديث وتلاوة القرآن وكفّ الألسن عن الناس إلّا من خير، وكانوا أمناء عشائرهم في الأشياء ] الكافي، ج٢، ص ٧٤. ثانيًا: الإهتمام الخاص بالصّلاة، فالصلاة عمود الدين، وقد ورد عن الإمام الباقر " عليه السلام" : [ إن أول ما يحاسب به العبد الصلاة، فإن قبلت قبل ما سواها ] ميزان الحكمة، ج٢، ص ١٦٣٠. وقد صلّاها سيد الشهداء وهو في لهوات الحرب رغم اشتداد القتال وقلّة الناصر، فلا يليق بمن يواسي سيّد الشهداء أن يقصِّر فيما اهتمَّ به الإمام وعظّمه. ثالثًا: معرفة مقاماتهم، ووعي حركتهم، وأهدافهم، و العمل على تحقيق تلك الأهداف، والاستفادة من تراثهم ونورهم من خلال الاطلاع على سيرتهم وكلماتهم، فإن قيم الأعمال مفرونة بالمعرفة، ورد عنهم " عليهم السلام : [ مَن زار الحسين عليه السلام عارفاً بحقّه غَفَر الله له ما تقدَّم من ذنبه وما تأخَّر] كامل الزيارات، ص ١٥٠. كُتبتْ في محرّم ١٤٤٣هـ.

كلمات مهمّة. أعرف الغالبية مو بحال الكلام أو ما إله خلگ هچي كلام أو يعتبره تقصير بحق أهل البيت ( ع ) وعدم معرفة بمقاماتهم ( جهلاً منه )

من العلماء الذين أحرص على اقتناء وقراءة كل آثارهم: ١. السيّد محمد باقر الصدر ٢. الشيخ مرتضى مطهّري ٣. الشيخ محمّد جواد مغنية ٤. الشيخ محمد مهدي الآصفي ٥. الشيخ مصباح اليزدي

الأعزة من الإخوة الشباب من يجد في نفسه الرغبة للتفقّه في الدين، وتبليغ الرسالة عليه أن يأخذها من منابعها الحقيقية، وليدع المنافذ غير المأمونة وغير النقيّة، ثم ليتمهَّل في التصدّي، وطرح الأفكار حتّى يشتدّ عوده وتغزر معرفته من خلال الجلوس على مائدة العلماء المتقنين ومتابعة الأساتذة المحصّلين. يقال: جاء رجلٌ إلى أحد الشعراء فقال له: أريد أن أكون شاعراً، فقال له: الشاعر اذهب واحفظ ما قالته العرب من الشعر؛ ذهب الرجلُ وعاد للشاعر بعد مدّة قال له: فعلتُ ما أمرتني به، فقال له: الآن بإمكانك قول الشعر. من الضروري ألَّا يتجاوز الإنسان الأسلاف وتراثهم في كل أمر مهم.