وجوم

قد أتى المتنبي في المعنى ، بقول منقطع النظير ، بلغ بمعناه وتصويره ما لم يبلغه أحد من قبله ولا بعده ، فقال : إِثلِث فَإِنّا أَيُّها الطَلَلُ نَبكي وَتُرزِمُ تَحتَنا الإِبلُ أَولا فَلا عَتبٌ عَلى طَلَلِ إِنَّ الطُلولَ لِمِثلِها فُعُلُ لَو كُنتَ تَنطِقُ قُلتَ مُعتَذِر بي غَيرُ ما بِكَ أَيُّها الرَجُلُ أَبكاكَ أَنَّكَ بَعضُ مَن شَغَفوا لَم أَبكِ أَنِّيَ بَعضُ مَن قَتَلوا إِنَّ الَّذينَ أَقَمتَ وَاِحتَمَلوا أَيّامُهُم لِدِيارِهِم دُوَلُ الحُسنُ يَرحَلُ كُلَّما رَحَلوا مَعَهُم وَيَنزِلُ حَيثُما نَزَلوا لله در أحمد ، جعل الطلل يبكي والأبل تبكي، وثالث ثلاثة في الحزن ،وأن مصابه أعظم من الطلل ، فأن رحلوا عنه وبكى الطلل ، فهو لم يبكي وهو مقتول بسببهم .

هَل دونَ أَيّامِ الشَبيبَةِ لِلفَتى صَفوٌ يُحيطُ بِهِ وَأُنسٌ يُحدِقُ

هل يُرتَجى صَفوٌ وَيَهدَأ خاطِرٌ وَالمَوتُ حول نُصوصِها يترقرق

عَجَباً يَلَذُّ لَكَ السُكوتُ مَعَ الهَوى وَسِواكَ يَبعَثُهُ الغَرامُ فَيَنطِقُ

نظم شيخ شعراء مصر مطلع قصيدة ، وبدأها بالحنين الرقيق ، فقال : لو أن أطلال المنازل تنطقُ ما ارتد حران الجوانح شيقُ وساجلها أمير الشعراء في حينها ، وقال : أما العتاب فبالأحبة أخلقُ والحب يصلحُ بالعتاب ويصدقُ وأنبرى شاعر النيل ، معارضًا ، فقال : سَكَنَ الظَلامُ وَباتَ قَلبُكَ يَخفِقُ وَسَطا عَلى جَنبَيكَ هَمٌّ مُقلِقُ

في ضياع الوجهة ، وأضطراب النفس ، وترقب بيان الصباح ، بعد غموض الليل ، تقول موضي : اللي يضيع الليل يرجى النهارا واللي يضيع القايله من يقديه ؟ ويقول بن فرحان : اللي يتيه بليل عذره ظلامه واللي يتيه الصبح وش يعتذر فيه ! وسبقهم البحتري في المعنى ، ويا لشدة التساؤل : من تاه الليل يرجو الصبح منتظرا وتائه الصبح من ذا سوف يهديه ؟

وعلى قولة جريح الصوت - رحمه الله - دمعة ألم هلّت على وقتي العنيد ، غير الندم مالي عضيد ، يرسم من جروحي طيوف يسهر معي يمكن يشوف . قول لا يكتبه الشاعر بل يبكيه وتتحول الدموع إلا شعرًا خالد .

لم يبق معي هذا الليل إلا ديوان الجواهري ، شعره يفيض عروبة و ألم ، وهذه قطرات من نهره الجاري العذب ، أكاد أصفه بمهدي العراق وأخر شعراء العرب معنى وقريضًا ، يقول : أحباي لو لم تمسك القلب أضلعي لطار أسى من برج ذكراكم القلب فيا شرق حتى الحشر تُربك فوقه دليل لمن لم يدر مافعل الغرب قيلت ١٩٢١ ، فتأمل. وقال : أقاويل أهل الحب يفنى نشيدُها وأما الذي تُملي الدموع فخالد