فعلِم وعلّم

بينما كنت أقرأ هذه الآيات من سورة الرعد، استحضرت معنًى ذكره الشيخ أحمد السيد -وفقه الله- في إحدى محاضرات مركزيات الإصلاح أن أهمية التزكية تكمن في استصلاح القلوب لكي تقبل دلائل الحق، فالبراهين وحدها ليست كافية إذا لم يكن المحل صالحًا، فكم مر في تاريخنا القديم والمعاصر من شخصيات لم تقبل دلائل الحق -على وضوحها- ولم ينقصها شيء من ذكاء. تدبروا قول الله تعالى ههنا: «أفمن يعلم أنما أنزل إليك من ربك الحق كمن هو أعمى إنما يتذكر أولو الألباب». ثم تأملوا ذكرَ الله -تعالى- لصفات «أولو الألباب»، بدءً من: «الذين يوفون بعهد الله ولا ينقضون الميثاق»، حتى: «ويدرءون بالحسنة السيئة»، وإنما هي أعمالٌ صالحة تزكّوا بها، فكانوا «أولو الألباب»، الذين قبلوا الحق، فكانت لهم «عقبى الدار» وهي «جنات عدن يدخلونها ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذريّاتهم، والملائكة يدخلون عليهم من كل باب، سلام عليكم بما صبرتم، فنعم عقبى الدار». أي نعيم هذا؟ وأي قرة عين؟، تذكر، وإن وقع في ذهنك ما وقع، إنما هي «ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر»، اصبر، ولا تستطل الطريق، إنما هي ساعة. ——

«الإنسان جُبِلَ على النسيان، وهذا من رحمة الله؛ فإنه ينسى المآسي ليطيب عيشه، وينسى الفضائل ليُضطر إلى معاودتها فيتشبع بالفضيلة، ولهذا لولا النسيان لهُجر العلم والقرآن، فلو كان الذي يحفظ القرآن، أو يقرأ علمًا من العلوم لا ينساه.. فإنه لن ينظر فيه ثانيةً لسهولة استدعائه متى احتاجه، لكن لما كان ينسى.. فإنه يدمن النظر فيه آناء الليل وأطراف النهار، فيصبح بذلك تقيًّا عابدًا، فصار صلاح الإنسان في النسيان، ومن لم يصبر من المشتغلين بالعلم على إدمان النظر فيه.. فإنه يطرد عنه، وهذه محطة فلترة تميز الصالح لحمل العلم من الدخيل عليه». معارج العلوم من الأمية إلى الإمامة | الشيخ محمد الأسطل -شمله الله برحمته أينما حل وارتحل-.

«قد قام لديَّ ما لا أُحصي من القرائن أن الله جعل سبيل العلم على هيئةٍ تطرد كثيرًا ممن لا يصلح له ولو طلبه العمر كله، ولعل من أسرار ذلك أن أثر العالم إذا بدَّل وغيَّر شديدٌ على المسلمين، فيحفظ الله عبادَه بعدم اهتداء كثيرٍ من الطلبة لسبيل الإمامة، ولو اهتدوا إليها فهي شاقة العمل، وذلك أن قضية التفقه ليست قضية معرفة وبيان؛ وإنما قضية توفيق وحرمان، ومن استطال الطريق ضعف سعيه، وكأن الفقهاء قد التقطوا ذلك فرتبوا مناهج العلم على طريقة تطرد الدخيل عنه، سواء قصدوا ذلك حقا أو لا. وذلك أن دين الله محفوظ، وقد سمعت من شيخنا العلامة محمد الحسن ولد الددو الشنقيطي كلمةً ما أشدها على القلب إذ قال ما مفاده: "ما كل صدرٍ يأتمنه الله على وحيه، وإن الله لن يترك دينه بأرض ذلٍّ وهوان». معارج العلوم من الأمية إلى الإمامة | الشيخ محمد الأسطل -شمله الله برحمته أينما حل وارتحل-.

«لا تقل قد ذهبتْ أربابه:: كل من سار على الدرب وصل». نسأل الله من فضله.

بهجة.🤍

«مرة تحدث الكاتب عبد الله ابن المقفع عن تجربته في الفصاحة في نص من أجمل النصوص التي تروي قصة الوصول إلى نمطٍ استقلالي خاص عبر المرور بمحطة استلهام التجارب السابقة، فقال: (شربت من الخطب ريا، ولم أضبط لها رويا، فغاضت ثم فاضت، فلا هي هي نظامًا، وليست غيرها كلامًا). فالناشئ الذي يبغي التميز ويحلم أن يكون له أثر في أي صعيد؛ عليه أن يشرب ( إبداعات) أولئك الكبار الذين سبقوه في مجاله، ثم يدعها تغيض ثم تفيض؛ فلن تكون هي هي؛ ولن تكون أيضًا غيرها!». المرقاة (صـ١٥٩٠١٦٠) | د. سليمان العبودي -وفقه الله-

«ليتذكّر السالك أن أول الإبداع محاكاة، ثم ينفرد الإنسان بعد حين بزيّه الخاص وطريقته التي جمعت المتفرق في الجميع، وكما قيل بأن "الأسد هو عبارة عن مجموعة من الخِراف المهضومة"، والقماش هو مجموعة من الخيوط المبعثرة، فالإبداع هو تقليدٌ منظم لعدد من المبدعين، وجمعٌ جادٌّ لمتفرِّقٍ في الآخرين؛ ثم بعدها تكون خلقًا آخر.. فتبارك الله أحسن الخالقين!». المرقاة (صـ١٥٩) | د. سليمان العبودي -وفقه الله-