شــوارد العلم

أجل وأعظم ما يمكن استحضاره في القلب وترسيخه في الوجدان هذه الأيام ما جاء في الحديث القدسي "يقول الله تعالى: أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني؛ فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملإ ذكرته في ملإ خير منهم، وإن تقرب إلي بشبرٍ تقربت إليه ذراعًا، وإن تقرّب إلي ذراعًا تقربت إليه باعًا، وإن أتاني يمشي أتيته هرولةً" ‏لا أحد أكرم من الله، يضاعف العطاء للمحسن، ويعطيه أكثر مما أعطى ولا مقارنة، وكل هذا يتضاعف في "مواسم العبادة" الزمانية أو المكانية، فالحجاج يجتمع لهم النوعان؛ الزماني والمكاني، والمؤمنون من غير الحجيج ينالهم الموسم الزماني، يُطوي في المواسم الزمان وتتضاعف البركة ومن أتى ربَّه فيه ماشيًا أتاه هرولة.

"مَن صفا مع الله صافاه، ومَن أوى إلى الله آواه، ومَن فوَّض أمره إلى الله كفاه.. ‏ومَن باع نفسه مِن الله اشتراه، وجعل ثمنه جنَّته ورضاه، وعدٌ صادِقٌ وعهدٌ سابِقٌ.. ومَن أوفى بعهده مِن الله؟" - ابن الجوزي رحمهُ الله

قد تثقل الإنسان الذنوب وكلما هم بالإقبال على مولاه حدثته نفسه.. أنى لك؟! ولست هنالك! وأن بينه وبين المقامات العالية مفاوز، وأنه ليس هو من يستحق أن تجاب دعوته.. ترفق.. واعلم أنك تتعامل مع ربك عفو غفور، كتب على نفسه الرحمة، وأنه لو جازاك بما تستحق لكنت من الخاسرين، لكنه غفور رحيم واسع المغفرة، فأحسن الظن به سبحانه؛ فإنه تعالى يقول: (يا ابن آدم، لو بلغت ذنوبك عنان السماء، ثم استغفرتني غفرت لك). فليكن مما تذكره إذا رفعت يديك إليه ماضيات نعمه عليك، وما والاه من وافر جوده، وسابغ ستره وإحسانه، وكثير صفحه وعفوه وإمهاله وغفرانه، وما امتن عليك به من متقدم الفضل؛ فقد كان هذا من طريقة الأنبياء في دعائهم ومناجاتهم لربهم.. ينادي زكريا عليه السلام ربه نداء خفياً: ﴿قال رب إني وهن العظم مني واشتعل الرأس شيباً . ولم أكن بدعائك رب شقياً﴾، يقول: لم أعهد منك إلا إجابة الدعاء. ويحكي سبحانه وتعالى عن إبراهيم: ﴿سأستغفر لك ربي إنه كان بي حفياً﴾، أي: رحيماً لطيفاً معتنياً بي. وحكى سبحانه عن مناجاة موسى: ﴿رب بما أنعمت علي فلن أكون ظهيراً للمجرمين﴾. فذكروا عليهم السلام ما تقدم من فضل ربهم عليهم ونعمائه، بين يدي دعائهم ومناجاتهم.

تسعى في نجاة نفسك.. وشياطين الجن والإنس يسعون دائبين في هلاكك.. ونفسك بين بين.. تضعف وتقوى، وتتقدم وتتأخر وأنت تجاهدها وتأطرها على الحق أطرا إن كنت كذلك فأبشر بإذن الله تعالى فربك جل وعلا قال (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين).. فاستعن بالله، وكن في يومك خيرا منك في أمسك، وكلما حسُنت صلاتك كنت أَمْلَكَ لنفسك وأقوى عليها، ووِردك من القرآن لا تفرِّط فيه فإنه نِعمَ الرفيق المُذكِّر ونِعم المؤنِس والشاهد في الدنيا والآخرة. ولا يراك الله إلا محسناً، ما استطعت إلى ذلك سبيلا فما أكثر أبواب الخير وما أيسر أعمال البر لمن يسرها الله له.. ولا تتوقف عن دعاء ربك أن يرزقك حسن الختام فإنما الأعمال بالخواتيم.