منصور الحذيفي

كم نحتاج إلى المشاعر المستعلية فوق الهموم اليومية.. ألّا نسمح للصغائر أن تنال من هِممِنا وطموحاتنا، ولا للأذى أن يهزمنا وينهب منا أعزَّ ما لدينا: لحظات العمر.

حتى لا يخيب ظنك يا صديقي، عوِّد نفسك ألّا تتحدث بحماسٍ عن موضوع، أو تُعبِّر عن عواطفك الجياشة تجاه أمرٍ إلا إذا تيَقَّنتَ أن مَن يستمع إليك يعنيه ما يعنيك، ويهتم لمشاعرك واختياراتك.. إياك أن تجعل مشاعرك مُلقاةً على قارعة الطريق.

من أشد ما يُضعِف العلاقة، وقد يُنهيها، أن تكون المداراة والتجاوز والإحسان من طرفٍ واحد.. أن تتضخّم عند أحد الطرفين الحقوق التي له حتى تحجب الواجبات التي عليه وتحجب معها ميزات ومحاسن الطرف الآخر.

الجاهل اللئيم إذا علِمَ معلومةً واحدةً اختبر بها علمَ الآخرين، وتطاولَ بها عليهم، والعالِم النبيل قد تُحدِّثه بحديثٍ هو أعلم به وأضبط له منك، ومع ذلك يستمع إليك كأنه يسمعه أولَ مرة.. ‏وليس كل جاهلٍ لئيم، كما أنه ليس كل عالِمٍ نبيل.

مهما بلغت علاقاتك بأهلك وأصدقائك وأحبابك من الحميمية والصدق والقرب.. ستظلّ تشعر في بعض الأوقات بأنك وحيد، ستشعر بأن حبل الوصل مُعرَّضٌ للانقطاع في لحظةٍ ما لا تعلمها، لأيِّ سببٍ كان، وحدها العلاقة بالله هي التي لا تنقطع، وحدَه حبل الله المتين، هو الذي ما دمتَ متشبِّثاً به فلن يُخزيكَ الله أبدا! معيَّةُ الله الخاصة هي العلاقة التي تُغنيك وتعوِّضك عن كل علاقةٍ منفصمة، أو مُرشَّحة للانفصام. (إذا صَحَّ منكَ الودُّ فالكلُّ هيِّنٌ وكل الذي فوق الترابِ ترابُ).

الاستمرار والدأَب على الطاعة، كصلاة الليل أو الورد اليومي من القرآن ونحو ذلك، هو من أعظم المطالب وأعزها، كما قال -صلى الله عليه وسلم- : (أحَبُّ الأعمال إلى الله أدومها وإن قلّ)، وقد تحجب الذنوب العبدَ عن ذلك، فيُحرَم التوفيق، وما أكثر الذنوب التي نتهاون بها في هذا العصر، مع عموم الابتلاء بها، كفتنة الصور، فلا بد من التوبة النصوح، والانطراح بين يدي الله تعالى، وبراءة العبد من حوله وقوته إلى حول الله وقوته، وسؤاله المغفرة والتوفيق والعون.

أكثر الناس أسْراً للقلوب هو الذي تراه مؤدَّباً في صمته وفي منطقِه.. فلا يتطاول بما لديه من علمٍ ورأي، ولا يستنكِف أن يصمِت في غير موضع الكلام.. هو ذلك الصامت الذي تتشوَّفُ لحديثه، فإذا ما تحدَّثَ أخذَ بمجامع قلبك وعقلك.

علّمَتنا أخطاؤنا السالِفة أن نتأنّى.. ألّا نُسرِع إلى تبنّي الأشخاص والأفكار والمواقف التي تطفو فجأةً فوق السطح.. أن نعرف الشجرة الطيبة عميقة الجذور من الشجرة الخبيثة التي سُرعان ما تجتثها من فوق الأرض أولُ ريح (ما لها من قرار).

تزوَّد من لقاء الأحبة الأخيار.. واحرص في لقائك بهم أن تكون أنت المُنصِت المستفيد، من غير أن تبخل عليهم بفائدة عندك، لكن في حدود العقل والأدب، ولا يكوننّ همك أن تستأثر بالحديث، ولا تحرص كثيرا على التعقيب والاستدراك على كل ما تسمع.. وكلما حضرت هذه الآداب في مجلسٍ زادت الاستفادة منه، وعظُم أثرُه في نفوس الجُلّاس.