(667)
ينبغي – يجب
نسمع كثيرًا في التوجيه بعمل شيء:
ينبغي (عليك) أن تدرس
أو النهي عن شيء:
ينبغي (عليك) أن لا تدخِّن
يريدون في هذا كله:
يجب عليك أن تدرس
يجب عليك أن لا تدخن
(وهذه الأخيرة مختلفة من:
لا يجب عليك أن تدخِّن
فهل ترى الفرق؟
يجب عليك أن لا تدخن: توجب على السامع الانتهاء عن التدخين وتركه
لا يجب عليك أن تدخن: ترفع عن السامع وجوب التدخين، فهي أصلح في سياق آخر مثل:
لا يجب عليك أن تخلع حذاءك قبل الدخول)
لكن لنعد إلى (ينبغي)، فتلكم العبارتان اللتان ذكرتُهما مشكلتان.
أولا:
لا يقال (ينبغي "عليك") فالفعل (ينبغي) لا يتعدى بحرف الجر (على) بل بحرف الجر اللام (ينبغي "لك")، ووضع (على) موضع اللام من تحميل (ينبغي) معنى (يجب).
ثانيًا:
(ينبغي) ليس معناها (يجب)، بل معناها مطاوعة (بغى).
ما المطاوعة؟
إذا ذهبت تعالج -تفعل شيئًا فيه شيء من الجهد أو العمل المبذول- فاستجاب لك فقد طاوعك.
مثل:
كسرتُ الكرسيّ فانكسر
صرفتُ الخادم فانصرف
فالفعل: كسرتُ – صرفتُ
والمطاوعة: انكسر – انصرف
وكما ترى، جاء الفعل على (فعَل) وجاءت المطاوعة على (انفعل)
قياسًا على هذا، تقول:
بغيتُ صعود الجبل فانبغى لي
أي:
أردتُ صعود الجبل فطاوعني الأمر فأمكنني فتمكَّنت منه
وانظر إلى قوله تعالى (وما علَّمناه الشعر وما ينبغي له)
وقوله تعالى (لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر)
ولنفصل هذه الأمثلة ونشرح أن (ينبغي) لها درجات من المعنى، أقتبس من تفسير (التحرير والتنوير) للشيخ/ الطاهر بن عاشور، رحمه الله الفقرة التالية معلِّقًا عليها في ثناياها:
"ولما كان الطلب مختلف المعاني باختلاف المطلوب لزم أن يكون معنى (ينبغي) مختلفًا بحسب المقام فيُستعمل بمعنى:
(يتأتى) أو (يمكن) أو (يستقيم) أو (يليق).
ففي قوله تعالى (وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولدًا) المعنى: وما يجوز أن يتخذ الرحمان ولدًا، بناءًا على أن المستحيل لو طُلِبَ حصولُه لما تأتى لأنه مستحيل لا تتعلق به القدرة، لا لأن الله عاجز عنه [ولك أن تقول إن المعنى: لا يليق].
وفي قوله (قالوا سبحانك ما كان ينبغي لنا أن نتخذ من دونك من أولياء) المعنى: لا يستقيم لنا، أو لا يخول لنا أن نتخذ أولياء غيرك.
وفي قوله (لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر) المعنى: لا تستطيع [ولعلك توقفت عند هذه الآية من قبل متسائلًا: كيف لا "يجب عليها" أن تدرك القمر؟].
وفي قوله (وما علّمناه الشعر وما ينبغي له) المعنى: أنه لا يليق به [أو لا يمكن ولا يتأتى لأن الله منعه، ويؤيده قول الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث إن قول الشعر لا يتأتى له ولو أراده، وإن الكلام يتغير على لسانه فيكسر الوزن أو القافية، وفي الأحاديث أمثلة على ها ذا].
وفي (وهَبْ لي ملكًا لا ينبغي لأحد من بعدي) المعنى: إذا طلبه أحد لا يستجاب طلبه.
وفرق بين قولك: لا ينبغي لك أن تفعل كذا، كالأمثلة السابقة من القرآن الكريم، وبين قولك: ينبغي لك أن لا تفعل ها ذا
فالثاني يعني: إذا أردتَ "أن لا" تفعل كذا، أمكنك أو استطعت، مثل:
ينبغي لك أن لا تدخن
أي إذا أردتَ أن تنتهي عن التدخين أو تُوقف عنه لاستطعت فليس بمحال، أي هو تأكيد انبغاء النفي.
وهذا خلاف ما ورد في الأمثلة فهو تأكيد نفي الانبغاء."
تنبيهات:
1. قلنا إن من معاني (ينبغي لك): يمكنك
أي إذا أردتَ هذا استطعته أو أمكنك، لكن يجب ملاحظة الفرق بين (استطاع الرجلُ صعودَ الجبل) و(أمكنَ الرجلَ صعودُ الجبل) وهو ما فصَّلناه في هذا المنشور القديم:
يمكن:
https://t.me/arabiantongue/265
فراجعه لأن لا تقع في غلط، ففاعل العبارة الأولى ينقلب مفعولا به في العبارة الثانية والمفعول فاعلًا.
2. من آثار معنى (أمكن) في (انبغى) الغلط في استعماله للاستئذان فيقال:
أيمكنني الخروجُ من الحصة؟
هل يمكن الخروجُ من الحصة؟ (وهنا حذفنا المفعول به للعلم به، فأصل الجملة: هل يمكنني/يمكن المرءَ الخروجُ من الحصة؟ فاعلم أن المفعول به محذوف، ولا تُكثِر حذفه في كلامك خاصة إذا كان سامعك قليل العلم بالعربية أو بها ذا الأسلوب، واجتهد أن تذكر المفعول به إحياءًا للأسلوب الصحيح في الأذهان)
هل ينبغي لي مغادرة الفصل؟
وهذا كله سؤال عن قدرة المرء على عمل هذا الشيء، أو مطاوعة هذا الشيء له إذا أراده، وليس الغرض منه الاستئذان، بل الاستئذان هو من قول الأعاجم -على الراجح:
Can I leave the classroom?
ولطالما صحَّح لنا مدرسو الإنجليزية قديمًا هذه العبارة فكانوا يقولون:
You can but you may not
أي:
يمكنك الخروج (أي تستطيعه، لقدرتك على المشي ووجود باب ... إلخ.) لكن "ليس لك" هذا أي لا آذَنُ لك به.
(هل لاحظت الشبه بين (إمكان) و(I can)؟)
لذا فإذا أراد ولدك الاستئذان في شيء فانهه عن قول:
أيمكنني فعل كذا
ومُرْهُ بقول:
هل لي أن أفعل كذا؟
أَلِي أن أفعل كذا؟
#تقويم_اللسان