📚🍃 باب مَنْ قَالَ فِي الْخُطْبَةِ بَعْدَ الثَّنَاءِ أَمَّا بَعْدُ:
«922» عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ قَالَتْ دَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ قُلْتُ مَا شَأْنُ النَّاسِ فَأَشَارَتْ بِرَأْسِهَا إِلَى السَّمَاءِ. فَقُلْتُ آيَةٌ فَأَشَارَتْ بِرَأْسِهَا أَيْ نَعَمْ. قَالَتْ فَأَطَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جِدًّا حَتَّى تَجَلاَّنِي الْغَشْيُ وَإِلَى جَنْبِي قِرْبَةٌ فِيهَا مَاءٌ فَفَتَحْتُهَا فَجَعَلْتُ أَصُبُّ مِنْهَا عَلَى رَأْسِي، فَانْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ تَجَلَّتِ الشَّمْسُ، فَخَطَبَ النَّاسَ، وَحَمِدَ اللَّهَ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ثُمَّ قَالَ: ((أَمَّا بَعْدُ)). قَالَتْ وَلَغِطَ نِسْوَةٌ مِنَ الأَنْصَارِ، فَانْكَفَأْتُ إِلَيْهِنَّ لأُسَكِّتَهُنَّ فَقُلْتُ لِعَائِشَةَ مَا قَالَ قَالَتْ قَالَ: ((مَا مِنْ شَيْءٍ لَمْ أَكُنْ أُرِيتُهُ إِلاَّ قَدْ رَأَيْتُهُ فِي مَقَامِي هَذَا حَتَّى الْجَنَّةَ وَالنَّارَ، وَإِنَّهُ قَدْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّكُمْ تُفْتَنُونَ فِي الْقُبُورِ مِثْلَ- أَوْ قَرِيبَ مِنْ- فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ، يُؤْتَى أَحَدُكُمْ، فَيُقَالُ لَهُ مَا عِلْمُكَ بِهَذَا الرَّجُلِ فَأَمَّا الْمُؤْمِنُ- أَوْ قَالَ الْمُوقِنُ شَكَّ هِشَامٌ- فَيَقُولُ هُوَ رَسُولُ اللَّهِ، هُوَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَاءَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى فَآمَنَّا وَأَجَبْنَا وَاتَّبَعْنَا وَصَدَّقْنَا. فَيُقَالُ لَهُ نَمْ صَالِحًا، قَدْ كُنَّا نَعْلَمُ إِنْ كُنْتَ لَتُؤْمِنُ بِهِ. وَأَمَّا الْمُنَافِقُ- أَوْ قَالَ الْمُرْتَابُ شَكَّ هِشَامٌ- فَيُقَالُ لَهُ مَا عِلْمُكَ بِهَذَا الرَّجُلِ فَيَقُولُ لاَ أَدْرِي، سَمِعْتُ النَّاسَ يَقُولُونَ شَيْئًا فَقُلْتُهُ)). قَالَ هِشَامٌ فَلَقَدْ قَالَتْ لِي فَاطِمَةُ فَأَوْعَيْتُهُ، غَيْرَ أَنَّهَا ذَكَرَتْ مَا يُغَلِّظُ عَلَيْهِ.
📚رواه البخاري📚
💚شرح الحديث💚
فِتنةُ القَبرِ مِن أعظمِ الفِتَن التي يَمُرُّ بها المَرءُ، وقدْ كان صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَستعِيذُ باللهِ منها آخِرَ الصَّلاةِ بعدَ التَّشهُّدِ وقَبْلَ التسليمِ.وفي هذا الحَديثِ يُخبِرُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عن حالِ المُؤْمِن والمُنافِقِ في فِتنة القَبرِ، وكان ذلك في خُطبةٍ له بعدَ صَلاةِ الكُسُوفِ، حيثُ تَروي أسماءُ بنتُ أبي بكرٍ الصِّدِّيقِ رَضيَ اللهُ عنهما أنَّها دخَلَتْ على أُختِها عائشةَ رَضيَ اللهُ عنها، وفي رِوايةٍ: وهيَ «تُصَلِّي قائمةً والنَّاسُ قِيامٌ» يُصَلُّون صَلاةَ الكُسوفِ، فقالتْ لعائشةَ رَضيَ اللهُ عنهما: ما شأْنُ الناسِ؟ وقد كانوا فَزِعِينَ، فأشارَتْ عائشةُ رَضيَ اللهُ عنها إلى السَّماءِ، تُشيرُ إلى كُسوفِ الشَّمسِ، ويُفهَمُ مِن ذلك أنَّ عائشةَ أشارتْ إليها وهيَ تُصلِّي مع الناسِ، فقالت أسماءُ رَضيَ اللهُ عنها مُستفهِمةً: آيَةٌ؟ تعني: هلْ هذه آيةٌ مِن آياتِ اللهِ؟ فحَرَّكتْ لها عَائِشةُ رَضيَ اللهُ عنها رَأْسَها، مُوافقةً لها، فقامتْ أسماءُ تُصَلِّي معهم، فأطالَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في الصَّلاةِ حتَّى كادَتْ أسماءُ رَضيَ اللهُ عنها تُصابُ بالإغماءِ؛ لطُولِ القيامِ وكَثرةِ الحَرِّ، وكان بجانبِها قِرْبةٌ مِنَ الماءِ، ففَتَحَتْها وأخَذَتْ تَصُبُّ منها على رَأسِها، فلمَّا قَضَى النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ الصَّلاةَ وظَهَرت الشَّمسُ، خَطَب الناسَ، وحَمِدَ اللهَ، وعندَما بَدَأ خُطبتَه لَغَطَ نِسوةٌ مِن الأنصارِ، واللَّغَطُ: الأصْواتُ المُختلِطةُ التي لا تُفهَمُ، فمالَتْ إليهنَّ أسماءُ رَضيَ اللهُ عنها لِتُسَكِّتَهُنَّ، ثمَّ سَألَتْ عائشةَ رَضيَ اللهُ عنها: ماذا قال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في خُطبتِه؟ فقالتْ لها: قال: «ما مِن شَيءٍ لم أكُنْ أُرِيتُه إلَّا قد رَأيْتُه في مَقامي هذا، حتَّى الجنَّةَ والنارَ»، يعني: كلُّ شَيءٍ لم أَكُنْ قدْ رأَيْتُه قبْلَ ذلك فقدْ رَأيتُه في حالتي هذه رُؤيةً حَقيقيَّةً، حتَّى الجنَّةَ والنارَ، «وإنَّه قد أُوحِيَ إلَيَّ أنَّكُم تُفْتَنُون في القُبورِ، مِثْلَ -أو قَريبًا مِن- فِتنةِ المَسِيحِ الدَّجَّالِ»، يعني: أنَّكُم تَتعرَّضون في القُبورِ إلى الفِتنةِ والامتِحانِ، وأنَّ هذه الفِتنةَ مِثلُ فِتنةِ المَسيحِ الدَّجَّالِ أو قَريبةٌ منها، وفِتنةُ الدَّجَّالِ مِن أعظَمِ الفِتَنِ وأخطَرِها، والدَّجَّالُ مِن الدَّجلِ: وهو التَّغطيةُ، سُمِّي به؛ لأنَّه يُغطِّي الحَقَّ بباطِلِه، وهو شَخصٌ مِن بَني آدَمَ، وظُهورُه مِن العَلاماتِ الكُبرى ليَومِ القيامةِ، يَبتَلي اللهُ به عِبادَه، وأَقْدَرَه على أشياءَ مِن مَقدوراتِ اللهِ تعالَى: مِن إحياءِ الميِّتِ الذي يَقتُلُه، ومِن ظُهورِ زَهرةِ الدُّنيا والخِصْبِ معه، وجَنَّتِه ونارِه، ونَهْرَيْهِ،