النظام السياسي والإداري للدولة العباسية
أ- الخلافة:
وقد أقام
العباسيون دولتهم سنة (132هـ= 749م)، وتولى أول خلفائهم أبو العباس عبدالله بن محمد السلطة بناءً على وصية أخيه إبراهيم الإمام بعد وقوعه في قبضة
الأمويين، وقد حكم أبو العباس أربع سنوات، وقبيل وفاته عهد إلى أخيه أبي جعفر المنصور بولاية العهد من بعده، ومن بعد أبي جعفر، عيسى بن موسى، وكتب العهد بهذا وصره في ثوب وختم عليه بخاتمه وخواتم أهل بيته وسلَّمه إلى عيسى بن موسى.
ومن هنا نلاحظ أن الحكم قد بدأ وراثيًّا في عهد
الدولة العباسية منذ اللحظة الأولى، واقتصر على أهل البيت العباسي، كما أن أكثر الخلفاء كان يُوصي بولاية العهد إلى أكثر من شخص؛ ممَّا أدَّى إلى صراعات ساعدت على تصدُّع الدولة العباسيَّة.
وحين تولَّى أبو جعفر المنصور الخلافة واجه اعتراضًا من عمِّه عبد الله بن علي الذي رفض مبايعته، ودعا لنفسه بالخلافة مدَّعيًا أنَّه ولي عهد أبي العباس، ممَّا دعا المنصور إلى توجيه جيشٍ له بقيادة
أبي مسلم الخراساني تمكَّن من القبض عليه والقضاء على دعوته.
وقد نقل المنصور ولاية العهد من ابن أخيه عيسى بن موسى إلى ابنه محمد، الذي تولى الخلافة بعد أبيه المنصور سنة (158هـ= 775م) ولُقِّب بالخليفة المهدي، واستمرَّ في منصبه حتى تُوفِّي سنة (169هـ= 785م)؛ حيث تولَّى ابنه موسى الملقَّب بالخليفة الهادي، ولم يمكث سوى سنةٍ واحدة في الحكم؛ حيث تولَّى من بعده أخوه هارون الرشيد، ومنذ عهد الرشيد أصبح الصراع السياسي على السلطة إحدى السمات المميِّزة للعصر العباسي الأول، وكان الصراع بين الأمين والمأمون من الأمثلة المعبِّرة عن هذه السمة، وقد انتهى بقتل الأمين وتولية المأمون الخلافة.
ب- الوزارة:
تُعدُّ الوزارة المنصب الثاني بعد الخلافة في الدولة العباسية، وقد قسَّم فقهاء المسلمين الوزارة إلى نوعين:
- وزارة التفويض:
حيث يفوض الخليفة الوزير في تدبير أمور الدولة برأيه واجتهاده، فتكون له السلطة المطلقة في الحكم والتصرف في شئون الدولة.
- وزارة التنفيذ:
حيث يكون الوزير وسيطاً بين الخليفة والرعية والولاة، ومجرد منفذ لأوامر الخليفة.
وقد أحدث العباسيون نظام الوزارة في بداية دولتهم متأثرين في ذلك بالنظم الفارسية، ولم تكن مسئوليات الوزير في بداية الأمر تبعد كثيرًا عن مسئوليات الكاتب، وقد حصر أبو جعفر المنصور مهمة الوزير في التنفيذ وإبداء الرأي والنصح، ولم يكن له وزير دائم، ومن وزرائه: الربيع بن يونس الذي اشتهر باللباقة والذكاء وحسن التدبير والسياسة.
وقد ظهرت شخصية الوزراء إلى حدٍّ كبير في عهد الخليفة المهدى، لما ساد الدولة من هدوء نسبى، ومن هؤلاء الوزراء الأقوياء يعقوب بن داود، ثم صار للوزارة شأن كبير في عهد الرشيد والمأمون لاعتماد الأول على
البرامكة، والثاني علي بني سهل، فمُنِحَ يحيى البرمكي وزير الرشيد، والفضل بن سهل وزير المأمون صلاحيات وسلطات واسعة، جعلت نفوذهما يمتد إلى جميع مرافق الدولة، ولكن سرعان ما تم التخلص منهما.
ج- الكتابة:
كانت طبقة الكُتَّاب ذات أهمية كبيرة في الدولة العباسية، وكان الكاتب ذا علم واسع وثقافة عريضة؛ لأنه يقوم بتحرير الرسائل الرسمية والسياسية داخل الدولة وخارجها، كما يتولَّى نشر القرارات والبلاغات والمراسيم بين الناس، ويجلس على منصة القضاء بجوار الخليفة لينظر في الدعاوى والشكاوى ثم يختمها بخاتم الخليفة.
ومن أشهر الكُتَّاب في العصر العباسي الأول يحيى بن خالد بن برمك في عهد الرشيد، والفضل والحسن ابنا سهل، وأحمد بن يوسف في عهد المأمون، ومحمد بن عبدالملك الزيات والحسن بن وهب، وأحمد بن المدبر في عهد المعتصم والواثق.
د- الحجابة:
وهي وظيفة تقوم بمساعدة الحكام في تنظيم الصلة بينهم وبين الرعية، فالحاجب واسطة بين الناس والخليفة، يدرس حوائجهم، ويأذن لهم بالدخول بين يدي الخليفة أو يرفض ذلك إذا كانت الأسباب غير مقنعة؛ وذلك حفاظًا على هيبة الخلافة وتنظيمًا لعرض المسائل حسب أهميتها على الحاكم الأعلى للبلاد.
وقد اقتدى العباسيون بالأمويين في اتخاذ الحُجَّاب، وأسرفوا في منع الناس من المقابلات الرسمية، ولعل هذا هو السبب المباشر في نشأة ما أسماه
ابن خلدون"الحجاب الثاني"، فكان بين الناس والخليفة حاجزان عبارة عن دارين، أحدهما يُسمَّى دار الخاصة والآخر دار العامة، وكان الخليفة يقابل كل طائفة حسب حالتها وظروفها في إحدى هاتين الدارين تبعًا لإرادة الحُجَّاب على أبوابها.
هـ- ولاية الأقاليم:
المقصود بالأقاليم: المناطق التي تتكون منها الدولة. وقد كان النظام الإداري في الدولة العباسية نظامًا مركزيا؛ حيث صار الولاة على الأقاليم مجرد عمال للخليفة، على عكس ما كانوا عليه في الدولة الأموية.