الصفحة الرسمية للشيخ أبي بصير الطرطوسي

لا ينبغي للسلطات المسؤولة في تركيا أن تنشغل بردَّات الفعل لضحايا السلوك العنصري، بعيداً عن التوجه مباشرة إلى مكمن الداء، وسبب المشاكل؛ ألا وهو الأخلاقيات العنصرية البغيضة، ومنابتها، وما ينتج عنها من سلوكيات ومواقف مدمرة للعلاقات الأخوية بين الشعوب، ولتقدم وازدهار الدول والمجتمعات!

العنصرية المتنامية في تركيا، وردَّة الفعل التي تقابلها من العرب، وبخاصَّة السوريين، لم تكن وليدة اليوم، وإنما هي نتيجة تراكمات من المواقف، والسلوكيات العنصرية على مدار عَقدٍ من الزمن، مع إهمال من الجهات المختصة والمسؤولة لهذه الظاهرة الخطيرة والمدمرة .. مما أوصل الأمور إلى هذا الموصل المتفاقم الذي نلحظه ونراه، والذي كنا ولا نزال لا نريده، ولا نرضاه، وطالما حذرنا منه ومن عواقبه ومآلاته!

[ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يُؤْمِنُونَ ]هود:17. الحقُّ لا يُعرَفُ بكثرَةٍ أو قِلَّةٍ .. وإنما يُعرفُ بالحقِّ المنَزَّلِ، وبموافَقَةِ الحقِّ المنَزَّلِ .. والأكثريَّةُ ليسَت دائماً دَليلاً على الحقِّ الذي يجبُ أن يُتَّبَع .. فلو اجتَمعَت الأكثريَّةُ على عدَمِ الإيمانِ باللهِ، فاجتمَاعُها باطِلٌ، ومَردُودٌ، وأكثريَّتها لا تُحيلُ الحقَّ باطِلاً، ولَا البَاطِلَ حقَّاً كما تُقرِّرُ الديمقراطِيَّاتُ المعَاصِرَة؛ التي تَدورُ معَ الأكثريَّةِ واختيَارِهَا حيثُما دَارَت؛ ولو كان في اختيارِها وحُكمها فسَادُ وخرَابُ البِلادِ والعِبَادِ!

[ وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً ]الإسراء:74. مُحَاولاتُ أهلِ البَاطِلِ مُستمرَّةٌ؛ لَا تَعرفُ الكلَلَ، ولَا الملَلَ، ولَا التَّوقفَ .. تارَةً يَأتُون المؤمنَ عن اليمينِ، وتارةً يأتونه عن الشمالِ، يَستخدمُون التَّرغيبَ تارةً، والتَّرهيبَ تارةً أُخْرَى؛ لكي يميلَ المؤمنُ إليهم، وإلى باطلِهم، ولو شَيئاً يَسيراً .. فهم إن لم تُطاوعْهُم، وتمِلْ إليهم مَيلاً كثيراً، يَرضَون منك أن تميلَ إليهم شيئاً قليلاً؛ ليتَقوَّوا بهذا القليلِ على باطلِهم، ويقُولوا لولَا أنَّنا على حقٍّ لما تابَعَنا ووافقَنا المؤمنُ على ما نحنُ فِيه .. ثم الذي يوافِقُهم ويُتابعُهم في القَليلِ، مع الزَّمنِ والاسترخَاءِ قد يَضعفُ ويتَابعُهم في الكثيرِ؛ فيَهلَك، ويُهلِك، ويتَنزَّل العذَابُ .. لِذا فالقضيَّةُ من هذا الوجهِ هامَّةٌ وخطيرةٌ تستدعي سؤالَ اللهِ الثَّباتَ على الحقِّ الذي يحبُّه ويَرضَاه، واستمدَادَ العَونِ منه سُبحانه على الثَّباتِ، فلولا تَثبيتُ الله لعبدِه المؤمن؛ لضَعُفَ، ولمَا قَوي على الثَّباتِ، ومواجهَةِ التَّحدياتِ، والإغراءات .. وكان النبيُّ صلى الله عليه وسلم كثيراً ما يَدعُو ويقُول ـ ويُعلِّمُنَا أن نقُول ـ:" يا مُقَلِّبَ القُلُوبِ ثَبِّتْ قَلبِي على دِينِك ".

لك أن تعتذر عن نصرة أخيك المسلم إن لمست من نفسك عجزاً وضعفاً، أما أن تَعِدَه، وتمنيه الأماني، ثم ـ بعد أن صدّقك، وأسلمَك ظهره ـ تخلِفَه الوعودَ، وتخونه، وتغدر به، وتُسْلِمَه لأعدائِه .. فهذا من خصال النفاق والمنافقين، كما في الحديث الصحيح:" آيةُ المنافق ثلاثٌ: إذا حَدَّث كذَب، وإذا وعَدَ أخلَفَ، وإذا اؤتمن خانَ "البخاري.

مَضَت سنَّةُ اللهِ في خَلْقِه، أنَّ مَن يَقْترِبُ مِن جَنَابِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، ومن سُنَّتِه المطهَّرَةِ بشَيءٍ من الانتِقَاصِ، والاستِخْفَافِ ـ مَهمَا عَلَا كَعْبُه، وشَاعَ صِيتُه ـ أن يضَعَ اللهُ له البُغضَ في الأرضِ، وفي السَّماءِ، قال تعالى:[ إِنَّا كَفَيْنَاكَ المُسْتَهْزِئِينَ ]الحجر:95.

من رأيتمُوه يَستَدِلُّ بالمتَشَابِهات؛ ليردَّ ويُعارِضَ بها المُحْكَمَاتِ، فاعْلَمُوا أنَّ فِيه عِرْق زَنْدَقَةٍ.

[ تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الْأَرْضِ ]؛ تعَالِيَاً على الخَلْقِ، [ وَلَا فَسَاداً ]القصص:83. ولَا رَدَّاً للحقِّ.