عَمرَة الأنصاريَّة

#مؤقت

#مؤقت

خطب المغترب مهما كان؛ أهون من خطب من لم يهاجر خارج سوريا، وقاسَى ما قاسَى من الأهوال! بعد كل هذا، كم نرى -ورأيت اليوم- بعض السوريين المغتربين يتحدثون عن الصلح مع بشار، وعودة المياه لمجاريها، وشو يقلك: اشتقنا لبلادنا وبيوتنا يا عمي، ولأهلنا! وفي المقابل: نازلين ذم للثورة والمجاهدين والثوار يلي كانوا السبب بخراب البلد وبهالتشريد والغربة! يطلبُ شفاءَ نفسه من وجد الغربة وإراحتها من عنائها؛ بالذل والخسَّة، ووضع اليد في يد ظالمه الذي هو سبب غربته وشقائه وعنائه -لأنه حاليًّا الغالبِ الظاهر- والطعنُ في ظهور من قامَ يدافع الظلمَ ويرفضه -لأنه حاليًا المُستَضعَف المغلوب-؛ لموضع: اشتقنا يا عمي لبلادنا! ناس لما الواحد بيقابلها؛ بيروح يموت من القهر والكمد، لكن يعزي نفسَه بأنها هي من اختارت لنفسها الوَضَاعة، وأما وعدُ اللّٰـه بالنصر فلا بدَّ آتٍ يومًا؛ لكن ما كلٌّ ينالُ شرفَ أن تكون له فيه يد! «فلا صُلحَ حتى تُطعَن الخيلُ بالقَنا وتُضـربَ بالبِيض الرِّقـاق الجماجمُ»

وإذا كان هذا الشقاء والعناء من دولةٍ لدولة، فآلَمُ وآلَمُ لما يكون في الدولة الواحدة: - إذ أحدِّث أختي بشوقي إلى أن تزورنَا وقد أطالت الغيبة، إذا بها تخشى على زوجها من انتهاء إقامته؛ أن يُمسك على كمين فيُرحَّل، والنتيجة: لا لقاء ونحن في دولة واحدة! وفوقه: وجَل وتخوُّف، جميلٌ معه أن الرجل بَعدُ ينزل ليصلي الصلاة في جماعة! - إذ تحدثنا عمتي وبين بيتها وبيت عمي خمسة دقائق؛ بعدم استطاعة عمي أن يزورها، بل أن ينزل للشارع من أصله، خشية من الإيذاء لعلة كونِه سوريًّا؛ ولم لم يكن إلَّاه لهان، لكنما فوقه: كبير تخوِّف من الترحيل لعلة كون أعمامي من قبلُ (من قادة المجاهدين)، حتى يبلغ بأحدهم أن يبكي من القهر! هذا أحد الخطوب كذلك، وللّٰـه كَم غيره!

«جدتي» حفظها اللّٰـه أنجبت (١٥ ذكورًا وإناثًا)، بعدَ من قُتِل ومن مات؛ بقي لها: (١١)، كلٌّ في دولة، وكل الدول العربية إما إغلاق تام للحدود أمام السوريين، أو اشتراط دفع مبالغ طائلة لاستخراج ڤيزا خاصة بدخول السوريين.. فيديو الوداع هذا اليوم؛ سبَقَه محاولات أربع سنين لدخول الأردن، وبعد وساطة رموز كبار وبعد دفعٍ طائل؛ سُمِح لها بأقل من شهر؛ اجتمعَت فيه ببعض بناتها.. ومن قبل محاولاتُ سنين سبقَت لدخول تركيا لترى أعمامي الذين لم ترهم منذ عشر سنين -كانوا نصفها في سوريا ونصفها الآخر في تركيا- وإلى اليوم لم يُسمَح لها.. ومن قبل محاولات حثيثة لدخول مصر لترى أبي؛ دخلَتها بعد وساطة رموز كذلك من أمن الدولة، ودفع مبالغ طائلة لهم -ألوف الدولارات؛ التي اجتمع أعمامي وعماتي جميعًا لجمعِها لها لتدخلَ مصر-.. ودول أخرى بها بعض أعمامي وعماتي؛ من عُسرِ الوصول إليها ودخولها لسوريّ؛ لا يُحلَم بالمحاولة من أصلها.. هذه حكاية «أم» سورية واحدة، رُوحُها أشتاتَ في دول شتَّى، ورأيتُها الفترة التي كانت فيها عندنا؛ وبها من هذا التشريد والفراق كل سقمٍ وألمٍ، ويوميًّا لا تكاد ترقأ لها دمعة.. هذه حال أم واحدة، فتأمل حال ملايين من المهجَّرين، وهذا خطبٌ واحدٌ من خطوب التهجير عن الوطن والغربة، فتفكَّر في ألوان خُطُوب المغترب! وحسبنا اللّٰـه ونعم الوكيل..

«سُبحانكَ اللهمَّ وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفركَ وأتوب إليك»..

روينا عن محمد بن يحيى بن سلام، عن أبيه؛ قال: «ينبغي للعالِم أن يحمل الناس على الرُّخصة والسعة؛ ما لم يخَف المَأثم».. وأخبرنا محمد بن إبراهيم، قال: حدثنا سعيد بن أحمد بن عبد ربه وأحمد بن مطرف؛ قالا: حدثنا سعيد بن عثمان قال: حدثنا يونس بن عبد الأعلى قال: حدثنا سفيان بن عيينة، عن معمر قال: «إنما العلم أن تسمع بالرُّخصة من ثقة، فأما التَّشديد فيُحسِنه كلُّ واحد».. التمهيد | لابن عبد البر وخِطابُ التشدُّد في غير محلِّه لا يدلُّ على أكثر من باعِثِ تكلُّف الوَرَع عند المُخاطِب؛ ولا يلزمُ لصاحبِه بالضرورة صحة فقهٍ ولا نَظَر، ولعلَّ من إسداء المعروفِ له أن يُنبَّه بلطفٍ إلى أن يربعَ على نفسِه في الأخذ بمسلَكِ الاحتياط تورُّعًا فلا يُلزِم به غيره، لئلا يحرِّجَ عليه فيما له فيه سعة..

«سأل رجلٌ مطرِّف ابن الشخِّير عن شيء، فقال: يا ابن أخي، لا تحمل سعة الإسلام على ضيق صدرك».. بهجة المجالس | لابن عبد البر

من اللطيف: أن الإمام الكاساني كان طالبًا عند أبيها، وأن كُنيَته ولقبه؛ كنيةُ أبيها ولقبُه، كلاهما يُكنَّى بأبي بكر، ويُلقَّب بعلاء الدِّين..