كارثة انتحار طالب في امتحان الكيمياء بالأمس .. خلتني عايز أفضفض بكلمتين عن التعليم النظامي
-بداية التعليم النظامي حاجة كويسة، فهو مجموعة من المعارف ينفع ولا يضر تحصيلها
-وإنما مشكلة التعليم النظامي فيما يحيطه ويتعلق به من ثقافة ومعتقدات وأفكار
فالتعليم النظامي (في الثقافة المعاصرة) ليس مجرد مناهج يتحصل الإنسان عليها، بل هو مركز الحياة المعاصرة ومتنها كل شيء حوله وعلى هامشه، هو سلطان الحياة وميزانها يخفض ويرفع
حين يفتح الطفل عينه على الدنيا، يسمع عشرات الأسئلة بلفظ واحد: نفسك تطلع إيه؟
ثم يظل ثلث حياته الأول –وهو أفضل أجزائها- لا يفعل شيئا سوى التعليم، ما بين جد الدراسة ومذاكرتها، وترفيه الإجازة ولهوها
وطيلة هذه السنوات –غالبا- يحرم الإنسان من تعلم شيء من فنون الحياة وخبراتها، ومن تحصيل رزقه فهو (طالب) لا وظيفة له في الحياة إلا المذاكرة، ومن تنمية عقله وتكميل نفسه بالفضائل ومن التساؤلات الوجودية والمعارف الدينية والاهتمام بالحياة العامة
ثم يصل هذا الشحن والتوجيه إلى ما يشبه الجنون في الثانوية العامة، فهي تحديد المصير!!
رحلة بائسة أشبه ما يكون بالحيوان الذي توضع عصابة على عينه ليسير في طريقه المرسوم
=فينتج من ذلك شاب في منتصف العشرينيات بلا خبرات أوتجارب حياتية أو ذمة مالية مستقلة، أو قدرة عقلية جيدة، أو معرفة واعية مترابطة، سوى ما وصل إليه في طريقه المرسوم
علاوة على المفاسد الدينية والأخلاقية (بسبب تأخير الزواج وإهمال الأسئلة الوجودية والمعرفة الدينية)
بالإضافة للأضرار النفسية التي يسببها هوس الثانوية العامة، فمن يصل إلى حلمه (مهندس/دكتور) يصاب بالتيه والفخر، ومن يفشل يصاب بالانكسار والحزن وربما الانتحار
-هذا المنتج يسمى (متعلم) وغيره (مكملش تعليمه) مهما كان عقله وعلمه وخلقه
تقدير ونظر الناس يتفاوت بحسب درجة الشخص من التعليم! وهل دخل كلية أو لا؟ ونوع الكلية؟ أهم أسئلة الخاطب/المخطوبة: هو/هي خريج/ة إيه؟ .... إلخ
أيدلوجية كاملة لها معتقدات ومناسك وطقوس، وبل ولها من يموت في سبيلها
--الخلاصة اللي عايز أقولها للطلبة وأوليائهم:
ادرس وتفوق وابلغ أقصى درجات التعلم النظامي
لكن هون على نفسك أو على ولدك (أو يا راجل كبر مخك)
لا تظن أن هذا الذي تتعلمه هو (العلم) ولا هو (مركز الحياة ومتنها) ولا له علاقة تذكر (بوجود العقل وكمال الإنسان) ولا هو (تحديد مصير) والهري ده
بل هي بعض المعلومات المفيدة التي (قد) تعينك على أكل العيش، أو تعلم بعض الأشياء، فهو أحد نشاطات الحياة ومعارفها في أحد جوانبها وهوامشها
بل اجعل حياتك/حياة ولدك زاخرة واسعة حرة واعية، تعلم الفنون والخبرات، خض التجارب الحياتية، بادر إلى تحصيل المعاش واستقلال الذمة المالية، حاول تنمية عقلك وتوعيته بالقراءة والتعلم الحر، لا بأس بتبكير الزواج والتعفف عند شعورك بالحاجة إليه
وقبل ذلك كله اهتم بالأسئلة الوجودية عن المبدأ والمصير والخالق وصفاته وكتبه ورسله، وتكميل النفس بالفضائل والأخلاق فهذا أهم ما في الحياة كلها ومقصودها
-بادر في نزع هذا الغطاء المقيت عنك أو عن ولدك، قبل أن يأخذ منك عقلك وأحلى سنين عمرك، أو يأخذ عمرك كله كما حصل مع الطالب المسكين.
الشيخ عمروعفيفي