شِبلُ القَضِيّة

«وحال العديد من دول المنطقة العربية شاهد على أن إقحام المرأة في الحياة العامة من غير مُراعاة لمُقتضيات الشّرع والحشمة لم يؤد إلى انتعاش اقتصادي، ولا ازدهار تنمويّ، إلا أنها كانت ورقة رابحة في سلّة مشروع التغيير لبِنية المنطقة لصالح القِوى الغربية.» [التبرُّج المُسَيَّس، ص:136]

«ولا بد من الأخذ في الاعتبار أن موقع النساء من الحياة العامة يُعَدُّ مِعيارًا أساسيًّا في مقاييس التغيير الاجتماعي، كما تحدث الدكتور غريغوري غوس -أستاذ العلوم السياسية بجامعة فيرمونت- عن النقلة التي تشهدها المملكة العربية السّعودية في التحرُّكات الداخلية وعلى صعيد سياساتها الإقليمية، وقال: إن وضع المرأة هو مُؤشّر جيّد لقياس التقدم الذي تحقّقه السّعودية في مجال الإصلاحات الليبراليّة، وبناءً على هذا المؤشر -حسب غريغوري- فقد خَطَت البلادُ خطوات بسيطة، ولكنها هامة خلال السنوات الخمس أو العشر الماضية، فقد أصبح الاختلاط في المناسبات العامة أكثر شيوعًا من ذي قبل، حيث قام المَلِك بإنشاء أول جامعة مختلطة في المملكة في تحدي واضح للعناصر الدينية المتشدّدة.» [التبرُّج المُسَيَّس، ص:126]

Georg Emil Libert - A couple in moonshine on the bank of a lake (1887).

سلّم وصلّ على النبيّﷺ وآله ولا تنس المُجاهدين من دعواتك.

لا فُضَّ فوك أستاذنا.

عن كتاب «التبرُّج المُسَيَّس».

أجَّلتُ هذا الكتاب مراراً على أمل التمكِّن من قراءة مقالات الوهيبي، كعادتي مع كل كاتب، لكن -بارك الله له ووفقه ونفعه ونفع به- كَثُرَت مقالاته، ألهمه الله الرأفةَ والرحمةَ بنا لجمعها في كتابٍ. منذ زمنٍ وأنا معجبٌ بالوهيبي، وأنصح -أحياناً أدفع- مَن أحب لقراءة كتاباته. رغم بشاشته التي لا تفارقه في حواراته، فتحليلاته دائماً ما أشعر أنها تستبطنُ شراسةً مع دقَّة فهم، وهذا البحث لا يشُذُّ عن ذلك. الكتاب يُجَلِّي الأثَر التغريبي الواقع على بلاد الحرمين، والمُتَولون كِبْرَ هذا النشاط الكولونيالي -حقيقةً- في المجتمع المسلم هناك. وإن كان البحث يناقش مباشرةً حالة المجتمع هناك، لكنك لا تكاد تستشعر اختلافاً في الأدوات المُسْتَخْدَمة في بلادنا البائسة، مع اختلافٍ طفيفٍ في التفاصيل، واختلافٍ مهمٍ يجب التنبُّه إليه، هو حالة المجتمع، فهناك تتحدَّث عن مجتمعٍ دراسته لأصول الدين أكثر من غيره بكثير، ورغم ذلك لم يَسْلَم من سطوة الغرب وأدواته. يبني بحثه على ثلاث مساراتٍ، منها الابتعاث، وقد قابلتُ في أمريكا مُبتعَثينَ من طبقاتٍ اجتماعيةٍ مختلفة، وفي كل هذه الطبقات هناك سمةٌ ثابتةٌ: القادم من المدن الصغيرة (أو له ارتباط اجتماعي قويٌ بقريته/قبيلته/أسرته) لا يكاد يُقارف الفواحش التي يمارسها رفاقهم -الذين يسكنون معهم- بأريحية واعتياد، لكن الأولينَ لا يُنكرون على الآخَرين. وكلما نزلَت الطبقة الاجتماعية/الماديَّة، تَلْمَسُ تديُّناً يظهرُ حيناً ويختفي أحياناً، دون أثرٍ على واقع الانغماس التامِّ بالحياة الجامعيَّة بكل سوءها وفحشها. فالحقيقة أنَّ الابتعاث المتطرِّف المفتوح على مصراعيه، مع الثقافة المرئية الغربيَّة، لمستُ أثرها واضحاً بل مخيفاً، ثم بعد ذلك ظهرت آثارها -كما ينقل الكاتب- في واقع المجتمع في تصادمٍ صريحٍ مع المفاهيم الشرعيَّة والعُرفيَّة. المُبهِر في الوهيبي توظيفه لقراءاته وجمعها وفرزها وتحليلها، ثم تضمينها، مُثبتاً حجته بها. قد يكون الكتاب هذا -وكتابه الأخير وإن لم أستطع للآن الوصول إليه- مليئين بالاقتباسات والنصوص الموَظَّفة، لكنَّ إيصال الفكرة بهذه الطريقة يبدو أنها سِمَةٌ وهيبيَّةٌ، وإن كانت في المقالات أقلَّ، فهناك تقرأ للوهيبي نفسه أكثرَ. وأودُّ أنْ أقرأ تحليلاً اجتماعياً للوهيبي، بنصوصٍ مُقتبَسَة أقل. مقدمة البحث، التي يشرح بها سياسات أمريكا، من فرائض القراءة على أيِّ مراقبٍ مسلم. والنَّفَسُ «الصحويُّ» ظاهرٌ في الكتاب، خاصكً في فصله الأخير، وفي كتابه الآخَر (الاستشراق الجديد)، وكذا نجد هذا في كتب العجيري الأولى، ثم تجافَت هذه الطبقة عن هذه الطريقة، تُقيةً، فيما نحسَب. ربما الخرقُ اتَّسع على الراقع الآن، ولكن يبقى الكتاب مهماً لفهم كيف حصلَ ما حصلَ، وماذا سيحصل بعدُ! الأربعاء ١ رجب ١٤٤٣هـ ٢ شباط ٢٠٢٢م

«هذا التوجُّه المَحمُوم نحو إقحام المرأة بكثافة في المَجال العام يهدف إلى دفع عجلة التغيير الاجتماعي والثقافي داخل المجتمع السعودي إلى الأمام، للمساعدة في تَقويض البيئة الحاضِنة للتطرُّف، وهو أحد أهم أهداف المشروع الأمريكي للشرق الأوسط الكبير، ويحتلّ موقعا مميزا في أجندة البرامج والسياسات العليا الخارجية للولايات المتحدة لمكافحة الإرهاب، ولتعميق السّيطرة والهَيمنة للحفاظ على مصالح الغرب في الخليج.» [التبرُّج المُسَيَّس، ص:125]

«هِند موظفة سعودية في العشرينات من العمر، وتعمل في القطاع الخاص بالرياض، تقول في مقابلة شخصية أجرَتها معها باحثة فرنسية: «يوجد الآن تغييرات كثيرة في المجتمع السعودي وهي سريعة جدًا، فعلى سبيل المثال لم أكن قبل خمس سنوات أتصوّر قبول محيطي الأسري بالسماح لي بالعمل في محيط مُختَلِط، أو أن يكون مديري رجلًا. إن أهلي هُم أناس مُنفَتِحون، وليست لديهم مشكلة في العمل المختلط، ولكن عندما يكون للمجتمع كله مشكلة مع العمل المختلط؛ فإن أهلي عندها لن يرغبوا في أن يَرانا الناس كذلك» «إن هذه التغيّرات التي أشارت لها هند، لم تأت من فراغ، وإنما تحقّقت -إذا دقّقنا النظر في العوامل السياسية- وِفقًا لإرادة فاعلين كُثُر، وبتأثيرات مُسيّسة وواعية من قِبَل صحف، ومجلّات، وقنوات فضائية، وشبكة عنكبوتية، وروايات أدبية، وأفلام سينمائية، ومسلسلات تلفزيونية، ومراكز قوى ونفوذ، وهي عملية واسِعة تَحظى بدعم خارجيّ، ومُسانَدة رسميّة دَؤوبة.» [التبرُّج المُسَيَّس، ص: 17-18]