واحة توّاق..|

ليس كلُّ خيرٍ في كلِّ أحدٍ يُجتنى بالقربِ منه، بل كثيرٌ لا يصلكَ خيره إلا بهجره واجتنابه!

الحمد لله الذي منّ على الشيخ الفاضل (الزبير الغزي) بالخروج من السجن، وأسأل الله أن ينفع الأمة به، وأن يجعله سهماً في كنانة الحق والعدل.

"كنت أقرأ قديمًا أنَّ الصديق عملةٌ نادرةٌ قلَّما يُحصِّلها المرء، فأعجَب من هذا الافتراء على الحياة واتهامها بهذا الاتهام القاتل، أي أنها بخيلةٌ بالصديق، فسارت بي الحياة وسرتُ في دروبها، وغَشِيَتني غَمَرَاتٌ ومِحَنٌ، وتَقَلَّبَ بي الزمن وقلَّبتُهُ ظهرًا لبطنا، فلم أرَ من هذا التطواف أصدقَ من قولهم هذه الحكمة، وهي قلة الأصدقاء الذين يكونون كنفسك، ويجعلونك كنفوسهم، وهي عملةٌ ولا شكَّ نادرةٌ شحيحةٌ، فإن وقعتَ لصديقٍ، عرفتَهُ في الحياة، وبَلَوْتَه حتى بانَ لك صدق جوهره وصلابة أُخوَّته، فَشُدَّ عليه بكل غالٍ ونفيسٍ، ولا تجعل شيئًا من أشياء الدنيا يحولُ بينك وبينه، إن جفاكَ فرطِّب الثرى بينك وبينه، وإن أخطأ فاعذُره، وإن أساء فحلله، ففي المُلِمَّات تجده لك عونَا ومُعينًا." الشيخ الوالد (أبو قتادة الفلسطيني) | شذرات من الحياة وسنوانح الفكر.

وضع مكان كلمةِ (الاستشهادي) كل مجاهدٍ في سبيل الله وعاملٍ لدين الله..

الثغور خافضةٌ رافعة، يرفع اللَّه بها أقواماً ويضع آخرين، فاحذر أن يصطفيك اللَّه لسكنى الثغور ثم لا تؤديها حقها؛ نقل الإمام أحمد عن سفيان الثوري رحمهما اللَّه قوله: "إنّ اللَّه إذا أبغض عبداً أسكنه الثغور، وابتلاه بالمعاصي" فأغثنا مولانا وأعذنا من مقتك وغضبك!

الشيخ المربي ، صاحب الهمة العالية، والعزيمة المتقدة أحمد السيد حفظه الله وبارك به وسدد خطاه؛ كلُّ ما تراه عينك له من ميادين فسيحة من العطاء المبارك وهو دون الأربعين من عمره، فكيف يكون بعد ذلك! حفظ الله كل عامل لدين الله، وبارك به، وأعانه في شأن دينه ودنياه..

خيار السابع من أكتوبر كان خياراً بين ميتتين، ميتة الذي يرى جلاديه أقبلوا عليه وسكاكينهم قد جهزوها للذبح، وهو مع ذلك ينتظرهم لا يحرك ساكناً، وميتة الذي تسلل لأوكار العدو فسمع قهقهاته يخطط لذبحه، فلم ينتظره ليكمل الخطة ويشرع فيها، بل بادره بالطعن والضرب والاستنزاف بما يملك ولو كان قليلاً.. لقد اختاروا الموت بكرامة بدلاً من تجرع المهانة والموت البطيء، عندما  علموا أن قضيتهم العظيمة تُصفَّى بطلقةِ الخيانة والنسيان والتطبيع قالوا كلمتهم (عليَّ وعلى أعدائي) ودخلوا عليهم الباب..! وهم في ذلك كله مدركون لعواقب أفعالهم، يعلمون أن هذا الطريق غرمه غالب، وغنمه قليل، ولكنه خطوة هامة في طريق التحرير العظيم، وهل الفتح الأعظم سوى تراكم معارك وجولات صغيرة تمهد الطريق وتزيل العوائق أمام تحرير أكبر وفتح أعظم! وسيأتي -والله أعلم- ذلك اليوم الذي يضطر فيه أهل الجهاد في إدلب أن يقولوا ذات الكلمة، وحبنها سيكونوا في الخيار بين الميتتين، ولا بديل أمام الأحرار عن اختيار سبيل الموت بكرامة، ولكن ليس وحدهم فقط، بل يرسلون الموت زؤاماً حينها على عدوهم، وينشروه في قرى النصيرية والروافض، ليذوقوا بعض ما أذاقوه للشعب المسلم المستضعف، ولا تسل حينها عن التأييد الرباني والفتح الإلاهي!

في حديث عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- في صحيح ابن حبان مرفوعًا: "من أظل رأس غازٍ أظله الله يوم القيامة" يا طوبى من استعمله الله في خدمة أهل الجهاد!

عن أنس رضي الله عنه: أن النبي ﷺ لم يكن يدخل بيتا بالمدينة غير بيت أم سليم إلا على أزواجه، فقيل له، فقال: (إني أرحمها، قتل أخوها معي). بأبي أنت وأمي يا أوفى وفيّ، صلّى عليك اللَّه وسلّم!

كنت متوقعاً أن تثمر عزلته نتاجاً تربوياً وفكرياً، يسعد به الصديق المحب، نسأل الله أن يتقبل منه، وأن ينفعنا بعلمه.