مصطفى الولائي

"وقد كلّمت معتزلياً مرّةً في مسألة من المسائل الإمامية فاستظهرت عليه، فقال - وقد حَضَرَه العي: أترى خفي مثل هذا على الشيخين أبي علي وأبي هاشم؟! وهذا يُخرج المستدل إلى التقليد، بل يكون أَسْوَءَ حالاً ممن قلّد على التحقيق، لأن المقلّد لم يناقض في قوله إن كان اعتمد على التقليد ودان به وهذا المستدل قد ناقض في فعله لأنه قد ذم التقليد واستعمله، وهرب منه ورجع إليه؛ هذا مع خسارة راحة المقلّد وربح التقليد الذي لم يدر". «ولقد حضرت يوماً مجلساً وفيه جماعة من أهل النظر، فجرت مسألة استعظمها أحدهم، وأنكر الخوض فيما بينهم، فبعد أن حمي في إنكارها وادعى أن العقل يشهد بقبحها، قال له آخر: إن شيخك أبا هاشم قد ذكرها في بعض كتبه وأجازها، فانكسرت حينئذ حدته». وكلّ هذا عكس الصواب باعتبار الحقّ بالرجال، والواجب أن يكون قول الشيخ عند الناظر كقول غيره، ثم يزن القولين باعتباره وفكره، فإذا ظفر بالراجح منها تشبت به، ويحصل له بمعرفة الحقّ معرفة أهله، وكذلك قال أمير المؤمنين علي (ع): «ليس الحقّ بالرجال ولكن من عرف الحقّ عرف أهله». - الشيخ أبو الفتح الكراجكي (ت٤٤٩هـ)، ذكر الأساب الصّادة عن إدارك الصّواب، ط-مركز إحياء التراث ص٥٠-٥١.

فصل فيما نذكره من الدّعوات عند رؤية هلال شهر رمضان‌: اعلم انّ من آداب الوقوف لرؤية هلال شهر رمضان انّك تقصد بذلك العبادة للّه تعالى و امتثال امره الشريف في بيان أوّل وقت هذه الخدمة العظيمة الشأن، و ان تستعين به جلّ جلاله في الهداية إلى مطالعة و الدّلالة على فوائد ذلك و منافعه فإذا نظرته فقل ما رواه محمد بن الحنفية، عن مولانا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب «ع» قال: كان رسول اللّه «ص» إذا استهلّ هلال شهر رمضان‌ استقبل القبلة بوجهه و قال: اللهُمَّ أَهلهُ عَلَينا بِالأَمنِ والإِيمانِ، والسَّلامَةِ والإِسلامِ، والعافيَةِ المُجَلَّلَةِ(١) ودَفعِ‌ الاسقامِ، والرِّزقِ الواسِعِ، والعَونِ على الصَّلاةِ والصيامِ والقِيامِ وتِلاوَةِ الْقُرآنِ. اللهُمَّ سَلِّمنا لِشَهرِ رَمَضانَ، وَ تَسَلَّمهُ مِنَّا وَ سَلِّمنا فيهِ، حَتّى يَنقَضِيَ عَنّا شَهرُ رَمَضانَ، وقَد عَفَوتَ عَنّا وغَفَرتَ لَنا ورَحِمْتَنا. -(١) سحاب مجلّل: أي يجلّل الأرض بالمطر أي يعمّ، و يمكن أن يكونعلى صيغة المفعول يعني العافية التي جلّلت علينا، و جعلت كالمجلّ شاملة للناس. -الإقبال بالأعمال الحسنة، السيد رضي الدين ابن طاووس-ت٦٦٤هـ، ج١-ص٦٢-٦٣ ط-الحديثية.

وأما اعتراضه للمستدلّين فمعلوم في الكتب، وهو أن يحصل لبعض العلماء صيت وذكر وجلالة قدر ويذيع تصنيفه، ويشتهر تأليفه، فيجعل ذلك دلالة على صوابه في جميع ما يأتي به، ويستبعد تخطئته ويعظم مقامه، ولهذا كان أكثر المستدلّين إذا سلكوا طريق أحد من المتكلّمين وافوا في ذلك أصلاً وفرعاً، ولم يخالفوه في مسألة عقل ولا نقل، حتّى أنّ الحجّة إذا ثبتت على أحد من أصحابه، وتبينّ له بطلان مذهبه لم تسمح نفسه بالإقرار، ولم يزل على الجحد والإنكار، وكان الصادّ له عن قبول الصّواب ظنّه أنّ الحجّة التي وردت عليه كانت صحيحة لم تخف على شيخه ودبّ مقالته. - الشيخ أبو الفتح الكراجكي (ت٤٤٩هـ)، ذكر الأساب الصّادة عن إدارك الصّواب، ط-مركز إحياء التراث ص٤٩-٥٠.

في شيء من الأسباب الصّادة عن إدراك الصّواب، ومنها: اعتبار الحقّ بالرجال، وهذا مفتاح الضلال، وإنّما يجب أن يعتبر الرجال بالحقّ ، إذ لا يَعْرِفُ الصادق من لا يعرف الصدق، و اعتراض هذه للمقلّدين (١) واضح بيّن حدوده، وهو أنّهم يرون رجلاً قد يتميّز بنقل حديث، لا يعرف الباطل من الصحيح، أو كثرت دعواه وطال لسانه بانتحال مما ليس فيه فيحسنون الظنّ به ويقولون: ليس مثل هذا يضلّ في مذهبه، ويقلّدونه أمرهم، ويأخذون عنه دينهم. -(١) قد يتبادر الفهم بأنه يقصد تقلّيد الفقهاء الذي نحن عليه، وهذا فهم فاسد وإنما القصد مقلّدة المتكلّمة وغيرهم. - الشيخ أبو الفتح الكراجكي (ت٤٤٩هـ)، ذكر الأساب الصّادة عن إدارك الصّواب، ط-مركز إحياء التراث ص٤٩-٥٠.

قول النصيرية والإسحاقية من الشيعة في الحلول: وقالت النُصيرية، والإسحاقية -من غلاة الشيعة-: ظهور الروحاني في الجسماني لا ينكر، ففي طرف الشرّ كالشياطين، فإنّه كثيراً ما يتصور الشيطان بصورة إنسان؛ ليعلمه الشرّ ويكلمه بلسانه، وفي طرف الخير كالملائكة، فإنّ جبرائيل (ع) كان يظهر بصورة دحية الكلبي، والإعرابي، قالوا: فلا يمتنع أن يظهر الله تعالى في صورة بعض الكاملين، وأَولى الخلق بذلك أشرفهم وأكملهم، وهم العترة الطاهرة، وهو مَنْ يظهر فيه العلم والقدرة التامة من الأئمة من تلك العترة. ولم يتحاشوا عن إطلاق الآلهة على أئمتهم وهذه ضلالة بينة لا يحتاج بطلانها إلى بيان. «وقد اتم الرد عليهم ولم نأت به لقصد بيان عقيدتهم الفاسدة فقط، وهذه العقائد متسربة في مشارب أهل الغلو اليوم». -شرح الفصول النَّصيرية، الشّيخ عبدالوهّاب بن عليِّ الأسترآبادي (ت بعد ٨٨٣ هـ) ص ٨٩ ط-العتبة الحسينية المقدّسة.

ونقول أيضاً: لا ربط أتمّ من ربط الجاعلية والمجعولية ولا ربط أتمّ من ربط الربية الحقيقية والمربوبية الحقيقية، ومع هذا القسم من الربط الحقيقي والارتباط المعنوي لا وجه للقول بعدم معرفة المجعول الحقيقي لجاعله الحقيقي، وعدم معرفة المربوب الحقيقي لربّه الحقيقي، بل هذه المعرفة حاصلة في أصل الفطرة، كما يظهر على من راجع وجدانه الصحيح. - ملا شمسا الگيلانى، الرسالة التوحيدية.

وذكر المفسّرون أيضاً أنّ المشركين لم يكونوا منكرين لوجود الواجب جلّ شأنه، بل جعلوا آلهتهم شفعاء لهم، وقالوا: «أولئك شفعاؤنا»، فظهر أنّ المشركين ليسوا منكرين لوجود الواجب جلّ شأنه، فوجوده أمر ثابت بالاتّفاق، والاختلاف إنّما هو في إثبات الشريك، فالحكم بكفر المشركين ليس باعتبار إنكار وجود الواجب جلّ شأنه، بل إنّما هو باعتبار القول بتعدّد الآلهة، ولهذا روي عن النبيّ (ص) أنّه قال: «أمرت أن أقاتل الناس إلى أن يقولوا لا إله إلّا الله، محمّد رسول الله»، فالناس مكلّفون بالتوحيد، وأمّا القول بوجود الواجب فهو أمر ثابت باتّفاق الموحّدين والمشركين ولهذا إذا قال أحد من المشركين «لا إله إلا الله محمّد رسول الله» وقع من النبيّ (ص) الحكم بإسلام ذلك القائل، ولم يسأل أحد ذلك القائل عن علمه بوجود الواجب جلّ شأنه. - ملا شمسا الگيلانى، الرسالة التوحيدية.

إنّ تزايد الانتباه الأكاديمي في الآونة الأخيرة إلى العلاقة بين «العلماني» و«الديني» والسياسي والثيولوجي، بين السياسة والثيولوجيا، بين الإيمان والفعل السياسي، يعد إستجابة لأنبعاث الدين على المستوى العالمي وفي جميع الجبهات. وكما يشير إلى ذلك المؤرخ ديفيد سوركين David Sorkin قائلا «إن توقعات علماء الاجتماع الأوائل التي تقول إن الدين سيختفي.. لم يتم انتهاكهًا انتهاكًا خشنًا فقط من قبل الثبات العنيد للدين، أو إن شئت الدقة، من قبل قوته الثابتة، بل إنّ هذه التوقعات باتت مشوبة الآن بشائبة السذاجة نفسها التي عزاها مؤلفوا هذه التوقعات بثقة عالية في النفس وبطريقة سلطوية، للمناصرين للدين». - يوتام حوتام، الحداثة والغنوص نقاش فكري ألماني بعد الحرب، مركز نماء المجلد السابع، العدد ٢.